عندما كنت صغيرة كان يقول لي والدي كل مرة عندما كان يضمني بحنان الى صدره الدافئ بحنان الأبوة رغم انني كنت الطفلة الرابعة عشرة له ( ولم أكن الأخيرة) كان يقبلني بحرارة ويقول لي “يا ريتكِ كنتِ صبياً “اما أنا فكنت احاول ان اتخلص منه وكنت أقول له بتلك البرآة الطفولية المعهودة لدى الأطفال (انك توخذ وجهي بإِبرك الحادة, قاصدةً لحيته).
كنت اهرب من بين يديه ضاحكة وهو يحاول الأمساك بي ليعاندني بقبلاته وكلماته التي ابحث عن معانيها حتى اليوم والتي اعتقد كل يوم انني وجدت لها معناً ولكن لا يزال المعنى غير كاف. وعندما كبرت قليلاًً بدأت اسأل نفسي عن السبب لماذا يقول لي أبي هذا الكلام رغم أن له من الصبيان سبعة…!!!؟
وبقي ومايزال هذا السؤال يطرح نفسه على مدار الأيام والسنين دون جواب شافي.
طبعا انا اعرف بأنكم ايضاً تفكرون بلاْْْجابة وربما وجدتموها وهو بسيط جداً، فمن البديهي ان كل الرجال او بلأحرى كل الناس في مجتمعاتنا الشرقية يفضلون الصبيان على البنات وهذا لايختلف عليه إثنان متخلفان.
هذا ما يبادر الى ذهن كل شرقي مثقف وعاقل، لكني اعتقد بأن المرحوم والدي المولود عام 1900 لم يكن سطحي التفكير والقول لمستوى مثقفي اليوم ومنّظري الأنترنيتات والمهتمين بالعولمة والقضايا السياسية وحقوق الأنسان.
كنت اعتقد احياناً إنني وجدت الجواب عندما كنت اعيش في القرية وحيدة مع امي وابي الُمسن فالعمل في الحقول وتربية الحيوانات يحتاجان الى قوة عضلية احياناً لم نكن انا وامي نمتلكها وكان العمل بوجود اخوتي الشباب أسهل بكثير. وتارة عندما كان ابي يكون ابي في موقف يحتاج فيه الى من يسانده ويقوي ظهره ويدافع عنه وعن ممتلكاته كمعركة” النمل” المشهورة التي حصلت على پالا تل تل عربيت والتي يعرفها التل عربيتيون ولا استطيع الخوض في تفاصيلها الآن لم يكن بإمكاني كفتات الخوض في غمار المعركة في حين كان من السهل للرجال بل من الشرف لهم الخوض فيها. وتارةً أخرى عندما كان أخواتي البنات يتزوجن فكان لهن مهر يشترى به لهن ثياب وذهب وغيرها من قطع الآثاث المعروفة لديكم, شانهن شأن الفتيات الأخريات في مجتمعنا وكأنه يراد القول لهن من كلا الطرفين من جهة عائلة عريسها ومن جهة أهلها : هذا ثمنك وكلما تستحقينه وليس لك اية حقوق اخرى. فكما تخرج الفتاة من بيت أبيها صفر اليدين تعود إليه في حالات الطلاق صفر اليدين حتى من أطفالها الذين هم من لحمها ودمها هذه المواقف…. وغيره ….وغيره من المواقف التي تشعر المرأة بالتعاسة كونها أنثى.
وعندما كبرت ووصلت الى الصفوف الأخيرة من الدراسة بدأ الصراع في العائلة حول ما إذا كان بإمكاني الدراسة في الجامعة ام لا…..؟ في الوقت الذي كانت الدراسة الجامعية لأخوتي الصبيان كذلك لأبناء وبنات أخوتي المعارضين لدراستي في الجامعة حلماً يراودهم كل مساء, فبلأضافة الى الدورات الدراسية الخاصة والعامة المقدمة لهم كانت تشترى لهم عقارات ويقال لهم هذه صيدليتكِ او عيادتكَ لتشجيع اولادهم على الدراسة بالرغم من انه حتى الآن وبعد عشرون عاماً ما تزال هذه العقارات المغلوب على أمرها شاغرة وفي انتظار طبيب او صيدلاني. في هذه الأثناء كنت اعتقد بأنني وجدت الجواب لقول ابي الذي لم يكن آنذاك صاحب القرار لكبر سنه ووضعه الصحي .كذلك الأمر بعد انتهائي من الدراسة الجامعية ومحاولتي لدراسة ما بعد الجامعة وفشل محاولاتي في هذه المرة بإمتياز من جهتي العائلة والدولة (كوني كنت خطر على أمنيهما) رغم توفر الرغبة و كامل الشروط المطلوبة لدّي.
المهم انني وصلت الى نهاية الطريق الشائك والمتشعب الذي ربما كان سيكون اسهل بكثير السير عليه لوكنت صبياً وبدء الطريق الوحيد السكة والذي لابد للفتاة السير عليه وإلا ستكون شاذة او منبوذة في مجتمعنا ألا وهو الزواج ومن ثم الأغتراب الذي اقتدت إليه مجبراً لابطل.
ولكن بالرغم من عدم قناعتي بالهجرة خاصة الى الدول الأوربية حاولت ان اقنع نفسي ككل النساء أو حتى الرجال بأنه ربما سوف يكون هناك إمكانيات اكبر واكثر تطوراً إذا ما اراد الأنسان ان يطور نفسه ولا أخفيكم سراً بأنني اعتقدت بأنه هناك سوف يكون قبر نظرية ” التمني بان أكون صبياً”
ولكن كما يقال بالكردية: “حسابي مالي او سوكي لهف درناكفة” .
