(صوت العراق) – 06-03-2007
البيشمه ركه علي سنجاري
كنت فتى في العاشرة من العمر عندما اندلعت ثورة بارزان 1943. ثم اعقبتها ثورة 1945 وكنت اسمع بأسم بارزان والملا مصطفى البارزاني. من خلال الاحاديث التي كانت تدور في مجالس الكورد السنجاريين مسلمين وايزديين وكانوا يشيدون ببطولات ثورة الشيخ محمود في السليمانية وبارزان من خلال الاناشيد الوطنية الفلكورية . حتى اصبح اسم بارزان والملا مصطفى البارزاني مطبوعا في ذاكرتي . وبعد مرور سنوات وغدوت شابا يافعا وانا اتابع اخبار مايجري في كوردستان . واخبار الملا مصطفى الذي كان قد التحق بجمهورية كوردستان الديمقراطية في كوردستان الشرقية وعاصمتها (مهاباد) واصبح مصطفى البارزاني قائدا عسكريا لجيش جمهورية كوردستان . الا انه وبعد ان تآمر شاه ايران وخذل استالين الكورد وتخلى عنهم حتى انهارت تلك الجهمهورية الكوردية الفتية وتم اعدام رئيسها الشهيد قاضي محمد . حيث توجه البارزاني مع زهاء 550 مقاتلا مناضلا من رفاقه الى الاتحاد السوفيتي السابق . التقيت في منتصف الخمسينيات باستاذي الكبير الشهيد صالح اليوسفي الذي كان يشغل وظيفة كاتب عدل في محكمة سنجار، وكان الشهيد اليوسفي شخصا رزينا يتحدث بهدوء وثقة عالية بالنفس، وكان يتحدث في مجلسه في داره وامام زائريه،عن الملا مصطفى وهو يواصل نضاله في الاتحاد السوفيتي ويطلب دعم السوفيت لانقاذ شعبه من الاحتلال والظلم والارهاب . وكان اليوسفي يردد احيانا . أن البارزاني قد أسس حزبا كورديا سياسيا قبل ان يتوجه الى الاتحاد السوفيتي . فسألته هل لهذا الحزب وجود في منطقة الموصل ؟ فأجاب بالاجاب، فكان يكفي بالنسبة لي ان اطلب الانضمام الى (البارتي) قبل الاطلاع على برامجه ونظامه الداخلي طالما ان البارزاني هو رئيسه ودخلت صفوف (البارتي) على يد استاذي الشهيد المرحوم صالح اليوسفي وكنت اتردد على البارزاني الخالد وانا كادر بسيط في الحزب عندما كان في بغداد واخذت اتدرج في المسؤوليات الحزبية وكانت علاقتي معه مستمرة حتى النهاية .
عندما كان البارزاني الخالد في الاتحاد السوفيتي حتى عودته الى العراق بعد ثورة 14/تموز 1958 وتحديدا في1958/10/4 . كان التثقيف في الخلايا الحزبية يدور في كل اجتماع حول كون البارزاني الخالد ورفاقه الذين كانوا معه يتلقون التدريب والدعم العسكري من السوفيت وسوف يهبطون بالمظلات قريبا في منطقة المثلث الحدودي مع ايران وتركيا داخل كوردستان ومعهم احدث انواع الاسلحة المتطورة للقيام بالثورة من جديد، هكذا كان امل الجماهير الحزبية بعودة البارزاني الخالد، وعند عودته عام 1958، كان عدد اعضاء الحزب الديمقراطي الكوردي كان هذا هو اسم (البارتي) انذاك لايتجاوز ألفي عضو وبضع مئات من المرشحين . الى جانب اعداد كبيرة من المؤيدين جلهم من محبي ومريدي بارزان والبارزاني وبعد عودة البارزاني بعام واحد تضاعف هذا العدد واستمر في الازدياد حتى وصل عدد الاعضاء الى سبعة الاف في المؤتمر الخامس الذي عقد في1960/5/10 اي بعد ان اجيز البارتي في منتصف كانون الثاني 1960 لممارسة نشاطه الحزبي بصورة رسمية . بعد انحراف اللواء