الرئيسية » مقالات » الشراگوة والكرد الفيلية وطنيو العراق.. هل ذوبوا اليوم في شراك الغائب

الشراگوة والكرد الفيلية وطنيو العراق.. هل ذوبوا اليوم في شراك الغائب

ذهبت يوم 14 تموز عام 2006الفائت في حي الصدرية- للقاء صديق قديم لي- وعرجنا بعدها على سوق الدهانة والشورجة وعقد النصارى وصولا الى ساحة الغريري حيث يقوم نصب للزعيم لنؤدي التحية له – فهو الزعيم الوطني الخالد للعراق. في مقهى في حي الصدرية لاحظت صورة للزعيم معلقة على جداره – ظننت انها قد علقت للمناسبة- ولكن صديقي اكد لي انها دائمة ودعا ابو تحسين – صاحب المقهى- الذي عقب – أحنا شعدنا غير الله والزعيم . وابو تحسين كردي فيلي كان قد نجا بجلده من التهجير الصدامي حينما ترك بغداد الى ديالى وبقي هناك مدة ثمان سنوات وعاد ليفتح مقهاه عام 1990من جديد- كما اخبرني صديقي الذي عقب- ليس ابو تحسين وحده – بل ان سوق الصدرية والدهانة والبيوت في عكد الأكراد – وهو الحي الذي قاوم انقلاب البعث المشؤوم عام 1963 لمدة ثلاثة ايام متتالية حتى اخر رصاصة- جميعها تحفل بصور الزعيم . ولثبات قوله جرني الى مطعم شعبي قريب حيث علقت صورتان للزعيم والمهداوي.

في حي الغريري – حيث النصب المتواضع للزعيم – وجدت حشدا من الباعة المتجولين وباعة الخضر حوله وعددا الشياب والفقراء والشباب – تحدثت لشابين جاءا من مدينة الثورة – فاخبراني انهما حضرا حفل افتتاح النصب العام الماضي وقد قررا المجيئ له مجددا – وهما طالبان من الجامعة المستنصرية في قسم علم الأجتماع – السنة الثالثة. وعن سبب اهتمامهم وحبهم للزعيم- اجابا ان والداهما يذكرونه بكل مناسبة منذ كانا صغارا – وعندما كبروا وقرؤا عنه هنا وهناك وجدوا انه زعيمهم ايضا – فهو مناصر الفقير ومثال الوطنية للعراق. بل واكدا لي ان كل مدينة الصدر تحبه وستخرج وراءه لو خرج الزعيم ثانية. أردت ان اسال – وماذا عن الزعيم مقتدى – فانتم ايضا تبايعونه اليوم – ولكني لم اطرحه كي لا يتم الأحراج – فليس من عادتي ! ولكني اكاد اجزم ان جوابهم سيكون لي- الزعيم وين… ومقتدى وين ! استاذ اكو فرق!

الكرد الفيلية في الصدرية هم كرد يسكنون بغداد وبعض مناطق ديالى والكوت – و “الشراكوة ” وبالعربي الفصيح “الشرقيون ” اي سكنة جانب العراق الشرقي – العمارة وتوابعها – هم سكنة مدينة الثورة – وكلاهما ومنذ الخمسينات وماتلاها هم خبز الحزب الشيوعي العراقي وانصار الزعيم عبد الكريم قاسم – والحركة الوطنية في العراق . وأقصد بالحركة الوطنية هو التيار الذي يؤمن بالوطنية العراقية مقابل التيار القومي الذي كان ينادي بالأمة العربية – وهما تياران متصارعان – جذب الأول اليساريين والمثقفين والشراكوة والكرد الفيلية والفقراء والجنود – وجذب الثاني الضباط والبعثيين والناصريين ملتفا حولهم العشائر التي لازالت تعتز ببدويتها وفصلها واصلها العربي- الجزيري . يقول الدكتور علي الوردي ان هذه العشائر كانت تنظر بازدراء للقبائل العربية التي استقرت على دجلة والفرات وكانت تمارس الزراعة والصنائع -، فهم- اي الشراكوة- قد تخلوا عن الطبائع البدوية – وصاروا مزارعين وبنائين وعمالا وبياعين في السوق . والوردي هنا يورد ان هؤلاء(العشائر المعتزة ببدويتها) كانوا يزدرون الأستقرار المدني للقبائل على ضفاف دجلة والفرات ليصبحوا جزء من العراق التاريخي المستقر– اي حضارة وادي الرافدين – منذ فجر التـاريخ. واعتقد هنا ان الوردي قد اصاب سبب الحقيقة من دون ذكرها – لماذا اصبح الشراكوة وطنيون عراقيون ولماذا بقيت قبائل الدليم معتزة ومنتمية لعروبيتها الجزيرية وبقيت اما بدوية تعتمد على الغزو- وأما تربي اولادها ضباطا في الجيش.

