تقع مندلي على بعد 160 كم شمال شرق مدينة بغداد . يحدها من الشمال قضاءا (خانقين والمقدادية) ومن الجنوب قضاء بدرة التابع لمحافظة واسط ومن الشرق ايران ومن الغرب قضاءا بعقوبة والمقدادية .مندلي من مدن العراق التي ورد ذكرها مرارا” في كتب التاريخ التي رجحت تاريخها الى اكثر من ستة الاف سنة قبل الميلاد. قدم هذه المدينة اكدتها الحفريات التي قامت بها بعثة الاثار البريطانية عام 1966 بوجود قنطرة تعود الى ستة الاف وخمسمائة سنة قبل الميلاد مما يشير الى وجود مدينة عامرة وبيوت وحياة متحضرة.
عرفت مندلي منذ القدم باسم بندنيجين كاحدى مدن بابل المعروفة كما كانت احدى مدن المملكة العيلامية قبل خضوعها لحكم الميديين والاخمينيين والمقدونيين والفرثيين والساسانيين. اما في العهود الاسلامية فقد كانت جزءا” من الامارات الكردية المتعددة (كالحسنوية والجاوانية والبابانية ) كما كانت مندلي حتى وقت متاخر احدى مدن ناحية بدرايا (بدرة الحالية) التي الحقت باراضي الدولة العثمانية بموجب معاهدة زهاب لعام 1639
اضافة الى الاراضي الواقعة بين مندلي وخانقين التي تم ضمها الى العراق بموجب معاهدة ارضروم عام 1823 مقابل الاعتراف بالسيادة الايرانية على منطقة سومار التي بقيت تتبع مندلي حتى عام 1905 قبل ان تلحق بالاراضي الايرانية.
تشرف قصبة مندلي على سهول واسعة تعتبر من اخصب الاراضي في العالم حيث تسقيها مياه الوديان التي تنبع من جبال ايران اضافة الى وادي نهر كنكير الذي ينبع من (هيوان) ويمر (بسومار) ويجتاز الحدود مخترقا” جبال حمرين ليصب في السهل الفسيح حيث تنتشر البساتين اليانعة اضافة الى اكثر من مليون وربع المليون نخلة تعطي اجود انواع التمور التي يصل عدد انواعها في بساتينها الى اكثر من (170) نوعا” رغم الظروف القاسية ولكن اغلب هذه البساتين دمرتها الحرب وتحولت الى حقول لزراعة الحنطة والشعير.
تسمية المدينة:-
نظرا” لقدم هذه المدينة فهناك كم هائل من الروايات حول تسميتها فهناك من يعتقد ان الاسم الاصلي للمدينة كان( بندنيكان) المعربة الى بندنيجان ثم الى بندنيجين وذلك لوجود عدد كبير من سدود الجداول والسواقي (بندانة بمعنى السد الحاصر للماء وكان اداة للجمع )ولتأكيد التسمية فهناك العديد من العلماء والادباء والشعراء والقضاة ورجال الدين ممن نشأوا في هذه المدينة ولقبوا بها امثال(ابراهيم بن الفرج البندنيجي الذي عاش ايام الواثق العباسي وابو بشر البندنيجي الذي ولد عام 200هـ ببندنيج ونشأ فيها اديبا” وشاعرا” وكذلك القاضي ابو علي البندنيجي والشيخ ظهيرالدين البندنيجي) وغيرهم كثيرون. وهناك من يقول ان اسمها (بندانه كين ) في اشارة الى انها كانت مأوى المبعدين والمعتقلين منذ القدم . واعتقاد اخر ان الاسم الاصلي لمندلي هو(وندنيكان) جمع وندنيك ومعناه بالفارسية الملاكون الطيبون الا انه بعد فتحها من قبل الخليفة عمر بن الخطاب ورد اسمها( بندنيك) المكونة من (بند) ومعناها حدود و(نيك) ومعناها الطيب اي حدود الطيب لموقعها بين السهل والجبل. ورأي اخر ان اسمها جاء من (وندانكين) وذلك لوجود ثمرة الحبة الخضراء. ولكن يقال ان الاسم الاصلي للمدينة تغير في القرن الثامن الهجري الى مندليج ومن ثم الى مندليجين ومندوعلي ومندلي .
الاضرحة والمزارات والمواقع الاثارية:-
الاماكن الاثرية:-
تشتهر مندلي بعدد من الاماكن الاثرية التي هي عبارة اما عن بقايا لخرائب اثرية اوتلول تتواجد فيها بقايا خزفية اوطابوقات كسروية ومن اهمها:-
1)قصبة وتقع الى الشمال الغربي من مندلي والى الشرق من الطريق المتجه الى قرةلوس .
2)قلعة سفيد وتقع شرق مدينة مندلي على بعد خمسة كيلومترات.
3)الكشك(القصر) عبارة عن تلول اثرية تقع الى الشمال الغربي من جسر النفط على بعد خمسة اميال.
4)تلول الغاز وتقع الى الشمال الغربي من مندلي وعلى شاطىْ وادي النفط وفيها اثار ابنية .