عبدالكريم قاسم عن موقفه حيال القضية الكوردية وتجميد المادة الثالثة من الدستور العراقي المؤقت التي نصت على شراكة الكورد والعرب في الوطن العراقي، لم يبق امام البارزاني الخالد طريق سوى العودة الى حمل السلاح للدفاع عن شعب كوردستان حيث شن عبدالكريم قاسم الحرب في التاسع من ايلول 1961، فتصدى البارزاني ومعه كوادر وجماهير البارتي وابناء كوردستان المخلصين لعدوان قاسم وسرعان مااندلعت شرارة الثورة بقيادة البارزاني الخالد لتشمل منطقة كوردستان من زاخو حتى خانقين وكان البارزاني رباناً ماهراً يقود سفينة الثورة وسط موجات عاتية متلاطمة حتى الوصول الى شاطئ بر الامان في الحادي عشر من اذار 1970، الا ان اعداء الكورد وكوردستان كانوا له ولشعبه الكوردستاني المناضل بالمرصاد فكانت الخيانة وكان التآمر في السادس من اذار1975 . في الجزائر فتعاون العديد من اصحاب الشرور والغدر ضد البارزاني وشعبه، الا ان راية النضال لم تنتكس وبقيت خفاقة عالية يرفعها نجله المناضل مسعود ومعه اخوانه وكل المخلصين لكوردستان ونهج البارزاني الخالد .
لقد كان البارزاني الخالد متواضعا يستقبل الكبار والصغار وهو واقف ولم يجلس حتى يجلس الضيف ويستمع الى احاديث المتكلم حتى ينتهي من حديثه وغالبا ماكان يخرج الضيف الا وهو مرتاح ومسرور، وكان طعامه ولباسه لايختلف عن بقية البيشمه ركه.
وكان كريما بالرغم من قلة المال ويقول بأن مالدى الثورة من الامكانيات المادية المتواضعة . فهي ملك لشعب كوردستان وانا لااملك شيئا ويعطي الفقراء والمحتاجين قبل البيشمه ركه والحزبيين. كان البارزاني ديمقراطيا في الاجتماعات الحزبية للقيادة وكان لايبدي برأيه قبل الاخرين وكنا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للبارتي نسأله عن رأيه في موضوع ما فيقول بانني لاابدي برأيي قبلكم كي لاتتأثرون به وتوافقون عليه لربما اكون على خطأ كنت قريبا من البارزاني الخالد بصفتي عضوا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني لسنوات طويلة لم ار يوما انه قد فرض اراءه على الاخرين وكان يحترم اراء الجميع .
لقد ناضل مصطفى البارزاني الخالد اكثر من نصف قرن من الزمن ولم يذق طعم الاستقرار والتمتع بالحياة والحرية وطرق ابواب الشرق دعاة الحرية ومناصرة الشعوب المظلومة كما كانوا يدعون . فكانت الابواب موصودة بوجهه ولا احد يستجيب لاغاثة شعبه فتوجه صوب الغرب دعاة اليمقراطية وحقوق الانسان فكان هناك هنري كيسنجر وزير خارجية امريكا الاسبق وكان الغدر واتفاقية الجزائر الخيانية . واخيرا استشهد على سريره في الغربة قبل ان يرى كوردستان وقد تحررت لينام قرير العينين الا ان روحه الطاهرة ترفرف في سماء كوردستان وهو يرى خلفه المناضل الشجاع ابا مسرور وقد سار في درب ابيه ليكمل الرسالة ويشيد البناء والاعمار على تلك الاسس المتينة التي وضع والده الخالد حجر الاساس لها في اعماق كوردستان الحبيبة .
تحية عطرة الى روح البارزاني الخالد العظيم رمز نضال الامة الكوردية بمناسبة مرور الذكرى الثامنة والعشرين على رحيله، وتحية الى جميع شهداء الكورد وكوردستان .