مركز الدراسات الإقليمية – جامعة الموصل
مقدمة:
الحركة النورسية (النورجية: نورجيلر Nurculuk) (1) أو أصحاب النور في تركيا، حركة دينية ذات طابع سياسي وهي لا تختلف عن الحركات التجديدية التي شهدها العالم الإسلامي منذ منتصف القرن الثامن كالوهابية والسنوسية والمهدية، وتنتسب الحركة النورسية إلى مؤسسها سعيد ألنورسي 1873-1960 المعروف بـ (بديع الزمان) وقد ظهرت النورسية في تركيا أواخر العشرينات من القرن العشرين، ثم انتشرت بحيث صار لها أتباع ومؤيدون في تركيا وخارجها منذ الخمسينات والستينات من القرن الماضي.
إن بحثنا هذا، محاولة للوقوف طبيعة هذه الحركة، ومتابعة نشأتها من خلال سيرة وحياة مؤسسها، وتوضيح مرتكزاتها الفكرية، وأخيراً طبيعتها وآثارها في تركيا المعاصرة.
أوضاع تركيا السياسية قبل ظهور الحركة النورسية:
شهدت الدولة العثمانية منذ منتصف القرن الثامن عشر محاولات عديدة لإصلاح نظمها ومؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولقد انقسم دعاة الإصلاح إلى فريقين ذهب كل منهما مذهب في سبل الإصلاح، فالفريق الأول، كان يرى أن العلاج يكمن في تطبيق الأنظمة الإسلامية والتقاليد العثمانية الأصيلة . أما الفريق الثاني، فقد ارتأى أن الإصلاح يستلزم اقتباس النظم الأوربية واستلهامها ويبدو أن نجاح الدول الأوربية في الأمور العسكرية، وفي تطوير أنظمتها الاقتصادية،واندفاعها في سبل النهضة، رجح رأي الفريق الثاني، وصارت حركة الإصلاح تستهدف تطبيق الأنظمة الأوربية الحديثة في مجالات الحياة العثمانية المختلفة، مع عدم التفريط بأحكام الشريعة الإسلامية(2).
في 33 تموز 1908 قامت مجموعة من الضباط المنتمين إلى جمعية الاتحاد والترقي السرية، بثورة دستورية تمخضت عن أجبار السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) على إعلان إعادة العمل بدستور 1876 المعطل منذ سنة 1877، وقد رفع الانقلابيون شعارات: الحرية والإخاء والمساواة (3) ولم يتسلموا الحكم مباشرة ،بالرغم من أنهم شكلوا الأكثرية في البرلمان (مجلس المبعوثان )، ولكنهم حرصوا على أن يكون السلطان والصدر الأعظم، تحت رقابتهم الشديدة وأشرافهم المستمر(4).
لقد أخذت قوى الثورة المضادة تتهم الاتحاديين بالخروج على مبادئ الإسلام، ومخالفة الشريعة، وتحقير رجال الدين، وقد تمثلت هذه القوى بمنظمة أطلقت على نفسها اسم (اتحادي محمدي جمعيتي ) أي جمعية الاتحاد المحمدي ، وقد تألفت هذه الجمعية في استانبول، وكانت ذات مظهر ديني، لكنها ذات هدف سياسي، ومن زعمائها: حمدي جاويش، ويسانده واعظ استانبول: درويش وحدتي(5)، وقد تركزت دعوة الجمعية على وجوب الوقوف ضد (الدستور) لمخالفته، على حد اعتقاد زعماء الجمعية، الشريعة الإسلامية، وفي 31 مارت (آذار) 1325 رومية الموافق 13 نيسان 1909، تجمع عدد من الجنود وطلبة المدارس الدينية بقيادة حمدي جاويش في ميدان أيا صوفيا في استانبول، وأعلنوا تمردهم وانطلقوا في تظاهرة ضمت عدداً من مؤيديهم وهم يهتفون: “شريعت ايسترز” أي: “نريد الشريعة، نريد الشريعة”، وقد حاصر المظاهرون البرلمان، وأعلنوا مطالبهم التي كانت تتلخص بالدعوة إلى استقالة وزارة حسين حلمي وتطبيق الشريعة وإلغاء الدستور ونفي أعضاء الاتحاد والترقي من الخارجين على الشرع الشريف(6).
استقالت وزارة حسين حلمي، وخلفتها وزارة توفيق باشا، وهرب معظم قادة جمعية الاتحاد والترقي، وقتل عدد منهم في استانبول(7)، ولكن الكتل السياسية الأخرى المؤيدة للدستور، سرعان ما تداركت الموقف، وأعلنت تشكيل تجمع عام باسم (جمعية الاتحاد العثماني) ضم بعض النواب، وجمعية العلماء، وهدف التجمع: الحفاظ على الدستور(8).
أبرق محمود شوكت، قائد حامية مقدونيا إلى استانبول في 16 نيسان 1909، بأنه عائد إليها لإقرار النظام، وانه سيبذل كل جهوده في سبيل الدستور، وقد تحرك من سلانيك يرافقه كل من أنور ونيازي وهما من كبار قادة جمعية الاتحاد والترقي ودخل العاصمة وأصدر بيانات عامة بتوقيع: قائد الجيش الثالث، أشار فيها إلى “أن الجيش قد اتخذ الإجراءات التي تحول دون انتشار الحركات الرجعية إلى الولايات العثمانية” وتعهد بالمحافظة على الأمن والانضباط وتقديم الأشخاص المسؤولين عن الاضطرابات إلى المحاكمة “لمحاسبتهم على الدماء البريئة بموجب الشرع الشريف”(9).
أخذت جمعية الاتحاد والترقي، تنادي بالويل والثبور قائلة:”إن السلطان عبد الحميد يريد أن يمحو الدستور، ويفتك بحماته وإبطاله، وانه وراء تلك النشاطات الرجعية، ليسترد ماكان يتمتع به من الحكم المطلق(10)، وفي نيسان 27 نيسان 1906، اجتمع مجلس الأعيان والمبعوثان في جلسة مشتركة قرروا فيها خلع السلطان عبد الحميد واجلاس أخيه محمد رشاد (1909-1918) باسم السلطان محمد الخامس على عرش الدولة العثمانية، ونفي السلطان السابق إلى سلانيك، وقد أصبح الاتحاديون، بعد خلع عبد الحميد السلطة الحقيقية في البلاد(11).
واثر نشوب الحرب العالمية الأولى، قرر الاتحاديون دخولها في 4 تشرين الثاني 1914 بجانب دول الوسط، وذلك تنفيذا للمعاهدة السرية المعقودة بينهم وبين الألمان في 2 آب 1914، وانتهت الحرب، بهزيمة الألمان والدولة العثمانية(12)، وقد غزت جيوش الحلفاء وهي جيوش بريطانيا وفرنسا واليونان والأناضول، وعند ذاك بدأ الجنرال مصطفى كمال (1880-1938) وهو مفتش الجيش الثالث، في 19 مايس / أيار 1919 حرب تحرير وطنية في سهول الأناضول وهضابه، وفي حزيران 1919 عقد مصطفى كمال اجتماعاً في أماسية مع عدد من قادة الجيش، أكد فيه أن السلطان، وكان آنذاك وحيد الدين الملقب بـ(محمد السادس 1918-1922) وإتباعه يتعاونون مع أعداء البلاد من المحتلين والغزاة، وأثناء مؤتمر ارضروم المنعقد بين 23 تموز و 7آب 1919، طلب مصطفى كمال من سلطان تركيا النهوض للدفاع عن استقلال البلاد(13).
ولم يجد السلطان محمد السادس، والذي أصبح يعيش في قصره باستانبول، تحت حماية حراب الإنكليز، ما يقاوم به مصطفى كمال سوى إشهار سلاح الدين في وجهه واتهامه وأنصاره بالكفر والزندقة، لذلك استصدر من شيخ الإسلام آنذاك: (در زادة عبد الله) فتوى توجب على” المؤمنين” محاربة “الكماليين” أي أنصار مصطفى كمال، وتحلل سفك دماء زعيمهم(14)، أما مصطفى كمال، فانه لم يلتفت إلى هذه الفتوى، وإنما راح يكرر في بياناته آيات قرآنية وعبارات تثير حماس مواطنيه وتدفعهم إلى النضال والتضحية في سبيل الوطن وخوض المعارك لطرد الغزاة(15).
وعندما احتل البريطانيون استانبول، دعا مصطفى كمال إلى قيام (المجلس الوطني الكبير) وقد استمر هذا المجلس بالانعقاد بين 23 نيسان 1920و 23 نيسان 1922، للمعارك الضارية وتمكنوا من دحر الغزاة وتطهير استانبول منهم والحصول على صلح مشرف، ضمن استقلال تركيا ووحدة أراضيها(16).
وفي الأول من تشرين الثاني 1922 شرع المجلس الوطني الكبير، قانوناً عد فيه نفسه صاحب السلطة العليا في البلاد، وألغى السلطنة، وبذلك انتهت الدولة العثمانية رسمياً وفي 16 تشرين الثاني 1922 اتهم المجلس الوطني الكبير السلطان محمد السادس بالخيانة، لكنه هرب إلى مالطة، لذلك تكونت هيئة لعرض مقام الخلافة على عبد المجيد الثاني بن السلطان عبد العزيز (1922-1924)(17)، وفي آذار 1924 وافق المجلس الوطني الكبير على مقترح مصطفى كمال لخلع الخليفة، وإلغاء الخلافة، كما وافق على قرار بإلغاء وزارة الأوقاف، وتشكيل (رئاسة الأمور الدينية) وربطها بمكتب رئيس الوزراء على أن تتولى إدارة الجوامع والمساجد والزوايا في البلاد، وكان مصطفى كمال يرمي من وراء هذه الإجراءات قمع معارضة الفئات الدينية، لذلك ما أن تم له إلغاء الخلافة حتى أجرى سلسلة من التغيرات التي استهدفت تحقيق فكرة “فصل الدين عن الدولة” ومن ذلك، إلغاء وظيفة شيخ الإسلام، وإلغاء المحاكم الشرعية(18)، ولقد أثارت إجراءات مصطفى كمال (العلمانية) سخط بعض رفاقه الذين انشقوا عليه، كما نشبت حركة كردية مسلحة في المناطق الجنوبية الشرقية في الأناضول بقيادة الشيخ سعيدبيران أو الشيخ سعيد النقشبندي أو الشيخ سعيد بالولونسبة إلى قصبة بالو التي كان يسكنها ، سنة1925 وقد اتخذت هذه الحركة من الدعوة إلى إعادة الخلافة شعارا لها، كما بدأت بعض العناصر المؤيدة للتوجه الديني العمل ضد مصطفى كمال ونشط علماء الدين واخذوا يدعون الناس إلى إعلان احتجاجاتهم على إجراءات الحكومة، ووزعت بين سكان الأناضول، منشورات معادية لقرار إلغاء الخلافة واعتبار هذا القرار بمثابة “الاعتداء الصريح على الدين الإسلامي”(19).
أما مصطفى كمال، فقد أدرك، انه لابد من اتخاذ خطوات أخرى في طريق تأكيد “علمانية تركيا وتحديثها” ووجد أن الطرق الصوفية المنتشرة في تركيا آنذاك، وراء تحرير السكان للعمل على إسقاط ما أسموه بـ(الجمهورية الملحدة)، ولذلك قرر توجيه ضربة الى الطرق الصوفية، وألقى يوم 30 آب 1925 خطاباً في مدينة قسطموني الواقعة شمال الأناضول، قال فيه:”إن الجمهورية التركية العلمانية لايمكن أن تكون بعد اليوم أرضا خصبة للمشايخ والدراويش وإتباعهم من أصحاب الطريق… وعلى مشايخ الطرق أن يفهموا هذا الكلام بوضوح وبالتالي أن يعلقوا زواياهم وتكاياهم عن طيبة خاطر، والى الأبد، قبل أن أدمرها فوق رؤوسهم”(20). وما أن عاد من قسطموني، حتى ترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء في الأول من أيلول 1925، وقد تقرر في هذا الاجتماع إغلاق التكايا والزوايا(21)، وما لبثت هذه الإجراءات أن تطورت، فحرم على العلماء أن يلبسوا زيهم الديني إلا في المسجد، كما قلل عدد الوعاظ، وأصبح هؤلاء يقبضون رواتبهم من الحكومة، وفرض عليهم أن يقصروا خطبة الجمعة على المسائل الدينية (22).