5)مدينة وتقع على طريق مندلي-خانقين في منطقة قرةلوس وهي عبارة عن خرائب اثرية.
6)تبه روميل وتقع الى الجهة الشمالية من الطريق العام الذي يربط مندلي ببلدروز وعلى بعد 3كم شمال مقام نبي طهران (بنيامين).
7)الطالعة عبارة عن بناء مشيد من الطابوق(الاجر).
8)تل الاضباعي.
الاضرحة والمزارات:-
1)من اشهر المراقد مرقد الامام كرزالدين وهو السيد احمد بن اسحق بن هاشم بن جعفر الطيار(رض) الملقب باحمر العينين ويقال ان اسم كرزالدين مستعار وذلك للتستر في وقت ملاحقة العلويين.
2)ضريح الشيخ محمد الذي يقع في نهاية محلة السوق الكبيرويقال ان المدفون فيه هو محمد بن ابي بكر الصديق.
3)مزار بابا طاهرعريان اللري الهمداني وهو عبارة عن مزار موهوم اقيم من قبل الكاكائيين ويقع في الجنوبالشرقي من محلة السوق الكبير.
4)ضريح الشيخ مندلي ويقع المزار وسط محلة قلعة جميل بك ويقال ان المدفون فيه هو(عبدالرحمن بن علي بن زين العابدين).
5)بابا حافظ ويقع المزار في نهاية محلة قلعة جميل بك ويقال انه مزار السيد(علي بن الامام موسى الكاظم).
6)السيد رحمان الذي يقع على تلة غرب مندلي وجنوب محلة بوياقي حيث يقال انه من اولاد الامام موسى الكاظم.
7)الشيخ عبدالله الشيرواني وهو من العلماء الاكراد الذين عاشوا في مندلي وكان مدرسا” واماما” وخطيبا” في الجامع الكبير ومرشدا” للطريقة النقشبندية توفي اواخرالقرن الثالث الهجري و دفن في هذا المكان.
الاسر المعروفة في مندلي:-
1)اسرة البندنيجي وهي اسرة علمية من سالكي الطريقتين القادرية والنقشبندية وكانت لهم تكيتان في بغداد ومندلي ومن ابرز ابناء هذه العائلة السيد ظاهر البندنيجي.
2)اسرة ال النقيب وهي اسرة معروفة بالنفوذ والثراء وال النقيب عائلتان عائلة السيد علي اغا وابرز ابنائها السيد عزالدين النقيب وعائلة السيد مهدي اغا وابرز الاشخاص فيها السيد نجم الدين السيد خضر اما لغة التخاطب في هذه الاسر فهي الكردية الكلهرية.
3)اسرة ال شكير وهي اسرة ثرية مرفهة مؤسسها الحاج محمود بن شكور الذي قام باعمار الجامع الكبير من جديد.
4)اسرة الملا معروف افندي وهي اسرة محترمة يدعون الانتساب الى عشيرة البيات العربية (فخذ البو حسن)ومن ابرز ابناء هذه الاسرة عبد الستار افندي وهو رجل ملاك صاحب ديوان يتزعم ابناء السنة في المدينة ولغة التخاطب في بيوتهم التركية وبين الاهالي بالكردية والعربية.
5)اسرة السيد محمد القمي وهي اسرة علمية كانوا يتولون الامامة والوعظ وعرفوا بحسن الاخلاق والعطف على الفقراء. وهناك اسر اخرى معروفة ومنهم اسرة يوسف افندي واسرة الملا صالح واسرة جوغةدار واسرة حبيب اغا واسرة ابراهيم كوران واسرة دارا وغيرهم.
مؤشرات سياسة التعريب في مندلي واسباب الهجرة الجماعية :-
كانت مندلي ولفترات تاريخية طويلة تابعة للامارات الكردية وكانت من البلدات الكردية التي كان سكانها يتكلمون الكردية فقط. الاان خضوع المدينة لحكم العثمانيين لعدة قرون بعد تقلص النفوذ الايراني في المنطقة ومن ثم احتلال العراق من قبل البريطانيين وتعاقب الحكومات الدكتاتورية فيما بعد الدور الكبير في زحف القبائل العربية من الغرب والجنوب الغربي وبالتالي التأثير في تكوين المدينة القومي . وبامكاننا القاء الضوء على السياسة التي كانت متبعة لتغييرالواقع السكاني في المدينة منذ عام 1947 وحتى سقوط الصنم في عام 2003 وكالاتي :-
1)نفوس قصبة مندلي في عام 1947 كانت (9747) نسمة بينما في عام 1957 كانت(9772) اي بزيادة(25)نسمة فقط خلال عشرة اعوام ولعل السبب في هذه الزيادة القليلة هو ان السلطة العراقية قامت في تلك الفترة بتهجير الوف من اكراد مندلي الى الاراضي الايرانية بحجة انهم جاؤوا من ايران واخرين منهم الى وسط وجنوب العراق مما عمق الفرق بين نسب الكرد ونسب الوافدين من العرب .
