الرئيسية » مقالات » القنبلة النووية الإيرانية المزعومة و الضجة المفتعلة

القنبلة النووية الإيرانية المزعومة و الضجة المفتعلة

قامت وسائل الإعلام الأمريكية و العالمية منذ أكثر من سنة بشن حملات ضد إيران و مفاعلها النووي و تخصيبها لليوارنيوم في مدينة بوشهر و إصرار الإعلام الأمريكي على أن إيران على وشك تطوير قنبلة ذرية تهدد جيرانها . و قد صرح المسؤولون الإيرانيون بأن من حقهم تخصيب اليورانيوم و تشغيل المفاعل النووي لأغراض إستعماله في توليد الطاقة و الإستعمالات الأخرى السلمية في الطب ، بحيث أيدتهم روسيا ، الدولة المتعاقدة مع إيران لبناء هذا المفاعل النووي .

مما لاشك فيه ، يمكن إستعمال اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية إذا توفرت المخططات لصناعة القنبلة الذرية و المكائن و المعدات اللازمة و مشاركة علماء الذرة المختصين .

فلماذا لم تشن الولايات المتحدة المريكية و حلفاؤها حملاتها ضد إسرائيل التي تهدد منطقة الشرق الأوسط لكثرة قنابلها و أسلحتها النووية ، و الهند و باكستان ؟

لماذا تتبع الولايات المتحدة الأمريكية المعايير المزدوجة تارة بالإيجاب تجاه الدول التي تسير في ركابها و تارة أخرى بالرفض تجاه الدول التي لا تسير في ركابها ؟

فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ، الدولة الأعظم في العالم ، حريصة على نزح السلاح النووي و حظر انتشاره و استعماله ، فعليها أن تنزع الأسلحة النووية و تبطل مفعول القنابل الذرية لكل دول العالم ، و منها إسرائيل و الهند و باكستان ، و تجعل منطقة الشرق الأوسط و العالم خالية و آمنة من السلاح النووي و القنابل الذرية .

نحن لا نريد الدفاع عن إيران ، لكن تورط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتسليم إيران بواسطة عميلها الروسي مخططات لصناعة القنبلة الذرية للوفد الإيراني الذي حضر إلى فينا للمشاركة في مباحثات مؤتمروكالة الطاقة النووية الدولية الذي انعقد في فينا برئاسة الدكتور محمد البرادعي ، هو الذي دعانا إلى كتابة هذا المقال .

و للقارئ الكريم تفاصيل عملية التسليم التي نشرها الصحفي الكبير لصحيفة نيويورك تايمس جيمس ريسن في كتابه : دولة الحرب – القصة السرية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية
CIA و إدارة بوش ، الفصل التاسع : العملية القذرة ، صفحة 215 – 242 ، الذي صدر بالإنكليزية و الألمانية عام 2006 :

James Risen : State of War. The Secret History of the CIA and the Bush Administration, publisher Free Press, Print Simon & Schuster, Inc, New York, 2006

James Risen: State of War. Die Geheime Geschcihte der CIA und der Bush-Administration, Hoffmann und Campel, 1. Auflage 2006,
ISBN (10)3-455-09522-4
ISBN (13)978-3-455-09522-7, www.hoca.de

فوجئت لدى قرائتي الكتاب باللغة الألمانية للفصل التاسع : عملية الأنذال ، من صفحة 215 إلى 242 بهذه اللعبة و التضليلات التي تشير إلى كيفية قيام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتسليم الوفد الإيراني مخططات لصناعة القنبلة الذرية ، الذي جاء إلى فينا للمشاركة في مباحثات المؤتمر الدولي الذي عقد فيها بحضور السيد الدكتور محمد البرادعي
و الوفود الأخرى . شيء لا يمكن أن يصدقه العقل السليم . و أعتقد أن هذه الحملات الإعلامية التي تشنها الولايات المتحدة تهدف بالدرجة الأولى إلى تخويف الدول العربية لا سيما دول الخليج الشقيقة و تهيئتها و توريطها في الحرب التي ستشنها أمريكا ضد إيران ، كما فعلتها سابقا بتخويفهم من إيران و حثت دول الخليج و مصر على دعم النظام العراقي بالمال و السلاح و العتاد لشن حربه العدوانية ضد إيران لمدة ثماني سنوات ، و التي أحرقت الحرث و النسل و دمرت إقتصاديات البلدين و دول الخليج في حينه .