وفي 17 شباط 1926، ألغى المجلس الوطني الكبير العمل بالشريعة الإسلامية حتى في الأحوال الشخصية على اعتبار أن الشريعة تلك “وجدت لتجيب مطالب الحياة في الجزيرة العربية منذ أربعة عشر قرناً” وسارت الحكومة الكمالية في سياستها العلمانية أكثر عندما ألغت في نيسان 1928 المادة الثانية من دستور 1924 والتي كانت تنص على أن “الإسلام هو دين الدولة الرسمي”، كما حذفت العبارة الواردة في صدر المادة(26). التي تعدد اختصاصات المجلس الوطني الكبير، وتنص على أن واجباته “تنفيذ أسس الشريعة”، وحينما شعر مصطفى كمال، أن بعض العناصر المؤيدة للتيار الديني، عادت إلى نشاطها السياسي المعادي للدولة العلمانية، ادخل في قانون العقوبات مادة تنص على أن “الذين يحرضون الشعب على القيام بإعمال مخلة بأمن الدولة، متسترين بلباس رجال الدين أو يدفعونهم إلى عصيان القوانين والأنظمة العلمانية، بحجة أن نظام العلمنة يسئ إلى المقدسات الدينية يعاقبون وفقاً للقوانين المرعية، وكذلك يعاقب كل من يؤلف حزبا سياسيا يستند إلى التعاليم الدينية ، وتضمن القانون موادا تنص على معاقبة جميع الوعاظ في المساجد وسائر رجال الدين الذين يحولون دون تطبيق قوانين الدولة وانظميها ، أو يحرضون الناس على عدم إطاعة هذه القوانين والأنظمة، كما يعاقب كل من يقيم احتفالا دينيا خارج ألاماكن المخصصة للعبادة (23) .
لم يكن باستطاعة إجراءات الحكومة التركية ، من الناحية العملية القضاء على تأثيرات الإسلام الروحية والاجتماعية ، إذ سرعان ما واجهت تلك الإجراءات معارضة شديدة من بعض علماء الدين، وشيوخ الطرق الصوفية والمثقفين المتدينين ، الذين قرروا العمل ضد سياسة الكماليين العلمانية ، وبدأت منذ العشرينات تتردد في أنحاء كثيرة من تركيا أصداء منشورات ، ومطبوعات دينية ، سياسية سرية يهاجم فيها كاتبوها العلمنة المرادفة في نظرهم للكفر والإلحاد (24) .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ودخول تركيا في مرحلة تعدد الأحزاب ، تنامت المعارضة الدينية ، كما بدأت ظاهرة استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية من قبل بعض الأحزاب السياسية ، وفوق هذا وذاك ، اتجهت بعض الأحزاب ، إلى تأكيد احترامها للأفكار والتعاليم الدينية للسكان وتضمين ذلك في برامجها السياسية ، وخلال السنوات 1946- 1948 ظهرت منظمات وجمعيات ذات طابع ديني ، كما صدرت جرائد ومجلات دينية كان الكماليون قد منعوها عند وصولهم السلطة ، وقد دعت هذه التجمعات حزب الشعب الجمهوري وهو الحزب الحاكم بالتخلي عن سياسته العلمانية ، وتدخله في شؤون الناس الدينية ومعتقداتهم كما طالب البعض ، بإلغاء القوانين العلمانية ، وتربية النشئ الجديد تربية دينية (24) .
لقد أظهرت انتخابات سنة 1946 تنامي دور الظاهرة الدينية ، السياسية في تركيا ، وفي ظروف المواجهة بين حزب الشعب الجمهوري ، وقوى المعارضة بعد الحرب العالمية الثانية اضطرت قيادة حزب الشعب الجمهوري ، إلى التخفيف من سياستها العلمانية ، ومن ذلك قرارها في سنة 1948 السماح بتخصيص الأموال للراغبين بأداء فريضة الحج ، وفي كانون الثاني 1949 نظمت دورات لإعداد ( ألائمة والخطباء ) وتقرر في السنة ذاتها تدريس المواد الدينية في المدارس الابتدائية ، ورحبت كذلك في الوقت ذاته ، بمشروع قرار تقدم به مجلس جامعة أنقرة ، لفتح كلية للعلوم الدينية (25) .
إن تلك الإجراءات لم تؤد إلى إرضاء حركات المعارضة الدينية التي أخذت تتنامى منذ سنة 1950 ، وكان من ابرز قوى المعارضة ، النورسية ، إذ دعا مؤسسها سعيد ألنورسي ، إلى إعادة العمل بالشريعة الإسلامية ، وبدا يسعى لما اسماه بـ ( إنقاذ الإسلام في تركيا ، وذلك بالدعوة إلى تجديد الإيمان ) (26) ، وقد اتسعت نشاطاته ، وكثر إتباعه الذين أصبحوا يعرفون بأصحاب النور أو جماعة النور ( نور جيلر ) فمن هو ألنورسي ، وما مرتكزات حركته ، وما طبيعتها وتأثيرها في المجتمع التركي المعاصر .
حياة ألنورسي وسيرته :
تنتسب الحركة النورسية إلى سعيد ألنورسي .. وقد ولد من أبوين كرديين في قرية نورس التابعة لقضاء خيزان من ولاية بدليس القريبة من مدينة وان (27) ، وتقع نورس جنوب شرقي الاناضول وذلك سنة 1293هجرية ( 1873ميلادية ) ، وكان ابوه فلاحا ، وقد اتجه منذ مطلع حياته إلى طلب العلم ، متأثرا بتوجهات أخيه الكبير ( الملا عبد الله ) الدينية ، فراح يدرس في الكتاتيب والمدارس الدينية المنتشرة في قريته والقرى المجاورة ،وقد عرف منذ ذلك الوقت بـ ( الملا سعيد ) ( 28) ، ولم ينتظم ألنورسي في مدارس حكومية ، وبالتالي ، فانه لم يحصل على تعليم نظامي ، ولم ينل أي شهادة ( 29) ، وقد كان ألنورسي يتمتع بحافظة عجيبة ، كما انه لم يكتف بما درسه من علوم دينية ، وإنما انصرف يدرس العلوم الصرف كذلك ، وذلك بجهوده الذاتية ، حتى أصبح يعرف بين أصدقائه بـ ( سعيدي مشهور ) أي سعيد المشهور ( 30) .
وفي 1893 ذهب الملا سعيد إلى مدينة ماردين ، حتى بدأ يلقى دروسه في جامع المدينة ، إلا أن الوالي طرده ، وسيق إلى بدليس وهناك تفرغ لمطالعة الكتب الدينية والعلمية، حتى بلغ محفوظه من متون هذه العلوم ثمانون متنا (31) ، وفي هذه المدينة ،استفاد ألنورسي من حضوره لدروس الشيخ محمد الكفراوي (32) ،وفي سنة 1894 ذهب ألنورسي إلى مدينة وان ، واحتك ببعض علماء الدين ،وطلبة المدارس الدينية ، ودخل معهم في مناظرات عديدة ،جعلت بعضهم يطلق عليه لقب ” بديع الزمان ” (33) ، وحينما بلغ السابعة والعشرين من عمره،كان ألنورسي معروفا بين أصحابه بالعلم ،والشجاعة حتى انه أتقن استخدام الأسلحة النارية ،وهوى لعبة المصارعة (34) ،وقد قضى ألنورسي في مدينة وان قرابة (15) سنة،وإبان وجوده هناك قام بمهمة تنوير العشائر الكردية في شرق الأناضول ، وإطلاعهم على أمور دينهم ، وكان يردد بينهم انه يعمل من اجل إعلاء شأن الإسلام ، وكشف الحقائق الإيمانية في القرآن الكريم (35) ، وقد اتخذ ألنورسي ، من مبدأ ” دع ما يريبك إلى مالا يريبك ” شعاراً لهُ .. لدلك اتجه نمو الزهد والورع والحيطة في جميع شؤونهِ (36) .
انصرف ألنورسي ، منذ مطلع شبابهِ إلى السياسة ، وقد اتضح ذلك ،من خلال انتقادهِ للحكومة ، واتهامها بالتقصير في الاهتمام بالمسائل الدينية ، وقد تعرض سنة 1892 للاعتقال، من قبل والي ماردين ، بسبب تعرضه للحكومة في خطبه التي كان يلقيها في جامع المدينة ، وقد أرسله الوالي مع اثنين من الجند رمة منفياً إلى بدليس (37) وفي 1896 ذهب ألنورسي إلى استنبول وعرض على السلطان عبد الحميد الثاني مشروعاً لإنشاء جامعة إسلامية باسم ( الزهراء ) في الأناضول على غرار جامعة الأزهر الشريف في مصر ، وكان يطمح الى ان تكون الجامعة هذه بنشر فضائل الإسلام ، وتعليم الأجيال ” نور القرآن السماوي” (38) ، فضلاً عن اهتمامها بالعلوم الصرف ، وبصدد اللغات التي يدرس في هذه الجامعة ، كان ألنورسي يقول : (( إن لسان العرب فيها واجب ،ولسان الكورد جائز ، ولسان الترك لازم )) ويبدو إن السلطان لم يتحمس للمشروع ، وقد ذهب ألنورسي ثانية إلى استنبول سنة 1907 للعمل على إنشاء الجامعة ، إلا أنهُ لم يوفق (39) .
وحينما كان السلطان عبد الحميد ينادي بفكرة الاتحاد الإسلامي ، فأن ألنورسي عارض تلك الفكرة ووجد فيها وسيلة جديدة لاستغلال شعوب الامبراطورية العثمانية وتسهيل السيطرة عليهم، وكان لهذا الموقف المضاد، اثر كبير في فرض السلطان عبد الحميد عليه الإقامة الجبرية، في استانبول ولم يطلق سراحه إلا بعد انتصار ثورة 1908(40).
رحب ألنورسي بإعلان عودة العمل بدستور 1876 وكان من أبرز المؤيدين المتحمسين للحكومة الدستورية(41)، حتى انه أرسل نيفا وخمسين برقية إلى زعماء العشائر الكردية في الولايات الشرقية، قال فيها:”انه إذا كانت مسألة الدستور والحرية التي سمعتم بها عبارة العدالة والمشورة الشرعية الحقيقية، فاستقبلوا ذلك بقبول حسن، واسعوا للمحافظة عليه، ذلك لان سعادتنا الدنيوية إنما هي بإتباع دستور عادل، ونحن من اشد الناس فرارا من الاستعباد وأضراره”(42).
ومع انه رحب بالدستور، لكنه رفض الانتماء الى جمعية الاتحاد والترقي، وانصرف إلى توضيح فضائل الدستور وتشجيع الناس على التمسك بالحرية،(43) وبدأ ألنورسي يكتب المقالات في بعض الصحف التي كانت تصدر باستانبول مثل جريدة البركان Volkan(44)، وجريدة كورد تعاون وترقي جمعيتي ، ويتضح من المقالات التي نشرها حرصه الشديد على مراعاة حقوق الأكراد واحتياجاتهم للنهوض وتأكيد مسألة مهمة وهي أن النهوض لايمكن أن يتحقق إلا بالاتحاد والعلم وتطبيق الشريعة الإسلامية (45).
