صباح هذا اليوم ( الاول من آذار ) رحل أحد بيشمركة ثورة أيلول الى جوار به ، البيشمركة خليل بله آمه الذي سار على الدرب الذي رسمه له عمه الشهيد الخالد ( عبه آمه ) ذلك الصنديد الذي الضرب مثلا رائعا لكل من سار في درب الكوردايتي مناظلا من أجل الكورد وكوردستان حينما مشت على جسمه النحيل دبابة من دبابات الأحتلال دون أن يتزعزع إيمانه قيد أنملة باصقا بوجه الضابط الذي طلب منه شتم رمز الكوردايتي الخالد مصطفى بارزاني .
خليل بله آمه الذي أنتمى الى ثورة أيلول مقاتلا يحمل إرث عبه آمه مات في مستشفى رزكاري بعد مرض عضال ألمه وصاحبه لمدة ثلاث سنوات وهو يعيش في إيران مسفرا بتهمة التبعية الإيرانية يكابد المرض من جهة وعائلته المتكونة من ستة أفراد تكابد الفقر المدقع من جهة أخرى والفقر وحده أجبرهم أن يبيعوا كل ما يملكون ويعودوا أدراجهم الى مسقط رأس أجدادهم ( مدينة كفري ) التابعة الى محافظة كركوك ، وهناك طفقوا يعملون ليل نهار من أجل تأمين لقمة العيش وقنينة الدواء التي باتت بضاعة نادرة تدمي قلوب الفقراء وتخوي جيوبهم الى أن أستقر الأمر به أخيرا في أربيل حيث ساعده الطبيب كوران أبن القاص والاديب عبدالله صابر أن يدخل مستشفى رزكاري باشراف نخبة من خيرة أطباء المستشفى .
وفي محطته هذا كان خليل يذرف الدموع وهو يشعر بغربته داخل الوطن وخارجه وخصوصا في أيام الزيارات حيث يستقبل المرضى ذويهم وأصدقائهم وأكثرهم من مدينة أربيل ، غير أن ضابط برتبة مقدم في بيشمركة كوردستان يسمى مصطفى يزوره في كل يوم تقريبا وكذلك أبن عمه سلام فقي علي أحد كوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني المتقدمين وهذا الأخير أيضا سليل عائلة عريقة من أسر كرميان قدمت أربعة شداء الى الحركة الكوردية ، ومن هذا الأخير علمنا بان خليلا يرقد في المستشفى فسرعان ما عادت صورته الى الذهن، خليل ذلك الشهم الذي كان يقيم في مدينة كرمنشاه في كوردستان إيران وهو دائم البحث في أسواقها ومستشفياتها عن بيشمركة من كوردستان كي يخدمه في البيت ، فسارعت الى زيارته في المستشفى ومعي أبن شقيقي يوسف قره داغي وصديق طفولتي طه محمد صالح ، هناك لقينا خليل مصابا بشلل أصاب يديه ورجليه فما أن رآنا الا وأنطلق باكيا بحرقة وهناك حكيت ليوسف قصة خليل وعائلته التي قدمت الكثير للكوردايتي فبادر الى كتابة عمود صحفي نشر في أكثر المواقع الألكترونية وصحيفة الناقوس ملحق جريدة زه نك الكرميانية يحكي فيه القصة بما فيها أسطورة عبه آمة التي باتت أنشودة في ثغر أجيال كرميان ، وكان أول ما تلقف العمود الصحفي يد الرئيس الكريمة فجاءت مبادرته بسرعة البرق ، فلم يمض على نشر المقال أربعة وعشرين ساعة الا وكان مندوبه العميد الطبيب نجم الدين يبحث في أروقة المستشفى عن غريب أسمه ( خليل بله آمه ) وسرعان ما وجده ونقل إليه تحيات رئيس كوردستان الكريم مسعود بارزاني وتمنياته بالشفاء وأستعداده لتلبية طلباته بالسرعة الممكنة ، عند هذا تذكر خليل وهو يروي لي تلك المقابلة قبل وفاته بإيام، ذلك أن الرئيس عندما زار مدينته كفري في ( حزيران 1971) وتذكر شباب المدينة وهو أحدهم كيف رفعوا سيارته على الأكتاف قبل أن تطأطأ قدماه أرض المدينة في تلك الزيارة التاريخية التي أبي فيها كاك مسعود أن يخطب قبل أن يلتقي بأبناء الشهداء، ذلك الخطاب الذي كادت كلماته أن تختفي وسط عاصفات التصفيق لأناس خرجوا من بيوتهم منذ الصباح الباكر وهم ينتظرون لقاء أبن البارزاني مصطفى .
وبعد تلك المبادرة الكريمة من الرئيس وبعد أن تلقف الآخرين خبر رقود كادح وبيشمركة في تلك المستشفى أزدانت زيارات خليل بشخصيات ووجوه ومسؤولين خلفوا أطيب الأثر في نفس المريض وعائلته المنكوبة به ، الفريق شيروان عبدالرحمن كان أول الزائرين وهو الذي نظم له معامته تقاعدية كبيشمركة وهو الذي أمن لعائلة المريض دارا للسكن مع كافة مستلزمات العيش فيها وقال لنا بان الرئيس قد قام بالاتصال به شخصيا ثلاث مرات ليطمئن على تأمين أحتياجاته ، أما الأطباء الذين توافدوا على معالجة المريض ومتابعة حالته فكثيرون والقائمة ستطول بهم ، أما الشيخ رزكار الشيخ طاهر نزاره فكانت متابعاته يومية ومفيدة لهذه العائلة .
نافلة القول أن خليلا قد رحل الى مثواه الأخير وبسمة رضا عريضة قد أرتسمت على شفتيه ، وتلك البسمة رسمها وفاء الرئيس مسعود بارزاني الذي يبحث عن معاناة شعبه حتى بين أسطر مقالات الكتاب وهذا ما يفرحنا أكثر ، فنتضرع الى الله أن يمد عمره لكي يعمل على أتمام رسم البسمة
الكبيرة على شفاه أبناء شعبه العظيم إنشاء الله .