لذا نحذر إخواننا العرب من هذه اللعبة الخطيرة التي لا سمح الله إن وقعت فإنها ستطالهم و تحرق الأخضر و اليابس و تصبح إسرائيل هي المسيطرة على المنطقة .
أحاول إيجاز ملخص أهم ما ورد في الفصل التاسع لكي يطلع كل من الإخوة و الأخوات على هذه اللعبة الخطيرة .
صفحة 215 :

( عملية الأنذال : بمساعدة التقنية الرقمية ( الديجيتال ) أصبحت الإتصالات السرية بالعملاء عبر البحار عملية روتينية . ففي الحرب الباردة كان إجراء إتصال بعميل أو جاسوس في موسكو أو في بكين من أخطر المهمات التي استغرقت أيام و اسابيع لإجرائها . إلا أنه في سنة 2004 أصبح ممكنا فتح الرموز و الشفرات و المراسلات بسرعة فائقة و مباشرة من مبنى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية و إرسالها إلى عملائها بواسطة أجهزة إتصالات صغيرة مخفية . و ذات يوم فكرت ضابطة في مبنى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية و التي كانت مسؤولة عن الإتصالات بالعملاء في إيران ، حيث أرسلت بعض الأوامر البسيطة مع مجموعة من المعلومات إلى عميلها السري الإيراني ، كما كانت تفعل ذلك سابقا عدة مرات . إرتكبت الضابطة خطأة فادحة مأساوية أدت إلى كشف كل عملاء و كالة المخابرات المركزية في إيران . علمت وكالة المخابرات مؤخرا أن عميلهم الإيراني كان عميلا مزدوجا أي أنه كان يعمل موظفا في المخابرات الإيرانية ، الأمر الذي أدى إلى اكتشاف شبكة الجواسيس في إيران ، حيث تم اعتقالهم و سجنهم و لم يعرف مصير الآخرين ) .

صفحة 216 .

( كانت إدعاءات و تصريحات الرئيس بوش و مستشاريه في عامي 2004 و 2005 معروفة ، بأن إيران على وشك تطوير و صناعة أسلحة نووية . و في ذلك الوقت بالذات لم يكن لموظفي الأمن و وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أية أدلة مقنعة و ملموسة ، لكي يقوموا بدعم تصريحات الحكومة الأمريكية . ولم تكن لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية أية معلومات حقيقية عن أسلحة الدمار الشامل في العراق ، لكي تشن الحرب عليه . و هكذا أصبح رجال الأمن و وكالة المخابرات المركزية للمرة الثانية فاقدي البصر ( عميان ) . وبعد الفضيحتين عيّن بورتر جي جوس Porter J. Goss رئيسا جديدا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وهو أيضا لم يعلم عن المستوى التطور الذي و صلت إيه إيران ، لكي تصبح قوة أو دولة نووية . فلم تصرح إدارة بوش علنا عن مقدار التقدم النووي لإيران ، إلا أن السؤال التالي كان يطرح في قلب وكالة المخابرات :
ماذ نتج من المخططات لصناعة الأسلحة النووية التي سلمت إلى الإيرانيين؟
و القصة تبدأ بسنة 2000 عندما ظل عالم روسي خائف طريقه في شتاء فينا ، و كان ملتفا بمعطفه في برد شهر شباط ، حيث قفز من الترام الذي كان يسير ببطئ في شوارع فينا .
كان العميل و العالم النووي الروسي مترددا في تنفيذ العملية أم لا ) .

صفحة 217 :

( قال في نفسه : أنا لست جاسوسا ، بل أنا عالم . ماذا أفعل هنا إذن ؟
لمس الطرد الصغير ( المظروف ) الموضوع في جيب معطفه و الحاوي على وثائق و مخططات ثمينة جدا . إن هذه المهمة المجنونة لم تكن حلما طائشا . إستخرج الروسي ورقة ملاحظات من جيبه للتأكد من العنوان ، و تحرك سائرا على قدميه . لم يعرف مدينة فينا ذات الشوارع العريضة ، و كان هو بالقرب من دار الأبرا ، حيث فقد تركيزه ولا يدري باي إتجاه يسير . كان عليه أن ينزل من الترام رقم 21 في موقف زقاق رويب Rueppgasse أو
موقف شارع هاينه Heinestrasse . ركب الترام مرتين ذهابا و إيابا دون جدوى ، ثم فكر بأن يتحول و يركب قطار فينا تحت الأرض Wiener U-Bahn . كانت ممثلية الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقع بالقرب من وكالة الطاقة النووية الدولية ( IAEA ) في فينا ، و لم يكن من السهل عليه التعرف على مبنى الممثلية الإيرانية . قال في نفسه كان عليهم أن يعطوني المعلومات الدقيقة . بينما كان يسير في القسم الشمالي من فينا داخل مركز المدينة طرأ عليه هذا السؤال : لماذا فكرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بهذه المهمة ؟
إلا أنه لم يعرف الجواب . وكان له الحق أن يخاف . سار على قدمية في شوارع فينا و معه المخططات لصناعة القنبلة الذرية . كانت له بالضبط تصاميم بلوكات تيار عالي الضغط من نوع
Typ TBA-480 التي تعرف تحت إسم طاقم الإشتعال Zuendsatz لقنبلة نووية لنموذج روسي . كان يحمل معه كل العلوم و المعرفة في يديه التي يحتاجها المرء ، لإحداث إنفجار ضمني داخلي دقيق في مجال نووي صغير ، لأحداث ردود عكسية مستمرة ).