لذلك أكد ألنورسي على أن الحرية الصحيحة، لايمكن أن تتحقق إلا بالاستناد إلى جوهر الإسلام وحقيقته، وقد عارض ألنورسي، فكرة الدستور كبديل لقوانين الشريعة، وقال ان الحكم البرلماني إذا لم يطبق وفقا للشريعة الإسلامية، فان الفرصة سوف تفلت من أيدينا، ويعود الحكم الاستبدادي الى بلاد ثانية.. وقد تحققت مخاوف النورسي حين كشف الاتحاديون عن حقيقتهم، وبدأوا يحاربون الحرية وعندئذ اخذ النورس يحذر اتباعه من ان ينخدعوا بدعايات الاتحاديين واعوانهم التي يروجونها حول الدستور مؤكد ان كل مافيه من محاسن تتضمنها الشريعة ، وانه من الكفر والخروج من دائرة الإسلام استبدال قوانين مستوردة من الغرب بأ ي نص من نصوص الشريعة الإسلامية (46) ، وقد أسهم ألنورسي في الثورة المضادة في 31 مارت آذار 1909 ، وذلك من خلال عمله في جمعية (اتحادي محمدي)(47)،وحينها فشلت الثورة ،قدم الى المحاكمة بتهمة العمل على “تقويص نضام الحكم الجديد” و”الدعوة إلى عودة العهد الرجعي” (48) ،وقد دافع ألنورسي عن قضيته بشجاعة ،وقال ان هذه الحكومة كانت تخاصم العقل ايام الاستبداد ، وهي ألان ،تعادي الحياة ، وأضاف بأنه انتمى إلى جمعية (اتحادي محمدي) بقصد إحياء السنة المحمدية وتعريف الناس بها، وان لا علاقة لهذه الجمعية بالسياسة.. وبدأ ألنورسي يعدد التهم التي وجهت إليه واستوجبت وقوفه أمام المحكمة ومنها انه كان يسعى لتنبيه ابناء الولايات الشرقية من ان تنخدع بالشعارات البراقة للاتحادين . وقال انه كان يدعو لإصلاح هذه الولايات التي يقطنها الأكراد (( لأنه يشعر بأنها لم تنل حظها من الاهتمام ولم تفتح أعينها على شيء من المدنيةالحديثة )) . وقد حكم على ألنورسي بالإعدام إلا أن المحكمة أعادت النظر في الحكم فبراْت ساحته بعد دفاعه الشهير في المحكمة وتم الإفراج عنه (49) ، وفي سنة 1911 قام بزيارة الشام والتقى بعدد من الشخصيات العلمية ودخل في حوار معهم حول التوحيد والأيمان ’ وفي الجامع الأموي بدمشق ’ ألقى خطبة باللغة العربية (50) ، وبعد ذلك ذهب إلى استانبول ’وعرض مشروعه لإنشاء جامعة الزهراء ووعده السلطان محمد رشاد بدعم المشروع ’إلا أن حرب البلقان سنة 1913 حال دون تنفيذه (51) ،.
أسهم ألنورسي في الدفاع عن الدولة العثمانية ’ والمحافظة على وحدة أراضيها ومحاربة أعداءها، وذلك من خلال مشاركته في منظمة _ سياسية سرية تشكلت سنة 1911 و1912 باسم ” تشكيلاتي مخصوصة ” ’ وقد انتمى إلى هذه المنظمة ’ عدد من العسكريين والسياسيين وعلماء الدين ورجال الفكر والثقافة ’ وكان لها دور كبير في نشر الوعي الديني وتنبيه الأذهان ’إلى أهمية المحافظة على كيان الدولة العثمانية والسعي لمقاومة وزعزعة التسلط الاستعماري الأوربي والدعوة إلى الجهاد ضد المحتلين (52) . وخلال الحرب العالمية الأولى شارك ألنورسي في جبهة القفقاس، كقائد لفرقة المتطوعين القادمين من الولايات الشرقية ’ وقد جرح واسر من قبل الروس’ حين احتلالهم لمدينة بد ليس، وتم ترحيله إلى شرق روسيا مع عدد من طلبته ’ومرت سنتان ونصف وهو في الأسر في سيبيريا،لكنه استطاع الهروب الى بطرسبورغ(لينينغراد) ثم الى وارشو (بولندا ) وسافر بعد ذلك إلى فينا ’ ووصل استانبول سنة 1916 ’وقد منح بعد وصوله وسام الحرب،واستقبل من قبل السلطان وشيخ الإسلام وطلبة العلوم الدينية بحفاوة شديدة (53) .
وفي سنة 1918 عين ألنورسي عضو في دار الحكمة الإسلامية ، وكان من أسباب ترشيحه تضلعه بعلم الحديث النبوي الشريف (54) ،وبعد دخول الغزاة البريطانيين إلى استنبول أحس ألنورسي أن طعنة كبيرة وجهت إلى العالم الإسلامي لذلك اشترك في فرقة المقاومة وبدأ يكتب المقالات ويوزع المنشورات التى تعري نوايا الغزاة ضد الاسلام ’وقد أصدر مع مائة واثنتي عشر عالما فتوى تجيز الحرب والجهاد ضد المستعمرين ، وهاجم في كتاب أصدره بعنوان : (الخطوات الست ) الغزاة بشدة (55) .
وحينما دعي الىانقرة ،سنة 1920،استقبل بحفاوة لكنه لم يجد الجو المناسب الذي كان يتوق إليه ،وحزن لان كثير من أعضاء المجلس الوطني الكبير لا يصلون ولا يهمهم من امر الإسلام شيء بل وجد بأنهم يريدون إبعاد تركيا عن الإسلام لذلك ،نشر تصريحا دعا فيه أعضاء البرلمان إلى تطبيق أصول الشريعة ’وحذرهم من أن إهمال واجبا تهم الدينية سوف يؤدي الى فقدان ثقة الناس بهم وقال مخاطبا رجال البرلمان : اعلموا ايها المبعوثون إنكم مبعوثون ليوم عظيم (56) ،وقد حصلت بينه وبين النواب مشادة كلامية واخذ ألنورسي يتحين الفرص لتوجيه النصح لمصطفى كمال، إلا أن مصطفى كمال اتهمه بالسعي لبث الفرقة، وبذل معه جهودا كبيرة ليحمله على التعاون معه ،وعرض عليه عروضا مغرية منها عضوية البرلمان ورئاسة الوعاظ في الولايات الشرقية ، كما منحه دارا فخمة، لكنه رفضها جميعها وترك أنقرة واعتزل في كهف يقع في جبل ارك القريب من مدينة وان ’واستمر في اعتزاله قرابة سنتين(57) وتعد الفترة من 1923-1925 ’ المنعطف الأساسي في أفكاره إذ قرر بعدها ترك الاشتغال في السياسة والتفرغ لنشر الوعي الديني والفكرة الإيمانية بين الناس ’واتخذ من قوله (( أعوذ بالله من الشيطان والسياسة )) “شعارا” لمستقبل حياته(58). ومن هذا المنطلق فأنه رفض الاشتراك في الحركة الكردية المسلحة التي قادها الشيخ سعيد باولو سنة 1925 ودعا المسلحين إلى أن يحاربوا ضد الأتراك، ونصحهم بوجوب الابتعاد عن القوة في تحقيق المطالب (59) ’ ومع هذا فقد اتهم بالتآمر على الدولة، والتحريض على قلب نظام الحكم،ونفي إلى بار لا، وهي منطقة تقع في ولاية إسبارطة جنوب غرب تركيا، وكان نفيه إلى بار لا التي قضى فيها قرابة ثمان سنوات ونصف بداية لمرحلة جديدة من حياته . وقد اطلق فيها على نفسه خلال هذه المرحلة اسم (سعيد الجديد) (60) ،ويذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أن سعيد الجديد انتهج في مقاومته للسلطة أسلوبا جديدا يقوم على الابتعاد عن الحكام والسياسيين(61.وتميزت الفترة التي أعقبت نفيه إلى بار لا ، بظهور رسائل النور ،وهي الموسوعة الإيمانية التي بدأ ألنورسي بتأليفها ونشرها، ولا تعدوا هذه الرسائل ان تكون تفسيراً لمعاني القرآن الكريم واثبات لحقائقه الإيمانية أكثر مما هي تفسير للألفاظ والعبارات، وكانت هذه الرسائل، تدعو إلى الإسلام بنقائه الأصيل، وقد انتقاها ألنورسي في سياق نور القرآن(62)، ولما لم يكن لديه ما يساعده على طباعة هذه الرسائل ولضمان سريتها وإخفائها عن أعين السلطات، فإنه اتجه نحو تشجيع طلبته على استنساخها باليد ونشرها في مختلف أنحاء تركيا(63)، وقد استمر ألنورسي في تأليف هذه الرسائل حتى سنة 1950 وأصبح عددها (130) رسالة جمعت فيما بعد وطبعت سنة 1954 بعنوان: كليات رسائل النور(64).
أثارت نشاطات ألنورسي اهتمام السلطات الحكومية، فاتخذت إجراءات قاسية لتثبيط همته، ولكن الرسائل سرعان ما انتشرت، وكانت استجابة الناس إليها كبيرة(65)، لذلك قدم ألنورسي مع (120) من طلابه 1934 إلى محكمة الجزاء في اسكي شهر، وطلب المدعي العام تنفيذ حكم الإعدام فيه بدعوى انه أقام منظمة سياسية سرية لمناهضة الحكم وقلب نظامه، ولكن النورسي دحض هذه التهمة في دفاع طويل قال فيه: “لقد بلغكم تقرير عن امكانية وقوع محاولة رجعية باستغلال الدين مما يعرض الأمن العام للخطر، فأولاً وقبل كل شئ فما هو في الامكان شئ والواقع شئ آخر، ففي امكان أي شخص ان يقتل اناساً كثيرين، ولكن يتعرض المرء للمحاكمة بسبب هذه الامكانية، وفي امكان عود الثقاب ان يحرق البيت هل نلقي به جانباً تحاشياً لاحتمال الحريق” (66).
ومع ان المحكمة لم تجد من الأدلة المادية الكافية لإدانته، الا انها حكمت عليه بالسجن أحد عشر شهراً، وبعد ذلك نفي إلى مدينة قسطموني، الواقعة على شاطئ البحر الأسود، ولكنه ظل يكتب الرسائل ويتصل بطلبته الذين نظموا (بريداً) خاصاً لنقل الرسائل، وقد وصلت بعض نصوص هذه الرسائل الى صفوف الجامعات، ومعسكرات الجيش ودواوين الحكومة(67).
وفي سنة 1943 قدم الى المحاكمة في دنيزلي Denizli بتهمة تأسيس جمعية سرية تعمل من اجل تحرير الرأي العام ضد الحكومة، والإساءة إلى مصطفى كمال ووصفه بالدجال(68)، وقد تألفت لجنة من الأساتذة والقانونيين لدراسة بعض رسائل النور التي وقعت بأيديهم وانتهت اللجنة إلى أن تلك الرسائل، ليست إلا بحوثا دينية مجردة لا علاقة لها بالحزبية والسياسة، لذلك برأت المحكمة ساحة ألنورسي وأطلقت سراحه في 16 حزيران 1944 (69).
استفاد ألنورسي من فرصة تقديمه للمحاكمة، ليصوغ دفاعاً طويلاً، يتطرق فيه الى آراءه وأفكاره، وقد انتشر هذا الدفاع بين طلبته الذين زاد عددهم آنذاك على المليون نسمة، وقد جاء في الدفاع، انه يعمل ضمن جمعية أعضاؤها ثلاثمائة وخمسون مليوناً من المسلمين، وان هدفهم هو تعريف المؤمنين بحقيقة عقيدة الاسلام، وخاطب ألنورسي أعضاء المحكمة قائلاً:”بأي وجه تستطيعون إيقاف حركة رسائل النور، أنكم تدورون ثم تقولون ان اعمالي الدينية ماهي الا استغلال ووسيلة للإخلال بالأمن، ولكني أقول لكم بالمقابل إن دعواكم هذه استغلالاً ووسيلة لإعدام الدين باسم المحافظة على الأمن، إنكم تعلمون أن رسالة النور تضئ منذ عشرين عاماً، فهل سجلتم منذ ذلك اليوم الى الآن حادثة واحدة أخلت بالأمن؟، إن غاية ما نتمناه أن بعض رؤوسنا فداء لأصغر حقيقة من حقائق الإسلام”(70).