اما لماذا يصنف الكرد الفيلية كوطنيين عراقيون ومتمسكين بعراقيتهم اكثر من بقية الكرد مثلا في كردستان العراق – فلم اجد لدى الوردي او لغيره تحليلا اجتماعيا او تاريخيا لذلك – ولكن الجميع يعرف ان الكردي الفيلي منغمس في قضايا العراق اكثر من اكراد كردستان- (وخاصة السياسيين منهم) وكما وصفهم البعض ان لهم قضية في العراق وليس العراق قضيتهم ! والكردي الفيلي لسان حاله يقول ان لهم اهتمام بكردستان ولكن العراق قضيتهم.

في طريق عودتي لحي الصدرية قرأت ملصقا على احد الحيطان ” لا ولاية شرعية حتى خروج الأمام الغائب “عج “.
سالت صاحبي : كم من امثال ابو تحسين لازالوا يحملون فكر وقضايا الهوية الوطنية العراقية مثل ابو تحسين من الفيلية في عكد الصدرية و الشاببين الذين التقيناهما اليوم في مدينة الثورة مع الباعة والشياب منها ؟ استغرب وقال – اتقصد انهم ليسوا منخرطين في حركة الصدر أوالمجلس ؟ قلت لا، أقصد من يعي منهم انه يحمل القضايا الوطنية العراقية ، خصووصا وهم من دافع عنها خلال كل عهود البعث والتغريب وتحمل المحاكم العرفية والقهر !
قال اطمئنك انهم جميعا وطنيون – مازالوا وسيبقون !
قلت مصححا لصاحبي – هل تعتبر ان الطائفية والهويات الجديدة التي يفرضها نظام الحكم المحاصصي لن تغير من موقفهم الوطني تجاه قضايا العراق!
– اعتقد بذلك. صحيح ان هناك هناك موجة ايديولوجية تمارسها احزاب السلطة كي تفرض نفوذها عليهم- فألأحزاب الكردية تريد دفع الفيلية للتخلص من قضية اسمها العراق، لتبني قضايا لكردستان دونه ، والأحزاب والحركات الشيعية تريدهم للبصم مقابل وعود بالتعيين – كما فعل البعث معهم – و هناك موجة ارهابية – صدامية تستهدفهم – وهم يقاومونها كما قاوموا الحرس القومي البعثي .ولكني اؤكد لك ان لا هذا ولا ذاك ، ولن ينتخبونهم مجددا لأنهم – اي احزاب الطوائف – بددوا وطنية العراق، وان مقتدى وجيش المهدي هم ادوات للدفاع عن انفسهم.
– ولكن ما دعوى تخلي الحزب الشيوعي –وهم انصاره- عن القيام بذلك؟
– خليها سنطة- ما اعرف ليش.
– اذن هل تعتقد سكان مدينة الثورة والصدرية هم وطنيون للعظم ومن الولادة حتى وان اصطفوا مع مقتدى او الحزبين الكرديين ! هل تعتقد انهم سيكونوا مع الزعيم الوطني اللاطائفي وغير الكردي مثلا ؟
– نعم اعتقد ذلك مئة بالمئة!

ضحكت مندهشا و معلقا – يبدو ان العراقي والوطني صفة وراثية للكرد الفيلية والشراكوة تغلب على الموجات الأيديولوجية البعثية منها ام الطائفية السلطوية القديمة والحديثة في العراق.
ولااعلم هل كان صاحبي محقا بالمئة بالمئة؟ وانا ايضا بت اعتقد بذلك ، لأني اأمل به لأني أؤمن بالعراقية التاريخانية والوطنية العراقية انتماء ممارسة – رغم علمي أن راي صاحبي مناف لقوانين التطبع الأجتماعي لأبن خلدون ووليام جيمس والمحدثون من علماء الأجتماع.