على كل حال سوف لااطيل عليكم الحديث بالتأكيد لدي ولديكن آلاف الأجوبة ليس هناك مجال لذكرها جميعاً ولكني سوف أذكر لكم أخرجواب توصلت إليه قبل يومين إثناء زيارتنا لمدينة ميندن الألمانية حيث اقيم هناك بمناسبة أربعينية الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي “رحمه الله واسكنه فسيح جناته”. طبعاً من المعروف او أصبح من المعروف لدى كل كرديٍ وكردية ان الشيخ معشوق هو ذلك الجندي المجهول الذي قارع عرش البعث واصبح يهزه دون ان يشعر ابناء قومه وحتى السياسيين منهم باهمية ما ينادي به جناب الشيخ وما يفعله لدرجة اضطرت السلطات البعثية وكعادة الطاغية الى تصفية الشيخ جسدياً ظنأً منهم انهم قضوا على صوت الحق والحرية ناسين بان الشيخ الشهيد قد خلف الشيخ مراد وخمسة عشرة اخوة واخوات له واربعون مليون كردي عطشى للحرية والعدالة. فقد كان التحضير لهذه المناسبة الجليلة (بغض النظر عن التأخير الذي حصل بالبدء بالبرنامج) من الناحية التنظيمية يليق بمقام الشهيد كذلك القصائد الشعرية والكلمات التي ألقيت بهذه المناسبة كانت معبرة ومؤثرة جداً ولكن ما لفت نظري واعتقد نظر الحاضرين الذين تجاوز عددهم المئة هو غياب العنصر النسائي ما خلا الواحدة . فهناك سؤال اعتقد بأنه بادر الى ذهن الكثيرين من الرجال المتزوجين “أنا زوجتي مو خرج تجي لهك لقاءات لماذا لم يجلب الأخرين زوجاتهم فلوان البعض جلبوا معهم زوجاتهم او اخواتهم كان سيكون عدد المشاركين اكبر وحضاري اكثر” او ربما يقولون “عن ماذا تبحث هذه المرأة هنا ألم يكن من الأفضل لها ان تبقى في بيتها وتهتم بعملها المنزلي واولادها ؟”.
اما انا المرأة الوحيدة في القاعة فكنت افكربنفسي بعد ان حاولت عّد الرجال الموجودين فاقتربت من المئة وتوقفت عن العد وبدأت بلأنصراف قليلا الى ذهني الحسابي لاحتضر معلوماتي في النسبة والتناسب ولحسن الحظ كانت المعادلة سهلة جدا ًلدرجة تمنيت لنفسي لو كنت في امتحان للرياضيات, ففرضت ان جميع الموجودين بما فيهم أنا أكراد وطنيون ومحبون لقضايا وطنهم وشعبهم ويحاولون رغم بعدهم عن الوطن القيام بواجبهم تجاه قضاياه المصيرية وإضاعة الفرصة على اعداء الأكراد لتحقيق اهدافهم بكتم صوت الحق والعدل. وكعادتي حاولت ان احسب نسبة مشاركت النساء الى الرجال. فاذهلنتي النتيجة وربما ستذهلكم ايضاً خاصة النساء الموجودات في الوطن وربما الحاسدات على الحريات التي ننعم بها نحن المقيمات في اوربة. فالنسبة كانت واحد بالمئة اي أن مقابل كل مئة رجل وطني هناك إمرأة وطنية واحدة. وهذا يقودني الى نتيجة أخرى لأن مشكلتي انني أحول احيانا النتائج الجزئية الى نتائج كلية فاقول مثلاً إذا إفترضنا ان المجتمع الكردي يتكون من 50%من الرجال و 50% من النساء وبأنه يقابل كل مئة رجل وطني إمرأة وطنية واحدة ولو افترضنا ان كل الرجال الأكراد هم وطنيون ( كلام حلو) فكم سيكون عدد الوطنييون والوطنيات الأكراد في العالم؟ فكر معي قليلا من فضلك…….. (الجواب في الأسفل)؟ وهل هذا الرقم يناسب طموحاتكم يا ايه الوطنيين و المثقفين والعائشين في ظل نظام العولمة والحضارة الأوربية؟ ام ان لديكم جواب اخر…
أما أنا فوجدت جوابي الأخير على قول المرحوم والدي الذي كان يقدس و يعشق كردستان والقضية الكردية عشقاً وكان مستعدا للتضحية في سبيلهما, فربما كان يتمنا لي بان أكون من الجنس الوطني , فكان بإمكانه ان يعاملني ويحبني كأخوتي الشباب دون التمييز ولكن لم يكن يستطيع ان يجبر احداً غيره على ان يعاملني مثله والمجتمع الكردي بكل الأحوال فما كان له إلا ان يتمنى لي بأن أكون صبيا.
ً
الجواب:من اصل 20.000.000إمرأة هناك 200.000 إمرأة وطنية
مجموع الوطنيين من الشعب الكردي في العالم: من أصل40.000.000 هم 20.200.000
ومن هنا اجد بانه من واجبنا نحن الوطنيين ان نهتم قليلا باللاوطنيات من بنات شعبنا اللواتي هن زوجات وامهات وبنات لنا كي نرفع هذا الرقم الى مستوى يليق بنا وبعصرنا ومتطلباته.
المصدر:knntv.net