وبرغم صدور براءة ألنورسي، إلا أنه نفي إلى قضاء اميرداغ التابع لولاية أفيون قرة حصار في غرب الأناضول، وقد جرت هناك محاولة لاغتياله بالسم، لكنه نجا منها، وظل على هذا الحال حتى أوائل 1947 حين سمحت له الحكومة بالاتصال بطلابه وطبع رسائله على الآلة الكاتبة، وقد بعث للحكومة برسالة عن طريق طلبته، استنكر فيها محاولة الحكومة “لتجريده من حقوقه الإنسانية” وقال إن ذلك، ليس إلا خطة تتسم بأشد أنواع الظلم، غير أن هذا كله حينما يكون في سبيل دعوتي التي هيأتني الأقدار لها، فانه يعطيني مزيداً من الصبر والثبات، ان مما يعوضني عن عشرة من الناس يحال بيني وبينهم، إن مليونا من المسلمين يعكفون على دراسة النور التي انتشرت فيما بينهم، إنهم ان استطاعوا ان يسكتوا الناس، فلن يستطيعوا إسكات رسائل النور التي تصل الى شفاف القلوب، ولن تسكتها أي قوة على الأرض” (71).
لم تكد السلطات التركية تأذن لجماعة النور بالاتصال برائدهم وبطبع رسائله وكتبه، حتى راحت حركة النور تنتشر في كل مكان، الأمر الذي جعل هذه السلطات تضيق بنشاط النورسيين وتلقي القبض على عدد من أبرز أتباع ألنورسي، وقد أحيل ألنورسي نفسه الى محكمة جزاء في ولاية أفيون قرة حصار سنة 1948 بالتهم السابقة نفسها، وقد تدخل عدد من المحامين ورجال القانون لصالحه حينما أعلنوا عدم شرعية المحاكمة، بسبب أنها انبنت على التهم نفسها التي حوكم النورسي بموجبها من قبل، ومادامت الأحكام السابقة قد أعلنت براءته من تلك التهم، فلا يجوز تجريمه بعد ذلك بها، وهكذا أحيلت القضية إلى محكمة التمييز.
ولكن السلطات ظلت تماطل وكان قصدها إبقاء ألنورسي في الحجز واستمر الحال على هذا المنوال حتى سنة1950 حين جرت أول انتخابات حرة، في ظل نظام تعدد الأحزاب،وفاز فيها الحزب الديمقراطي(72)، وقد بدأ هذا الحزب يخفف من ملاحقة ألنورسي، كما انه لم يتوان عن استخدام الدين لتحقيق مكاسب سياسية، ومن ذلك انه سمح للنور سي بالحركة المحدودة بين المدن التركية، وقد استغل النورسي مجئ هذا الحزب وسياسته المرنة تجاه النشاطات الدينية، فبدأ طلابه يكتبون المقالات التي يهاجمون فيها “العلمانية” ويدعون الى إقامة الدولة على أسس الشريعة الإسلامية، وقد فتح الخطاب الذي ألقاه عدنان مندريس رئيس الوزراء، وزعيم الحزب الديمقراطي في أزمير وقال فيه ان تركيا بلد إسلامي وستبقى كذلك للنورسي الامل في الاتصال بمندريس(73). وقد بعث اليه برسالة تضمنت حديثاً عن الإخوة الإسلامية ووصفه بالبطل الإسلامي وقال له: “من اجل الديمقراطية الدينية وشخصيات معينة مثل عدنان مندريس نظرت ساعة أو ساعتين في السياسة التي تركتها طوال الخمس والثلاثين سنة الماضية”(74).
وقد استفاد الحزب الديمقراطي من موقف ألنورسي، في مجال كسب الأصوات في الانتخابات، ويبدو أن اهتمام ألنورسي بالسياسة خلال هذه الفترة، جاء بسبب تفاقم المسألة الأرمنية في تركيا من جهة، وتنامي النشاط الشيوعي من جهة أخرى، وقد وثق مندريس علاقاته بالنورسيين، حتى انه كان يذيل رسائله التي يبعث بها الى أحد زعمائهم في ديار بكر بعبارة “وأقبل أيديكم” (75).
واجهت سياسة الديمقراطيين إزاء التيار الديني، معارضة شديدة من قادة حزب الشعب الجمهوري الذين أكدوا بأن تلك السياسة، أدت إلى تنامي هذا التيار الذي بات يهدد أركان الجمهورية العلمانية، إذا لم يوقف عند حده، لذلك التجأ الديمقراطيون الى التدابير التشريعية من جهة، والى قوة الشرطة والأصول القضائية الممكنة من جهة أخرى(76)، وقد حظيت هذه السياسة في بادئ الأمر بالتأييد التام من قادة حزب الشعب الجمهوري ففي 21 كانون الأول 1953 اعلن عصمت اينونو زعيم حزب الشعب الجمهوري أنه “ليس في وسعنا سوى أن نؤيد الحكومة في الإجراءات التي اتخذتها لحماية كيان الأمة من الحركات الرجعية” ،وأضاف في خطاب آخر إلى ذلك قوله: “لقد احسنت الحكومة صنعاً إذ قررت الدفاع عن إصلاحات الجمهورية، فإن واجب الحكومة هو أن تمنع اتخاذ الدين وسيلة لتحقيق اغراض سياسية، كما أن واجب المعارضة هو ان تساعد الحكومة في هذه المهمة” (77)، ولكن أنصار حزب الشعب سرعان ماصو توا ضد لائحة قانون عرضه الديمقراطيون في 23 تموز 1953 وينص على منع اتخاذ الدين وسيلة للأغراض السياسية (78).
وبينما كان الديمقراطيون يحاولون إسكات المعارضة، بدأوا يعانون من الانقسام الحاصل في صفوفهم، فقد ظهر جناح يميني في الحزب، يعارض الجماعة المتزعمة برئاسة مند ريس، ولم يتردد مند ريس في أن يعاقب بصرامة أولئك الذين كانت ميولهم الدينية المتطرفة تجعلهم قريبين من الخارجين التقليديين على القانون (79)، وقد أعلن مند ريس “أن لا رجعة عن فصل الدين عن الدولة” (80)، ومعنى هذا أن الديمقراطيين كانوا كالشعبيين مخلصين للمبادئ الكمالية، لذلك طرد الحزب الديمقراطي في أوائل 1953 عدداً من النواب، لانتسابهم إلى بعض الجمعيات غير القانونية التي كانت تعد من الهيئات الميالة للدين، وفي مؤتمر الحزب المنعقد في شباط 1953 هاجم مند ريس بشدة الميول الدينية في الحزب قائلاً: “إن الحزب الديمقراطي يوافق على جميع المظاهر الدالة على احترام الإسلام في تركيا، لكنه يعارض الأحكام الشرعية، لأن العمل من جديد بمقتضاها يؤدي الى إرباك الدين بالسياسة وبلبلة بالشؤون الدينية”(81).
ومهما يكن من أمر، فان ألنورسي، سرعان ما أخذ يعاني الاضطهاد والكبت من السلطات الحكومية، وقد قدم إلى محكمة الجزاء الكبرى في استانبول في 22 كانون الثاني 1952 وذلك بتهمة تشجيعه عدد من اتباعه في جامعة استانبول بطبع رسالة (رائد الشبيبة Geuclik Rohberi ) وقد ملأ طلابه وإتباعه قاعة المحكمة التي أصدرت حكمها ببراءته . ويتضمن قرار المحكمة نصا يقول :”ان النورسية ليست طريقة أو مذهب و لاتتضمن شيئا مناقضا لانظمة الدولة ، وان مدح وثناء النورسية ليس ذنبا وان اكبر شعار لدى النورسيين ’ هو عدم الاشتغال بالسياسة، (82) .
عاش ألنورسي، بعد ذلك بقية عمره منعزلا عن الناس في مدينة اسبارطة، وقد حظرت عليه السلطات الانتقال من بلدة إلى أخرى، بدون الحصول على إذن منها ’غادر ألنورسي مع عدد من طلبته إسبارطة متجها الى اورفة، وبعد يومين من دخوله إليها توفي في 27 رمضان 1379 هـ (المصادف 23هـ آذار 1960 )وذلك عن عمر يناهز السابعة والثمانون، ودفن ألنورسي في (أولو جامع ) ثم اخرج جثمانه، بأمر من السلطات الحكومية، ودفن في مكان مجهول، ويبدو أن ذلك، قد تم خوفا من أن يتخذ قبره مزارا لأتباعه فيما بعد (83).
مرتكزات الحركة النورسية :
ارتكزت الحركة النورسية إلى عدد من الأسس الفكرية ،وسنعرض هذه الأسس من وجهة نظر النورسيين انفسهم وهي كما ياتي :
1- العودة إلى الإسلام بنقائه الاصيل وطهره .. وذلك بالعمل على (تجديد الدعوة الى الإيمان ) و(وتقويته عند البعض الآخر ) . وكان ألنورسي يردد أمام طلبته وفي رسائل النور، بأن مهمته ليست إلا خدمة الأيمان وان غايته هي (إصلاح الأسس التي يبنى عليها الأيمان، فإذا أصبح الأساس صلبا قويا فلا يؤثر فيه مؤثر …). وكان ألنورسي يعتقد بان الإسلام قد أصبح في مواجه خطر أكيد، وان غزوا فكريا منظما يشن على العقيدة الاسلامية وان علاج ذلك لايمكن الا بالعودة إلى أساس الإيمان و(الاعتداد بالفكرة الإسلامية) للوقوف أمام تلك المواجهات العاتية من الدوائر الاستعمارية والصهيونية والماسونية . وكان يرى بأن تأليف رسائل النور ’خطوة في دحض (شبهات القوم)واثبات حقائق الايمان بأسلوب علمي قريب إلى روح العصر وفهم الناس جميعا (84 )
2- التوحيد وتأكيد وجود الله :وكان ألنورسي يعتقد ان الإلحاد ليس مبنيا على علم تخميني، لانه يعتمد النفي .. الذي يستند إلى مجموعة من النظريات المتفرقة الخاصة، بينما الايمان يعتمد على الاثبات الذي كلما تعدد ثبوته فأن النتيجة تكون اقوى لانهم يتساندون جميعا . ويسلك النورسي مسلكا علميا استقرائيا في اثبات وجود الله.أما عن توحيد الله ’ فيعتقد النورسي أن الأيمان العقلي المجرد من وجود الله لا يعطي الثمرة الموجودة ’ الا اذ كان صاحبه موحدا لايشرك به ’ويتوجه بكله اليه يعبده ولايعبد سواه .وعند ذلك تتحول عقيدة الوحدانية إلى سلوك واقعي يومي تنفعل به نفس الإنسان المؤمن فيوجهها إلى اتخاذ الأنماط السلوكية المستقيمة المنسجمة مع الفطرة الإسلامية (85).
3-الحشر وقد خصص النورسي لموضوع (الحشر) رسائل عديدة ’وذلك انطلاقا من اعتقاده بأن المسلمين في هذا العصر قد نسوا الآخرة، وابتعدوا عنها، بعكس السلف الصالح الذين دفعتهم شدة إيمانهم بالحشر الأعظم إلى العمل الجدي في هذه الحياة الدنيا، لأنهم كانوا يعتقدون إنها مزرعة الآخرة ’ويعتقد ألنورسي إن الإنسان لن يستطيع تغيير حركته أو صياغة حياته (صياغة ربانية جديدة ) ما لم تتولد عنده حرارة الأيمان بالاخرة ’ والعيش كل لحظة من لحظات حياته في انتظار يوم الحشر . وهنا ينبغي القول ان النورسي اراد ان يتخذ من الايمان بالحشر، مدرسة تربوية يستطيع من خلالها ان يربي طلبته واتباعه على معاني الخير والفضيلة والعمل الصالح (86) .