وكانت عشيرة قرةلوس من ابرز العشائر الكردية التي طالتها حملات التهجير وخاصة في عقدي السبعينيات والثمانينيات .
2)لكون مندلي تحوي ست محلات او قلاع كبيرة ولكون هذه المحلات او المناطق تمثل مناطق المدينة المختلفة فاذا عدنا الى احصاء عام 1947 بامكاننا ان نبين نسب السكان في هذه المناطق واللغة التي يتكلمون بها.( ا-قلعة جميل بك النفوس 3117 (32%) معظمهم اكراد جعفريون).(قلعة بالي النفوس 2079 (31,3%) معظمهم اكراد شيعة).
(قلعة ميرحاج(قلم حاج) النفوس 694 (7,1%) اكراد من الكاكائية).
(السوق الكبير النفوس 1032 (10,6%)خليط من الكرد والتركمان والعرب السنة)
(محلة البوياقي النفوس 2018 خليط من الكرد والعرب والتركمان السنة)
(محلة النقيب النفوس 808(8,3%) خليط من العرب والتركمان السنية)
لذا ومن خلال هذه الاحصائية نجد ان سكان مندلي غالبيتهم كانوا من الكرد والتي تجاوزت نسبتها حسب احصائية عام 1947 حوالي 70% .
3)من خلال نتائج تعداد سكان العراق لعام عام 1957 والمعدل في عام 1959 وجد ان نسبة الكرد لا تتجاوز 20% من مجموع سكان المركز وفي احصاء عام 1977 وجد انها تقل عن 1% بينما بلغت سكان العرب 99%. اي ان حجم سكان الكرد في المدينة بين عامي 1957 و 1977 كان يميل الى الانخفاض بنسبة 5% سنويا” اما حجم سكان العرب فكان يزداد بنسبة 22% سنويا” لتصل الى 99% من مجموع سكان المدينة .
3)تعريب اسماء الاحياء والساحات والشوارع والمؤسسات بهدف طمس الهوية القومية للمنطقة وكالاتي:-
4)قلعة جميل بك الى البعث …قلعة بالى الى14 رمضان…السوق الكبير الى 17 تموز…النقيب الى الحرية…قلم حاج الى 7 نيسان…كبرات الى 14 تموز وغيرها.
5)دعم وتشجيع السلطات العراقية للعرب الوافدين وتقديم السكن والمكافأت والامتيازات المتمثلة بتوزيع الاراضي الزراعية واعطاء السلف والمنح والقروض لهم واقامة القرى وحفر الابار والاسراع بتنفيذ مشاريع الارواء لذا تحركت عشائر كثيرة باتجاه المنطقة لايجاد موقع لها في القضاء .
ومن اهم تلك العشائر التي استوطنت القضاء:- 1- البوجواري التي استقرت في وادي النفط …2-الدهلكية استقرت في وادي النفط…5- الردينة وهم من ربيعة جاؤوا الى المنطقة بعد صراع مع عشيرة البومياح…6- العواذل وسكنوا وادي النفط …7-الندا استقرت في مندلي وهناك العشرات من العشائر العربية الاخرى التي جاءت الى المنطقة وسكنتها.
6)اساليب التنكيل والقمع والمصادرة وتلفيق الاتهامات الباطلة بحق السكان وخاصة الكرد منهم كونهم الاغلبية ومعاقبتهم فضلا” عن اساليب القهر المتمثل في منع التكلم باللغة الكردية او التزيي باللباس الكردي او اقامة المناسبات الخاصة بهم .
7) اهمال السلطات السابقة للمدينة ووضعها ضمن موازنات الحرب مع ايران وابعادها الاعلامية والنفسية فبدلا” من ان يعزز الوضع النفسي لاهالي المدينة فقد تم تدميره بقرار تنزيل مرتبة مندلي الادارية من قضاء الى ناحية وترتب على ذلك تحويل الدوائر الرسمية الى بلدروز.
8) اماالمياه فقد كانت المدينة تحصل عليها من مصدرين الاول وادي حران والقادم من ايران وله مشاكله الكبيرة التي تمتد جذورها الى العهد العثماني والمصدر الثاني قناة مندلي الاروائية التي تاخذ المياه من صدر نهر ديالى ولكن التجاوزات على هذا المشروع افرغته من اهميته.
9)بقاؤها دون اعمار رغم مرور سنوات على انتهاء الحرب كل هذه الاسباب ادت الى تقليص حجم سكان الكرد في مندلي من 34 الف نسمة قبل الحرب مع ايران الى اربعة الاف نسمة قبل سقوط النظام لذا رحل السكان منها وتركوا وراءهم بيوتا” وبساتين مهجورة وصمتا” ابديا” مما يعكس الصورة الحمقاء التي دأب النظام السابق عليها دائما” في سياسته الداخلية والخارجية وقد ان الاوان لنا ان نفكر في كيفية إعادة السمة الكردستانية لهذه المدينة العراقية العريقة.
الاتحاد