أطلق على هذه العملية إسما ” مرلين MERLIN . القصة طويلة جدا أحاول إختزالها .

صفحة 225
( إكتشف العالم الروسي في المخططات التي استلمها من وكالة المخابرات الأمريكية خطأة فنية . قال الروسي للضابط المسؤول عنه الذي زاره في غرفته بالفندق : إن هذه المخططات غير صحيحة ) .
صفحة 277 :
فوجئ ضباط المخابرات الأمريكية ، إلا أنهم لم يردوا عليه ، لأن مصورات المخططات غير صحيحة . و بعد فترة قصيرة سلم ضابط المخابرات الأمريكية العالم الروسي طردا صغيرا ( مظروفا ) مختوما بالشمع الأحمر و أمره بألا يفتح الطرد . وعليه يجب إتباع أوامر المخابرات لإيجاد الإيرانيين و تسلميهم مظروف المخططات و الوثائق . خرج الروسي إلى شوارع فينا لوحده و فكر مليا بمهمته و قرر أن يفتح الطرد . و بعد عودته إلى غرفته كتب رسالة خاصة موجهة إلى جامعة طهران ، ذكر فيها سيرة حياته و رغبته بأنه يحمل معلومات قيمة جدا و مخططات لصناعة القنبلة النووية و أنه مستعد لبيعها على الإيرانيين و مساعدتهم . و حذر الروسي الإيرانيين بأن هناك خطأة في المخططات و أنه مستعد لمساعدتهم و تصحيحها . وضع الروسي هذه الرسالة داخل مظروف أو طرد صغير و ختمها بالشمع الأحمر بعد أن وضع المخططات داخلها . و بعد جهد طويل والحث في الإنترنت وجد عنوان الممثلية الإيرانية أو مكتب الوفد الإيراني في شارع هاينه رقم 19 ( Heinestrasse 19 ) في مبنى مكون من خمسة طوابق للمكاتب التجارية و الديبلوماسية و للسكن . لم يجد لوحة كبيرة على الباب تحمل إسم مكتب الوفد أو الممثلية الإيرانية ، إلا أنه وجد لوحة صغيرة جدا بين إسمين نمساويين كتب عليها : PM/Iran
إنتظر مدة طويلة أمام الباب فلم يدخل أو يخرج أحد . ثم ذهب إلى الفندق و عاد عصرا مرة ثانية إلى مبنى الممثلية الإيرانية و انتظر فترة إلى أن جاء ساعي البريد النمساوي و فتح الباب و وزع الر سائل و أدخلها في صناديق بريد كل شخص أو مكتب ، ثم خرج ساعي البريد . وفي الحال دخل الروسي إلى داخل المبني و أدخل المظروف أو الطرد الصغير في داخل صندوق البريد الخاص بالممثلية الإيرانية و غطاه بصحيفة ى، ثم ولى هاربا من المبنى دون أن يعرفه أحد ) .

القصة طويلة جدا كأنها فلم بوليسي تحتاج لكتابة عشرات الصفحات .
ومن يرغب قراءة الكتاب بالإنكليزية أو الألمانية فليتفضل بطلبه من الناشر مباشرة ، و قد ذكرت رقم الطلب ISBN

و ختاما آمل ألا تتورط دولنا العربية و الإسلامية بهذه اللعبة الخطيرة الأمر الذي سيؤدي إلى تدمير شعوبنا و منطقتنا ، لأن ،لا سمح الله ، لو نشبت حرب نووية أو كيمياوية في منطقتنا ، فإن عواقبها ستكون وخيمة على المسلمين و العرب قاطبة .

د . عدنان جواد الطعمة
ألمانيا في 7 / 2 / 2007