4- الاجتهاد: وللنور سي موقف واضح من مسألة الاجتهاد . فمع انه كان يرى بأن باب الاجتهاد ينبغي ان يكون مفتوحا، الا انه يرى ان هناك موانع عديدة تحول دون ذلك في العصر الراهن، ففضلا عن عدم وجود العلماء الذين يمتلكون شروط الاجتهاد، فأن فتح باب الاجتهاد سيكون وسيلة لتسرب (المخربين ) وبالأخص في زمن المنكرات الذي غلبت عليه العادات الأجنبية والإبداع . ومن هنا كان ألنورسي يرى بأن الانشغال لتقوية أصول الأيمان أفضل من الانشغال بأمور نظرية جزئية . كما ان أي حديث عن الاجتهاد في مثل هذا العصر الذي غلبت عليه (ضوابط الحياة الغربية والحديثة ) لا يكون مبنيا إلا على أسس قوية من الورع والتقوى (87).
5-التغيير المنظم : ويؤمن ألنورسي بالنظام ويبتعد عن الفوضى، ويعتقد بالتدرج ويرفض الطفرة فالنظام والتدرج هو أساس الوجود كله، وان أي خروج عليه يعني إدخال الفساد عليه. وفي ضوء ذلك يدعو ألنورسي إلى تغيير اجتماعي منظم متمسك بقانون التطور الفطري التدريجي ويجب أن يبدأ من القاعدة ويصعد إلى القمة ، وليس بالعكس : لان العكس سيؤدي إلى زعزعة الحياة الاجتماعية ويحصل منه شر مستطير وتخريب كبير، وقد يؤدي الى اختلال توازن الحياة (88) .
6- الجهاد: ولإيمان ألنورسي بالتغيير المنظم ، فأنه لا يبيح الجهاد المسلح الداخلي الموجه الى حكام المسلمين، لان ذلك، برأيه لا يخدم إلا العدو الخارجي المتربص بالمجتمع الإسلامي من حيث هو كل : فهو يقول : (إن الجهاد المسلح لا يحشد كليا إلا ضد العدو الخارجي، فالصراع المسلح داخل البلاد الإسلامية هو ما يصبو إليه العدو الخارجي ومن هنا فانه كان يحرص على تجنب الفتن بين المسلمين ): وعندما كان ألنورسي يسكن في منطقة فاتح، احد أحياء استانبول سئل عن عدد طلابه فاجاب بان له منهم نصف مليون، فرد عليه السائل اذن ماذا تنتظر ولماذا لا تبدأ الجهاد ؟ فأجبه النورسي : ان دعوتنا هي الايمان والجهاد يلي الايمان . وذهب النورسي الى “ان الجهاد في أي مجتمع مسلم ’انما هو جهاد معنوي يوصل اليه عن طريق تنوير الافكار واصلاح القلوب و الارواح ’ويكون جهادا ايجابيا بناء لصد التخريبات المعنوية ويتصف فيه وفق سر الاخلاص ” ويضيف بان “هناك بونا شاسعا بين الجهاد بالخارج والجهاد في الداخل .فنحن نبذل قصارى جهودنا للحفاظ على استقرار البلاد وأمنها وفق العمل
الايجابي البناء ” (89) .
7- رفض الأسس الثقافية للحضارة الغربية :وكان للنور سي موقف رافض للأسس الثقافية الغربية . وقد تجسد ذلك في رفضه لحركة التغريب التي شهدتها تركيا هذا فضلا عن اعتقاده بأن تحكم الفلسفة المادية ومظاهر الحضارة الغربية في حياة المسلمين اليوم قد اقحمتهم في (الحياة الدنيا) وأنستهم رضا الله .وذلك لان الحضارة الغربية ترتكز على مبادئ الفلسفات الجاحدة التي أوجدت حالة من القلق والفوضى والتشكيك والإلحاد في العالم الإسلامي مستغلة تخلف المسلمين من جهة، وجهلهم بأمور دينهم من جهة اخرى . ولكن هذا لايعني عدم الاستفادة من الجوانب العملية في الحضارة الغربية . فالنورسي يدعو المسلمين الى الاخذ باسباب الحضارة الصناعية والاستفادة منها في بناء المجتمع المسلم .ويعتقد النورسي بان تجديد المجتمع المسلم يحتاج الى تبني (التكنلوجيا ) الحديثة مع المحافظة على القيم الذاتية (90).
وهنا يعرض النورسي برنامجا اصلاحيا شاملا لاصلاح احوال المسلمين .وقد اورد في بدايته مجموعة العوامل، التي رأى بأنها وراء تخلف المسلمين وانحطاطهم وضعفهم . ثم عقب عليها بمجموعة من المبادئ التي اعتقد بأنها كفيلة بإصلاح أوضاعهم ونهضتهم من كبوتهم لاستئناف مسيرتهم نحو القوة والوحدة والتكامل والعزة (91) . ويعتقد ألنورسي بان “سمو الاوربين في مدا رج الرقي المادي بشتى مظاهره وأنواعه، وتخلفنا نحن المسلمين عند آخر محطة من محطات قروننا الوسطى، وجمودنا على تلك الحالة نفسها يرجع الى ستة امراض خطيرة سرت في كياننا ” وهذه الامراض هي اليأس وفقدان الصدق وحب العداوة والبغضاء وتجاهل الروابط التي تربط المؤمنين بعضهم بعضا والاستبداد المنتشر انتشار الامراض السارية وأخيرا حصر المهمة في إطار المنفعة الشخصية وعدم الالتفات إلى المنفعة العامة(92) .
ويوضح النورسي ، ذلك ويقول إن تلك الظروف لابد وان تقابل بستة مبادئ وهي الأمل والصدق والمحبة وتحقيق الرابطة الأخوية بين المؤمنين وإقامة الشورى الشرعية،والتصدي للخطط المرسومة ضد الإسلام من قبل الغرب والشيوعية والصهيونية والماسونية(93).
لقد ذهب النورسي الى ان المستقبل لن يكون الا بالإسلام، وان الحكم لن يكون الا لحقائق القرآن :وهذا لا يتحقق إلا عندما يصبح المسلمون أسرة واحدة متضامنين . ويرى النورسي ان تحقيق الرابطة الايمانية يعتمد على القوة الاسلامية الكبيرة مثل العرب والأتراك . لذلك فهو يدعو هذه القوى بان تبتعد عن الكسل، لما يسببه ذلك من أضرار بالغة للقضية الإسلامية (94) .ويخاطب ألنورسي العرب قائلا ..” وانتم يا أمة العرب العظيمة التي استيقظت أو ستستيقظ حالا . أولا وقبل كل شئ اود ان اخاطبكم بهذه الكلمات لقد كنتم اساتذة المجتمعات الاسلامية وقادتها وكنتم المجاهدين في الاسلام، ثم اتت امة الاتراك العظام، وامدتكم بالمساعدة اللازمة لتحقيق مهمتكم . ولهذا السبب فان خطأكم بسبب الكسل خطأ عظيم،كما ان جزاءكم جزاء عظيم كذلك .. اننا نرجو من الرحمة والعناية الالهية ان تجعل من العرب …قوة عظمى لتحرير الاسلام من الاسر، ولنشر حكم الاسلام في معظم اجزاء الكرة الأرضية وستشهد الأجيال المستقبلية هذا ان امتد اجل العالم، ولم تحل نهايته بعد” (95) .
طبيعة الحركة النورسية واثارها:
ا-طبيعتها: إن استعراضنا لأسباب الحركة النورسية وظروف نشأتها وعناصر قيادتها وأهدافها يقودنا إلى معرفة طبيعتها وآثارها السياسية والاجتماعية. وتنبغي الإشارة إلى أن انصار هذه الحركة لا يستسيغون تسميتها بالنورسية، ويرون ان القصد من هذه التسمية، تنفير الناس منها او اتهامها بأنها تدعو الى مذهب جديد. ويفضل أنصارها ان تسمى اصحاب النور، لكن هذا لم يمنع، على أية حال، الكتّاب والباحثين من تفسير طبيعتها فاختلفوا في تقويمها. فالدكتور فيروز احمد يرى بأن النورسية ليست طريقة دينية، كما يعتقد البعض، ولكنها حركة دينية- سياسية هدفها جذب الأتراك المسلمين لمعارضة مبدأ العلمانية، وكمحاولة لتجديد أو بعث الدولة الإسلامية وهي تطمح للانتشار ليس في تركيا، وإنما في جميع العالم الإسلامي(96).
أما الدكتور أحمد السعيد سليمان، فيرى بأن النورسية “جماعة إسلامية سنية نقشبندية المشرب”(97). ويقول جورج لنشو فسكي بأنها، “طريقة صوفية… تعتنق فلسفة متطرفة في ميلها للإسلام” (98). ويذهب الدكتور إبراهيم الداقوقي الى أن “النورسية طريقة دينية وضع اساسها سعيد النورسي الكردي، الذي دعا الى نبذ بعض مظاهر الحضارة الحديثة التي لاتتلاءم ومجتمعنا الاسلامي، والرجوع الى منابع الدين الاسلامي، ولكن بتفسيرات غير علمية،(99).
ويقول مصطفى الزين ان النورسية (حركة عنصرية انفصالية) (100). أما البروفسور صالح طوغ والذي كان طوال السنوات الماضية خبيراً رسمياً في النظر الى ماكتب بديع الزمان عند محاكمة بعض طلبته في تركيا فيقول: “أنه لم يجد في كل ماكتب ألنورسي مايشير ولو بكلمة إلى مفهوم الإسلام في الدين والدولة. انه وجه همه الأول إلى الدفاع عن الإيمان.. انه يتحدث عن الإيمان والشريعة لكنه لم يوضح ماذا يقصد بالشريعة”(101). ويضيف البروفسور طوغ الى ذلك قوله: “ان هدف النورسي في كل ماكتبه هو المحافظة على العقيدة والأيمان في نفوس الناس وعدم وجود مفهوم الدولة الإسلامية اجتماعياً وسياسياً، واقتصادياً عند النورسي يجعلها تختلف عن الحركات الإسلامية الأخرى في تركيا”(102). ويخلص البروفسور طوغ إلى “أن الحركة النورسية ليست حزباً سياسياً، ولا جمعية ثقافية ولا مدرسة منظمة، وانما هي عبارة عن استاذ وطلبة”. ويقول ان النورسيين لم يفكروا في اقامة حزب خاص بهم، ولكنهم كثيراً ماكانوا يعطون اصواتهم للحزب الذي يطابق مبادئهم في الانتخابات العامة(103).
وعلى كل حال، فالنورسية ليست طريقة صوفية، ذلك أن ألنورسي عالج موضوع التصوف والطرق الصوفية وقال: “ان هذا العصر ليس بعصر التصوف، وإنما هو عصر إنقاذ الأيمان وتقويته أمام الغزو الفكري الأجنبي المركز الذي تشنه الدوائر الاستعمارية والشيوعية والصهيونية على الإسلام” (104). كما “ان الطرق الصوفية غير قادرة على الوقوف امام قوة الهجوم المشكك في الإسلام، لانها تعتمد على التجربة الذاتية ولا تعتمد في إدراك الحقائق على البراهين المنطقية والحجج العقلية والأدلة العلمية التي هي صفة هذا العصر وما يموج فيه من تيارات وفلسفات”كما ان معرفة الله الناشئة عن طريق التصوف ناقصة ومبتورة. وانتهى ألنورسي في معالجته لموضوع التصوف إلى أن هذه الدنيا، هي دار حركة وعمل وليس دار جزاء وثواب، لذا فلا تطلب فيها اللذائذ والأذواق ولا يقصد فيها الكرامات وإنما ينبغي فيها الالتزام بالشريعة لان الحقيقة والطريقة وسيلتان لخدمة الشريعة(105). وكان النورسي يردد بأنه ليس شيخا وانما هو عالم (106).
كما أن النورسية، ليست، كما قال البعض، حركة كردية انفصالية (107). فبالرغم من أن ألنورسي، كان كردياً، وانه في مطلع حياته، كان يطيل الجلوس عند قبر الشاعر الكردي احمدي خاني، وانه قد دعا، مراراً وتكراراً إلى تحسين أوضاع المناطق التي تسكنها أكثرية كردية، وانه عندما يدرس مواضيع الفداء والتضحية يذكر طلابه في الولايات الشرقية، وان، بدليس سعرد وغيرها ذكراً حسناً ويضرب الأمثال، فانه رفض التعاون مع الشيخ سعيد بيران في حركته ضد الكماليين سنة 1925 لإبل قد استنكر قيام الحركة المسلحة ورد على مندوب الشيخ سعيد إليه، بأنه لا يجوز محاربة الجنود الأتراك باعتبارهم أبناء الوطن، وان الجهاد ينبغي أن يتوجه ضد العدو الخارجي وانه يبذل جهده في الحفاظ على استقرار البلاد وأمنها(108).
إن دراسة كتب ألنورسي ورسائله دراسة عميقة تكشف لنا عن حقيقة مهمة وهي أن هدف ألنورسي الوحيد في الحياة هو “إعادة المسلمين إلى الإسلام وفق تعاليم القرآن الكريم، والسنة النبوية” (109). وكان يعتقد بأن “الايمان يرفع قدر البشرية ومكانتها، وفي الواقع فان الإيمان يجعل الرجل قوياً، فالمرء الذي يعرف طعم الأيمان، بحق، يستطيع أن يتحدى العالم بأسره” (110).
وكان ألنورسي يدعو أساساً إلى (الوسطية) و (الاعتدال) و (التسامح) مع المسلمين، حتى لو انتقدوه وكان منهجه في حل المسائل الخلافية بين المسلمين يعتمد على الحجة والصبر والإخلاص(111).
أما بشأن موقف ألنورسي من السياسة، فيمكن القول بأنه على الرغم من ان الشعار الذي أكده بعد سنة 1926 والقاضي بعدم الاشتغال بالسياسة، فان الواقع والأحداث تثبت انغماس ألنورسي والنورسيين بالسياسة، لكنه، على ما يبدو، لم يكن يمتلك مفهوماً سياسياً واضحاً للدولة (112).
ولم يشر لطلبته بأهداف سياسية، وكانت فكرة العمل السياسي المباشر بعيدة عن تفكيره فعندما سئل عن قلة اهتمامه بالعمل السياسي قال: “إن الوقت الراهن ليس هو الوقت المناسب لخدمة القضية السياسية، وإنما هو وقت إنقاذ إيمان الناس وعقيدتهم” (113).
كما أن الظروف السائدة في تركيا، لم تكن مواتية لقيادة حركة سياسية أو حزب سياسي يعتمد الدين في توجهاته دون أن يتعرض للمطاردة.. ويمكن أن نضيف عاملاً آخر، وهو عدم التكافؤ بينه وبين خصومه. فبينما كان خصومه يتكلمون من موقع السلطة السياسية الظاهرة والقدرة العسكرية والمادية، لم يكن في استطاعته سوى القيام بجهاد سلمي من اجل الحياة وكان يردد أمام زائريه: (إن طلاب النور ليس لهم أية علاقة سياسية، ويجب والحالة هذه لا يتوجس أهل الدنيا من طلاب النور خفية أبدا لأننا نعمل للآخرة وليس للدنيا) (114) .
وعلى أية حال، فان سوء الفهم، وسوء تفسير الواقع السياسي في أيام ألنورسي، الأخيرة اسلم كل ذلك نفسه للتناقضات إزاء الموقف من السياسة حتى بين بعض أتباعه حتى يومنا هذا. لذلك حرم عدد من هؤلاء الأتباع على أنفسهم أي نوع من الانغماس بالسياسة، بينما انغمس آخرون في نشاطات حزبية سياسية بطرق محدودة مع التظاهر بالالتزام بالشعار المعهود: أنني أعود بالله من الشيطان والسياسة(115).
إن هذه الازدواجية، لم تظهر، بعد وفاة ألنورسي، فحسب، بل وأنها كانت واضحة أبان حياته كلها، إذا بما ذا تفسر دعوته إلى إدخال بند في الدستور ينص على أن (دين الدولة هو الإسلام) وكذلك بما ذا نفسر حرصه على انتشار رسائل النور في كل أنحاء العالم الاسلامي.. وبماذا نفسر وصفه لمصطفى كمال بالدجال، وبأن عهد الجمهورية، في تركيا. عهد (لاديني) . ويبدو أن النورسي كان منتبهاً الى هذه المسألة، فقد اشار في احد دروسه الى ان طلبته قد تحملوا المشاق. فلم يمدوا أيديهم إلى السياسة. ولكن بما أن رسائل النور قد حطمت الكفر المطلق، فأنها من هذه الجهة فقط قد تمس السياسة(116) .
لقد كانت حياة ألنورسي مليئة بالتناقضات، إذ كان يردد القول بعدم التدخل في السياسة وكان يمنع طلبته من التدخل فيها، لكنه كان يدعو إلى الوقوف ضد الشيوعية والصهيونية والماسونية وقد رفض مغادرة تركيا قائلاً: “إن الداء الذي دب في جسم العالم الإسلامي (يقصد الحكم العلماني) إنما نبع من هذا المكان بالذات، ولا جدوى من أي محاولة تكون بعيدة عن مكمن الداء. إن الفساد الذي ينتشر اليوم في العالم الإسلامي، إنما انطلق من هنا (من تركيا) حيث الخطط الصهيونية والأفكار الشيوعية والمؤامرات الماسونية، وان من الخيانة أن اهرب من وجه هذا كله إلى مكان آخر” (117).
وهكذا، فان النورسية، حركة دينية – سياسية ذات طابع تجديدي، وهي كغيرها من حركات التجديد التي حاولت الإجابة على سؤال يتعلق بأسباب تخلف المسلمين وتقدم غيرهم. ومن هنا فهي تهدف إلى بناء مجتمع جديد على أسس إسلامية: وهي بهذا تشبه، برأينا ، حركة الأخوان المسلمين التي ترى بأن الابتعاد عن الإسلام، أدى بالمسلمين إلى الانهزام الروحي والحضاري لذلك لابد من العودة إلى الإسلام، والعمل على تطبيقه كوسيلة لبناء المجتمع المنشود ((فطريق الإسلام وقواعده وأصوله، الطريق الوحيد الذي يجب أن يسلك وان توجه إليه الأمة الحاضرة والمستقبلية)).(118).
ب-آثارها : ترك سعيد ألنورسي، حتى بعد وفاته، أثارا كبيرة على الحياة الفكرية والثقافية في المجتمع التركي، إذ نمت حركته على مر السنين، وازداد أتباعه حتى وصلوا إلى ستة ملايين نسمة (119). ولم تزل رسائل النور، حتى يومنا هذا تثير الحماس بين مؤيديه. ويذكر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أن ألنورسي استطاع أن يستقطب حوله ملايين الشباب الأتراك المسلمين.. وعندما مات مصطفى كمال سنة 1938 كان أتباع ألنورسي يكثرون ويزيدون.. وحينما توفي ألنورسي سنة 1960 كان أتباعه يطرقون باب الحكم في تركيا من جميع أطرافه متخذين من التعليم والصحافة والجيش منطلقاً إلى الهدف .. (120).
وبالتأكيد، فان الحركة النورسية استفادت من المرونة التي أظهرها الديمقراطيون إزاء التيارات الدينية، وعملوا على نشر رسائل النور وتوجيه الشباب الى الدين. ويذكر الدكتور طالب ألب، بأن ألنورسي وطلبته، لهم الفضل في تمكن المسلمين في تركيا من الاحتفاظ بدينهم. وكان للنور سي وطلبته كذلك دور كبير في الحفاظ على التعليم الديني(121).
أما البروفسور فيروز احمد، فيشير إلى أن الحركة النورسية قد نمت في الستينات من القرن الماضي ، ووجدت لها صدى في بعض الأقطار الإسلامية كالباكستان. كما صار لها أنصار كثيرون في أوربا، إذ انتشرت بين العمال المسلمين خاصة الأتراك منهم في ألمانيا. ولم يكن انتشار النورسية بين ألاميين أو أنصاف المتعلمين فحسب، بل صار لها نفوذ بين الطلبة والأساتذة الجامعيين، وحتى بين أفراد من الطبقة الأرستقراطية.
لقد لقيت النورسية، تأييداً واسع النطاق من أبناء الولايات الشرقية، وخاصة الولايات الواقعة في منطقة الأناضول مثل وان وبدليس وسعرد وغيرها، والسبب في ذلك يرجع إلى قوة الشعور الديني في هذه الولايات من جهة، ولكون هذه الولايات، لا تزال تعاني من الفقر والتخلف (123) .
إن انتشار الحركة النورسية، أدى إلى قيام عصمت اينونو، زعيم حزب الجمهوري، في تشرين الأول 1965 لتحذير الحكومة التركية من النشاطات الدينية، وقال بأنها لا تختلف عن المخاطر الشيوعية، لذلك بدأت الحركة النورسية تواجه ملاحقة السلطة لها بحجة أنها تعمل من اجل تغيير الحكم وإقامة الدولة الدينية، هذا فضلاً عن اتهام التجمعات الدينية، ومنها النورسية بوجود علاقات لها مع القوى الإمبريالية وخاصة الولايات المتحدة الاميركية..(124) .
وبقدر ما يتعلق الأمر بانقسام الحركة النورسية وتعدد الجماعات النورسية، فلقد كان لهذا الانقسام أثره في إضعاف الحركة والتقليل من تأثيرها. فبعد وفاة ألنورسي، تعددت الجماعات النورسية فأصبح هناك مجموعة تتعاون مع حزب العدالة، ومجموعة تتعاون مع احد التيارات الدينية التي ظهرت في الستينات باسم (السليمانية). ويهدف هذا التيار، ومؤسسه سليمان سيف الله إلى إقامة الدولة الإسلامية في تركيا، كما كشف النقاب مؤخراً عن وجود تعاون بين مجموعة من النورسيين، وحزب التحرير الإسلامي ويقول هذا الحزب ومقره الأردن، وله فروع في عدد من البلدان العربية والإسلامية ومنها فرع في تركيا، أنه يعمل من اجل إنقاذ العالم الإسلامي مما يعانيه. وبالرغم من حملة الاعتقالات التي تعرضوا لها في سنتي 1968-1969، إلا أنهم مازالوا يعملون على توزيع مطبوعهم المسمى (دستور إسلامي) في أنحاء مختلفة من تركيا (125).
كما وجد بأن ثمة علاقة بين مجموعة من النورسية و (رابطة العالم الإسلامي) وهي عبارة عن تنظيم تأسس سنة 1939 ومؤسسه سليمان حلمي تونهات. وقد بلغ التعاون ذروته بين الطرفين سنة 1967، وكان التجمع وراء حركة إقامة (مدارس الأئمة والخطباء) في معظم أنحاء تركيا.. ويتهم هذا التنظيم بأنه في ربيع سنة 1969، كان يمول من قبل الشركة العربية الأمريكية للبترول ARAMCO (أرامكو) (126).
وهنا لابد من الإشارة إلى انه قد دخل، منذ منتصف الستينات من القرن الماضي، عامل جديد إلى ما يسمى بـ(مسألة الإسلام والسياسة في تركيا)، وذلك هو قيام شركات النفط العالميةبدعم وتمويل بعض التوجهات الدينية السياسية في تركيا وقد كتب (نسيم جلك) في جريدة (يني طنين) في 17 نيسان 1966 مقالاً قال فيه: إن مؤسسة رسائل النور في برلين كثفت نشاطاتها بين العمال الأتراك في أوربا الغربية وذلك بمساعدة بعض العاملين من الالمان والهولنديين والأمريكان. وكان لهذه المؤسسة كذلك دعاية شديدة في مجال خلق الاضطرابات في تركيا وان هذه المؤسسة قد تلقت دعماً من شركات النفط الهولندية المعروفة بمجموعة (شل) . وأشار المقال إلى الدعم الاميركي والألماني امتد لما سماه بـ( هذه الحركة الكردية) في منفاها ببرلين. هذا فضلاً عن تورط رجال الأسطول الاميركي في دعم المظاهرات المضادة للحكومة أبان زيارته المياه التركية. ويورد كاتب المقال مثلاً على هذا الدعم فيقول: انه وجد في الاجتماع الذي انعقد في 16 شباط 1969 للاحتجاج على زيارة الاسطول الاميركي السادس هجوماً بالقنابل في منطقة تقسيم من قبل ما اسماهم بـ(المسلمين الاتراك) على المتظاهرين. وقد قتل اثنين من الشباب وجرح أكثر من 200 شخص، وقد اصبح هذا اليوم يعرف في تركيا باسم (الأحد الدامي). ويقول أن المسؤولين عن هذه الكارثة هم عناصر من المتدينين الأتراك..(127)
أما بصدد ملاحقة الحكومة للنورسيين، فيمكن القول أنها اشتدت بعد الانقلاب العسكري سنة 1960. وقد انتقد جمال كور سيل، قائد الانقلاب عدنان مندريس، رئيس الوزراء الأسبق، بأنه وراء تشجيع النشاطات الدينية وسخر منه لكونه قد وثق علاقاته بجماعة النور وانه كان يقبل أيدي أحد زعمائهم وقال عنه انه كان يشجع القومية الكردية (138).
ومع أن العسكريين، أدركوا فعالية الإسلام وأثره في المجتمع التركي، إلا أنهم لم يحاولوا ان يلغوا النظام اللبرالي العلماني باستانبول، في الخامس من تشرين الثاني سنة 1960 وقد أكد كور سيل أن القران يجب أن يتلى بالتركية ، وبان الآذان يجب أن يظل بالتركية كذلك(129).
لقد ساعدت التغييرات الدستورية التي جاء بها الانقلاب، بعد الإطاحة بحكومة مندريس واعدامه سنة 1960 ، على انتشار الأفكار الاشتراكية، تحت غطاء السماح للأحزاب السياسية، مما خلق وعياً سياسياً بين مختلف قطاعات المجتمع، وخاصة في جنوب شرقي الأناضول، حيث استمر النورسيون في نشاطهم بعد وفاة مؤسس حركتهم (130).
وقد بلغ هذا النشاط ذروته في الفترة التي تلت الانقلاب، إذ بدأوا بخرق القوانين المرعية في البلاد، والقيام بأداء الطقوس والشعائر الدينية المحظورة، مما لفت أنظار السلطات الحكومية إلى هذا الخرق. فقامت قوات الأمن بإلقاء القبض على العديد منهم في إحدى القرى التابعة لولاية إسبارطة. وتم الكشف عن وجود مدارس دينية سرية يتلقى فيها الطلبة دروساً دينية باللغة العربية. كما كشف التحقيق بأن هؤلاء الطلبة، منتظمين في الوقت ذاته بالمدارس الرسمية في المنطقة ذاتها(131).
لقد خلق موت ألنورسي فراغاً كبيراً في صفوف إتباعه ومؤيديه . إذ تبع ذلك سلسلة أزمات متتالية تتعلق، بالزعامة. لذلك تعددت الجماعات النورسية بمرور الوقت، ومع أن ألنورسي لم يترك له خليفة ظاهرا بين أتباعه، إلا أن احد أتباعه، وهو علي عثمان من أهالي قونية، يتزعم الان اكبر الجماعات النورسية(132).
وحينما تأسس حزب العدالة في شباط 1961، باركت بعض الجماعات النورسية تأسيسه (133). واستمر قسم كبير من النورسيين في دعم زعيم الحزب، سليمان ديميريل خلال حياته السياسية.ومع تأسيس حزب الخلاص الوطني بزعامة نجم الدين أربكان في كانون الثاني 1970 شعرت بعض الجماعات النورسية، بضرورة التعاون مع هذا الحزب، بينما عارضته جماعات نورسية أخرى. ويبدو ان النورسيين المتعاونين مع حزب الخلاص، قد وجدوا في تأسيس هذا الحزب، فرصة ذهبية لقيام حركة سياسية، بمضمون إسلامي. وفي الواقع ، فان بعض الشخصيات النورسية المعروفة، قد أخذت مواقعها في حملة انتخابات تشرين الأول 1973 لدعم حزب الخلاص الوطني.. وقد اختار (اربكان) بعض هؤلاء وزراء في الحكومة الائتلافية التي شكلها سنة 1974 مع حزب الشعب الجمهوري..(134) .
وسرعان مادب الخلاف بين النورسيين وقادة حزب الخلاص، إذ ادعى كل طرف، بأنه يمثل الفكرة الإسلامية الصحيحة في مجال الدولة والمجتمع. وقد حاولت بعض قطاعات حزب الخلاص آنذاك المحافظة على الصورة الكلاسيكية للحركة النورسية وفي الوقت نفسه حرصت على أن يكون للحزب تأثير أكبر في حياة المجتمع التركي المعاصر(135).
خاتمة:
وأخيرا، فالحركة النورسية اليوم تعاني من مشكلات عديدة ففضلاً عن افتقارها إلى الزعامة الموجودة، فإنها لا تزال تواجه اتهامات السلطة لها، بأنه تعمل من اجل تغيير نظام الحكم وإقامة الدولة الإسلامية، على الرغم من صدور قرارات عديدة من هيئة المشاورة والتدقيق في رئاسة الشؤون الدينية أو المحاكم والإدارات العرفية، والتي تؤكد بأن النورسية لاتتضمن في أفكارها ومبادئها أي شئ مناقض لأنظمة الدولة (136). كما أن اهتمام ألنورسي والنورسيين بالمسائل الإيمانية والعقائدية، أكثر من اهتمامهم بالبنية الاجتماعية والاقتصادية، ونظم الدولة، ومشكلاتها، له أثر بعيد في إضعاف الحركة، لكن هذا لايعني أن النورسيين بعيدين عن الإسهام في تشكيل العنصر السياسي للدولة التركية المعاصرة (137).
الهوامش والتعليقات:
1-قال النورسي لأحد طلبته مرة بأنه محاط بالأنوار فالقرية التي ولد فيها اسمها (نورس) واسم والدته (نورية) وأستاذه (نور الدين) والجامع الذي يبيت فيه اسمه (نورشين) لذلك سمى أصحابه باسم (جماعة النور) والرسائل التي كتبها (رسائل النور) وكان ألنورسي يؤكد بأنه يهدف إلى تعليم الأجيال (نور القرآن) انظر: نجم الدين شاهين أر، ذكريات عن ألنورسي، ترجمة عن التركية أسيد إحسان قاسم ألصالحي، (بغداد ،1986) ص 23.
2-للتفاصيل انظر: إبراهيم خليل احمد العلاف، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني
1516-1916، (الموصل ،1983)، ص ص178-179.
3-Willtam Miller, The Ottoman Empire and it is Successors, 1801-1927,(cambridge,1936),p.467. 4-انظر: إبراهيم خليل احمد العلاف، ولاية الموصل: دراسة في تطوراتها السياسية
1908 -1922، رسالة ماجستير غير منشورة قدمت لكلية الآداب في
جامعة بغداد ،1975، ص48.
5-انظر: محمود شوكت باشا وأسباب استعفاي، (استانبول، 1330) ص ص
3-4.
6- انظر فؤاد طلعت، 31 مارت، ارتجاع، (استانبول) 1327، ص ص 2-3.
7- المصدر نفسه، ص 11.
8- توفيق علي برو، العرب والترك في العهد الدستوري العثماني، (القاهرة، 1960)، ص 128.
9- مجاهد حريت محمود شوكت او حركت اردوسي، (استانبول، 1327) ص ص 30-33.
10- احمد عزة الأعظمي، القضية العربية، حـ1، (بغداد، 1931)، ص91.
11- المصدر نفسه، حـ 1، ص91.
12-Loius’l – Snyder, History Documents of World1,New Jersey, 1985- pp-86 –87.
13- للتفاصيل انظر: عبد الجبار قادر غفور، في: إبراهيم خليل احمد العلاف وآخرون ، تركيا المعاصرة، (الموصل، 1987)، ص ص25-26.
14- انظر: مصطفى الزين، أتاتورك وخلفائه، (بيروت، 1982)، ص276.
15- المصدر نفسه، ص 277.
16- انظر: احمد عبد الرحيم مصطفى،في أصول التاريخ العثماني، (بيروت، 1982)، ص 312.
17- انظر: فاضل حسين، مشكلة الموصل، ط2، (بغداد، 1967) ص ص 27-
28 .
18- انظر: عبد الجبار قادر غفور الديانة والطرائق الصوفية في تركيا في ابراهيم خليل أحمد العلاف وآخرون، تركيا المعاصرة، ص92.
19- للتفاصيل انظر: قاسم خلف عاصي ألجميلي، تطورات واتجاهات السياسة الداخلية التركية 1923-1928″ رسالة ماجستير غير منشورة قدمت إلى كلية الآداب جامعة بغداد 1985، ص ص94-96.
20- الزين، المصدر السابق، ص279.
21- انظر: احمد السيد سليمان، التيارات القومية والدينية في تركيا المعاصرة (القاهرة، ص64).
22- مصطفى المصدر السابق، ص315.
23- الزين، المصدر السابق، ص ص279-280 وكذلك انظر: غفور الديانة والطرائق الصوفية، ص90.
24- غفور، الديانة والطرائق الصوفية، ص93.
25- المصدر نفسه، ص95.
26-Necip Fazil, kisakurekkk, Son Devrin Din Mazlumlar: (istanbul-1969).
27-Abdulbaki Golpinarli, 100 Soruda tarikatler, (Istanbul, 1969) p. 226.
28- محسن عبد الحميد، ألنورسي الرائد الإسلامي الكبير، بغداد، 1987، ص13.
29- المصدر نفسه، ص12.
30- عبد الحميد، المصدر السابق، ص13.
31-انظر: طالب الب ” بديع الزمان والحركة النورسية” بحث القي بالإنكليزية في ندوة اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر المنعقدة في البحرين للفترة من 22-25 شباط 1985 وترجمة كمال توفيق الهلباوي ص 409.
32- انظر: محمد سعيد رمضان البوطي، في الفكر والقلب (دمشق، 1969) ص269.
33-احمد فهد بركات الشوابكة، حركة الجامعة الإسلامية، (الزرقاء، 1984) ص55.
34- البوطي، المصدر السابق، ص 269.
35-Fazil, Op- cit p.84. 36-Colpinarli op. Cit. P.227.
37- Colpinarli op. Cit. P.229.
38- Colpinarli op. Cit. P.226.
39- Fazil, Op- cit p.96.
40- البوطي، المصدر السابق، ص274.
41- المصدر نفسه، ص272.
42-Colpinarli op. Cit. P.5.
43- للتفاصيل انظر: عبد الجبار قادر غفور “أضواء جديدة على جريدة كورد” ترجمة ياسين خضر شريف، مجلة كار وان، العدد 72، 1989 ص ص 174-175.
44-الشوابكة، المصدر السابق، ص 55.
45- يذكر البعض ان النورسي هو الذي أسس الجمعية. انظر: البوطي، المصدر السابق، ص272.
46- طالب ألب، المصدر السابق، ص411.
47- انظر: نص دفاعه في البوطي، المصدر السابق، ص ص273-279.
48- بديع الزمان سعيد ألنورسي، الخطبة الشامية، تعريب محمد سعيد رمضان البوطي، (دمشق، لا.ت).
49- عبد الحميد، المصدر السابق، ص20.
50- (منظمة تشكيلات مخصوصة) منظمة عثمانية سرية غامضة مهمتها الأساسية الأمن الخارجي للدولة ومكافحة التجسس الأجنبي عليها. ولم يفصح عن هويتها للرأي العام العثماني إلا في شهر تشرين الثاني 1918 عقب إجراء عملية تحقيق واسعة النطاق عن المخالفات السياسية التي ارتكبها أعضاء جمعية الاتحاد والترقي في الفترة التي سيطروا فيها على مقاليد الحكم بين سنتي 1913و1918. وابرز مؤسسيها سليمان العسكري وأنور باشا واشرف كوشو باشي. وقد أشار وزير الخارجية خليل بك أمام لجنة التحقيق أن المنظمة أنشئت في اقليم القوقاز عند بداية الحرب وذلك لمعاضدة الجيش النظامي. ومن جهة ما توصل إليه التحقيق في شأن هذه المنظمة، أنها كانت ذات طبيعة فدائية ودعائية وكانت ذات صلة بوزارة الحربية، ولها ميزانية خاصة. انظر عبد المولى صالح الحرير “منظمة تشكيلات مخصوصة السرية وأدوارها في حركة النضال الوطني 1911-1918 مجلة البحوث التاريخية، طرابلس/ ليبيا، العدد (1) 1979، ص ص14-50.
51-طالب ألب ، المصدر السابق، ص 413 وكذلك بديع الزمان سعيد ألنورسي ، حقيقة التوحيد، ترجمة إحسان قاسم ألصالحي، (بغداد، 1985)، ص7.
52- المصدر نفسه، ص413.
53- عبد الحميد، المصدر السابق، ص ص23-24.
54-طالب، المصدر السابق، ص414، البوطي، المصدر السابق، ص282.
55- طالب الب، المصدر السابق، ص 414، البوطي، المصدر السابق،ص ص 282-283.
56- نجم الدين شاهين ، المصدر السابق، ص9 .
57- عبد الحميد، المصدر السابق، ص ص 63-65.
58- طالب ألب، المصدر السابق، ص414.
59- السيوطي، المصدر السابق، ص 283.
60-جاءت تسميتها برسائل النور تيمنا بما جاء في السورة (24)، الآية 25 في القرآن الكريم “الله نور السماوات والأرض”.
61- طالب ألب، المصدر السابق، ص414.
62- تتألف رسائل النور من الكلمات (سوزلر Sozler) وتضم (33) رسالة (والمكتوبات (مكتوبات Mektubat) وتضم 33 رسالة كذلك (واللمعات Lemalar لمعه لر) وتضم 33 رسالة والشعاعات (شعاعلر Sualar) وتضم 15 رسالة ولديه ملاحق فيها ملاحق بارلا وملاحق قسطموني وملاحق اميرداغ. وللنورسي كتب بالعربية منها: اشارات الاعجاز في فطان الايجاز والخطبة الشامية انظر: عبد الحميد ص ص33-34.
63- طالب ألب، المصدر السابق، ص415.
64- المصدر نفسه، ص ص415-416.ومما يجدر ذكره أن الأستاذ إحسان قاسم ألصالحي قام بترجمة وتحقيق كليات رسائل النور من اللغة التركية إلى اللغة العربية وتعهدت دار سوزلر للنشر في استانبول بنشرها سنة 1992وبعدة مجلدات هي الكلمات والمكتوبات واللمعات والشعاعات فضلا عن الملاحق وسيرة ذاتية وإشارات الاعجاز والمثنوي العربي النوري والصيقل الإسلامي ورسائل أخرى وفهرس تحليلي عام .
65- المصدر نفسه، ص416.
66- Fazil, Op- cit p.84. 67- Ibid.
68-انظر نص الرسالة في البوطي، المصدر السابق ص ص293-295.
69- انظر نص الدفاع في البوطي، المصدر السابق ص ص289-292.
70- انظر نص الرسالة في البوطي المصدر السابق ص ص 293-295
71-انظر نص الدفاع في البوطي المصدر السابق ص ص 289-292
72-اطلق سراح جماعة النور بعد وصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة سنة 1950 وبدا
يتجول في سيارة أعطيت له من الحكومة .انظر :Golpinarli .op.cit .p .228
74.Ibid.p.147
75.انظر: سليمان ،المصدر السابق ،ص83 67.انظر :جورج لنشو فسكي ،الشرق الأوسط في الشؤون العالمية ،ترجمة جعفر خياط ،
،حـ1(بغداد، 1964)، ص 210.
77- المصدر نفسه، ص 210.
78- المصدر نفسه.
79- لنشو فسكي، المصدر السابق، ص212 .
80- المصدر نفسه، ص212.
81- المصدر نفسه، هامش ص 212 .
82-Fazil,op.cit,p.148.
83- سعيد ألنورسي، السنة النبوية سنة كونية وحقيقة روحية، ترجمة إحسان قاسم ألصالحي، (بغداد، 1985) ص 6.
84- انظر: نجم الدين شاهين أر، المصدر السابق، ص 21.
85- انظر: عبد الحميد، المصدر السابق، ص 41-50.
86- المصدر نفسه، ص ص 58-6505 .
87- المصدر نفسه، ص ص 58-60.
88- المصدر نفسه، ص ص 60-62.
89- المصدر نفسه، ص ص 62-66وكذلك انظر: نجم الدين شاهين أر، المصدر السابق ص 126.
90- عبد الحميد، المصدر السابق، ص ص 71-73.
91- الشوابكة، المصدر السابق، ص 56.
92- النورسي، الخطبة الشامية، ص10.
93- المصدر نفسه، ص ص 10-11.
94- الشوابكة، المصدر السابق، ص 57.
95- طالب ألب، المصدر السابق،ص411.
96- F. Ahmad , the Turkish experiment in democracy 1950-1975, (London, 1977) p.379.
97- سليمان، المصدر السابق، ص83.
98- لنشو فسكي، المصدر السابق، حـ1، ص208.
99- إبراهيم الداقوقي، فلسطين الصهيونية في وسائل الإعلام التركية (بغداد، 1987) هامش
ص83
100- الزين، المصدر السابق، ص291 .
101- صالح طوغ: مناقشة بحث بديع الزمان والحركة النورسية أُلقي في ندوة اتجاهات
الفكر الإسلامي مارة الذكر.
102- المصدر نفسه.
103- المصدر نفسه.
104- عبد الحميد، المصدر السابق، ص ص66-67.
105- المصدر نفسه، 67 وكذلك طالب الب، المصدر السابق، ص ص 417-418.
106- نجم الدين شاهين أر، المصدر السابق،ص24.
107- الزين، المصدر السابق، ص291.
108- عبد الحميد، المصدر السابق، ص63.
109- طالب الب، المصدر نفسه، ص417.
110- المصدر والصفحة نفسها.
111- طالب الب، المصدر السابق، ص417.
112- طوغ المصدر السابق، ص426.
113- طالب الب، المصدر السابق، ص418.
114- نجم الدين شاهين أر، المصدر السابق، ص101.
115- طالب ألب، المصدر السابق، ص419.
116- نجم الدين شاهين أر، المصدر السابق، ص102.
117-Golpinarli op. Cit.,p.227.
وكذلك البوطي، المصدر السابق، ص298.
118-عنون حسن ألبنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين التي ظهرت في سنة 1928
في مصر بعض كتاباته بعبارة (نحو النور)، وهي بهيئة رسائل كذلك انظر: فهمي
جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم الإسلامي، (بيروت، 1979)، ص
ص 348-349 .
119-احمد نوري ألنعيمي، محاضرة ألقيت في مركز الدراسات التركية ( الإقليمية حاليا ) بجامعة الموصل يوم 26 تشرين الأول1988.
120- البوطي، المصدر السابق ص267.
121- طوغ، المصدر السابق، ص426.
122-Ahmad, Op. Cit.,p.379.
123-Ibid, p. 380.
طوغ المصدر السابق، ص426.
124-Ahmad, Op. Cit., p.380.
125- انظر: هشام رشيد حويش “نشاط الاحزاب والتيارات الدينية في تركيا “مركز البحوث والمعلومات، (بغداد،1978) ص11 وحول نشاطات حزب التحرير في تركيا انظر: متين توكر، منا ضلوا اليسار ومنا ضلوا اليمين، ترجمة خاصة عن التركية (أنقرة، 1971) ص ص137-140).
126- انظر: Ahmed,Op. Cit.p.381.
127-Ibid.
128- سليمان، المصدر السابق، ص83.
129- المصدر نفسه، ص86.
130- طالب الب، المصدر السابق، ص420.
131- حويش، المصدر السابق، ص10.
132. طالب الب، المصدر السابق، ص420 وكذلك: غفور، الديانة والطرائق الصوفية،
ص95.
133-طالب الب، المصدر السابق، ص420.
134- المصدر نفسه، ص 420.
135- المصدر نفسه، ص420.
136- انظر: Fazil,op.cit,p.p. 161-163
137-انظر: طوغ، المصدر السابق، 425. وثمة مايشير الى ان الحركة النورسية استفادت من تعاطف السلطات الحكومية في بعض الفترات وخاصة بعد الانقلاب العسكري سنة 1980 في توسيع شبكة نشاطاتها.كما أنهم يحتفظون بعلاقات وثيقة مع دوائر سياسية متعددة. كذلك شكلت خلايا ومراكز من تلاميذ النورسية بمساعدات مالية من مصادر أجنبية واسلامية واوربية مختلفة ويمتلك النورسيون اليوم (جريدة يومية) و (مؤسسات تعليمية ومقاه مهمة في الخارج) وخاصة في المانيا وهولندا والولايات المتحدة ودورللنشر ومراكز اعلامية. ويبدو ان هذا الازدهار يعود في قسم كبير منه الى حقيقة ان حركتهم كانت وماتزال احدى رؤوس الرمح الرئيسة في النضال المعادي لليسار في تركياوهناك مؤسسة في اميركا باسم معهد رسل النور في اميركا وعنوانها :
Risal-:Nur Institute of America, p.o.Box 2192,Berceley, California 94702, USA.
انظر: توكر، المصدر السابق، ص ص137-140 وكذلك محمد علي اوغلاري ،الاسلام في الحياة السياسية التركية، (أنقرة،1982) ص ص 1985-188 (بالتركية).
* أنجز هذا البحث سنة 1989 وقدم حينها إلى المؤتمر الأول لمركز الدراسات التركية (الإقليمية حالياً) بجامعة الموصل ولم ينشر في حينه وعد من البحوث ذات الطابع السري وقد اطلع عليه الأستاذ إحسان قاسم ألصالحي، المتخصص بالدراسات النورسية فأرسل إلى كاتب السطور رسالة من تركيا بتاريخ 25 كانون الثاني 1993 فيها ما نصه “بصراحة تامة، وبدون مجاملة، أقول، لعل بحثكم هذا هو الأول من نوعه مما قرأته من بحوث حول ألنورسي يتسم بالدقة العلمية ويتميز بالبعد عن المدح المفرط أو الاتهام التافه” ولأهمية البحث ولوجود عدد كبير من الباحثين الذين أفادوا منه عند وضع دراساتهم عن ألنورسي وهو بوضع المخطوط قررنا نشره .
المصدر:مجلة علوم انسانية WWW.ULUM.NLالسنة الرابعة: العدد 32:ك2 (يناير)