الخوف من الباطل يؤدي إلى رجحان كفته في المجتمع ، على حساب الحق طبعا ، وبما أن القوانين توضع من قبل أفراد ذلك المجتمع نفسه ، لذا نراها بعيدة عن العدالة بالرغم من تبجحها بها وهذه هي اللبنة الأولى للظلم الاجتماعي و اختلال التوازن لصالح فئة جاهلة تدعي الدين! ، و تعتبر نفسها حامي حماه و المدافعة الحقيقية عن العادات و التقاليد و العرف الاجتماعي و من ثم القوانين ! . فنرى المجتمعات المتخلفة مرهوبة من رجالات الدين و واضعي قوانينه ، وفي أحيان كثيرة هم نفس الأشخاص ، اللذين استطاعوا إرهاب المجتمع فكريا و اجبره على فروض الطاعة لهم لكونهم (وجوه اجتماعية) أو أعضاء في البرلمان ! ، و لكنهم في الحقيقة ليسوا إلا عطاريين لبضاعة فكرية فاسدة لبقايا إيمان مشوه تحلّل الحرام و تحرّم الحلال لضمان مصالحهم الأنانية القذرة على حساب مصالح المجتمع و أهدافه المباركة في الحرية و التحرر و التقدم و الازدهار . يكتبون دساتير و عهود اجتماعية تكون حمالات لاوجه عديدة متناقضة (ليشرعوا !) بعدها قوانين قرقوشية لغرض النصب و الاحتيال على الجماهير الكادحة و لتحريف مسيرة الأمة و تظليل أجيالها المستقبلية بافتراءات يحشون بها في الكتب المدرسية ! و كتب التاريخ و الآداب و التربية و علم النفس و علوم المجتمع ليبقى الشعب ذليلا صاغرا أمام جبروت أئمة الدين اللذين بقوا كأصنام و لمن ينطقوا ولو بكلمة واحدة طيلة أزمنة الكفاح و النضال و التحرر ، بل على العكس تماما كانت تلك النفوس المريضة من (وجوه المجتمع) بملابسهم الفضفاضة المتميزة ادواة بأيادي الأعداء على المنابر و في أماكن العبادة يدعون ليل نهار بإطالة عمر الطواغيت و السفلة ، و لم تسقط من أجسادهم ( المباركة ) قطرة دم في سبيل الوطن تلك الأرض الطيبة التي ضحى من اجلها قافلة تلوا قافلة من الشهداء البررة من جميع الأحزاب على مختلف توجهاتهم الفكرية ، عدى تلك الوجوه المنتفخة اللذين برزوا إلى الواجه بعد التحرير ليشكلوا أحزابا دينية إسلامية ! ، فيا لانتهازيتهم و قلة حيائهم ، ففي المجتمع الكوردستاني مثلا برزت هذه الحقيقة الناصعة بوضوح تام ، فطيلة عمر حركة التحرر لم نسمع باسم تلك النكرات في أية جبهة للقتال أو بين صفوف التنظيمات للشعب العظيم الذي أعطي الغالي و النفيس و لم يبخل يوما واحدا من تلبية الواجب المقدس ، و شمل العطاء اللامتناهي القوميين و الاشتراكيين و الوطنيين و الشيوعيين و المتدينين في صفوف الأحزاب الكوردستانية ، الكوردية منها و غيرها . كان المجتمع جاهلا مرهوب الجانب من خرافات تلك الحثالة ، و يأن تحت أثقال العبادات التي مسخت القيم الأصيلة المتوارثة عبر التاريخ ، التي كانت حصيلة آلاف السنين من الحضارات الإنسانية في أرضنا المقدسة ، و كان البديل أفكار سوداوية تقبّح الحياة و تكفر بالله خالقها الذي خلقها في احسن تقويم و لو استعملنا عقولنا التي هي هبة من عنده لعشنا جميعا بسعادة لا حدود لها و من دون أية استغلال و استعباد بحرية تامة كما أراد ربنا لنا دون تلك الأغلال في أعناقنا و الاحتلال لبلداننا من قبل صعاليك الصحاري الجائعين للأكل و الجنس ، و ذئاب براري آسيا الوسطى اللذين حولوا الحياة إلى سعير دائم و خوف متأصل في النفوس المرهوبة من ( عقاب ) الله و نار جهنمه الذي لا ينطفئ ، يشبهون جلالته بسلاطينهم و ملوكهم الظالمين اللذين عذبوا ( الرعية ) و استعبدوها للعمل في إسطبلاتهم و مواخير ملذاتهم دون مقابل ، بل يفعلون ذلك إلى ألان فالرئيس عندهم معصوم من الأخطاء مرهوب الجانب و دكتاتور يعبدونه حتى بعد الممات ، ألا يفعلون مع ارذل المخلوقات ، صدامهم المقبور و كافة سلاطينهم اللذين يندى جبين البشرية خجلا من أفعالهم الهمجية و إلى ألان !؟ . إن تراث الإرهاب الدخيل على ثقافة الشرق الأوسط ليس وليد اليوم بل يتجلى في مؤسسات المجتمع جميعها ابتداء من الأسرة و انتهاء بأعلى هرم في سلطات دوله ، فماذا نقول عن تركيا مثلا ، أليست دولة إرهابية ؟ . و كذلك الأخريات بهذا الشكل أو بآخر ؟ . و الأسر كذلك ، فالطفل لا يكاد يفتح عينيه إلا و عصا الوالد ! و الوالدة ! و المعلم ! فوق رأسه ، و الطفلة تشاركه في المظلومية ، إضافة إلى ضريبة أنوثتها في مجتمع الذكور الكافر بمخلوقات رب العالمين !. المراء أمة للرجل و محضيته الفاتنة عليها أن تتغابى ليرضى عنها مالكها ! . المدرسة تفرق في اللحظات الأولى من دوام الطفل فيها بينه و بين الحرية و عليه تقديم فروض الطاعة و الاستعباد لمعلميه ! و عليه التحجر كالصنم على رحلته و إلا فليتحمل جسمه و نفسيته أنواع الأذى و التصغير . يشعّرونه بجنسه و يفصلون بينه و بين زميلته ليتعود الحرمان و التقوقع وعدم الاختلاط بالجنس الآخر لانه حرام ! و رويدا رويدا يتعلم الممنوعات و المحرمات إلى أن يجردوه من كافة المعاني الجميلة للحياة و يتحول إلى خيال للمآتة مسلوبا من الإرادة و الثقة بالنفس ، له من العقد ما لا يتحمله الجبال يشعر بالنقص القاتل ، لذا يلتهم العلم التهاما طمعا بالمهن الرفيعة ! و يستنكف من معاشرة عامة المجتمع و ينظر إليها باحتقار و يصفها بالبلاهة و الغباء . و طالب الدين يجمع الصفات السالفة ذكرها مع أنواع من الحيل و الخدع و له ألوف المكاييل يوزن بها نفس الأشياء و في عين الوقت و المكان دون وجل لانه المصطفى بين أقرانه و لا يمكن له أن يخطا و يجب عليه ادعاء المعرفة المطلقة بالدين و الدنيا و الجواب على جميع الأسئلة الإيمانية و السخرية من الذين لا يقتنعون بجوابه و من ثم التشهير بهم و تكفيرهم أو تخوينهم. ناصب رجال الدين و طيلة قرون العداء للعلم و العقل ليتيّهوا مجتمعاتهم في متاهات الخرافات و الدجل و ليغرقوه في بحور الظلمات لكي يتسيد هؤلاء على الناس و يأكلون من عرق جباههم بالترهيب ببأس المصير و نار جهنم ، و الترغيب بحور العين و الصبايا الحسان في جنات الخلد لا يدخلون فيها إلا من كانوا عبيد أذلاء للخالق و المخلوق خائفين مرتجفين صاغرين مرهوبين صابرين على الظلم و الهوان !. بهذه الأرواح التي أماتوها يصنعون الإرهاب و يجعلون من أجساد أولئك المرضى مفخخاة لقتل اكبر الأعداد من الأبرياء لا توجد عندهم لا دين و لا إيمان بالحياة ، ينتهكون المقدسات و لا فرق عندهم بين زمان و زمان و لا مكان و مكان و لا يعترفون بحرمة الأعياد و المناسبات تواقون للوصل بالحوريات! و إن كان على حساب شعب كامل و مظلوم من شعوب الله بحصاد خيرة أبنائه بمنجل الموت في يوم الأضاحي كما حصل في اربيل قبل ثلاثة سنوات في الأول من شوال . الرد يكون بإشاعة الديمقراطية و خلق أوسع فضائات الحرية أمام بنات و أبناء شعوبنا ليتحرروا من الرهاب الاجتماعي المقيت و ليبنوا معا مجتمعات خالية من الإرهاب . و لكن ، هل هنالك أمل لتحقيق ذلك الهدف في المستقبل القريب ، بالنسبة لمجتمعات الشرق عامة و كوردستان خاصة ؟ . ــ نعم . و الخطوة الأولى تكون بحل الأحزاب الدينية المتشددة و المعتدلة و ما تجمع حولها ضمن عضويتها و المؤيدين لها من أعضاء و مؤازرين متدينين من نفس الدين و الطائفة و المذهب سواء كان حزب ايزديا أو مسيحيا كاثوليكيا أو بروتستانتيا أو إسلاميا سنيا أو شيعيا و غيرها و مهما كانت تسمياتها المظللة كالعدالة و الفضيلة و الرفاه و الدعوة و السعادة و.. الخ . ـ محاسبة رجال الدين قضائيا عند تدخلهم في السياسة و معاقبتهم اشد العقاب بموجب قوانين عصرية علمانية متنورة تحد من سلطات الأديان المختلفة لضمان التعايش و التآخي بين أفراد المجتمع في مساواة تامة و إلغاء درس الدين من المدارس و إحلال درس الأديان بدلا عنه . ــ منع رجال الدين من مخاطبة المجتمع علنيا و بمكبرات الصوت إلا في مناسبات و أعياد خاصة بذالك الدين و المذهب . ــ التقليل من الضوضاء الناتج من رفع الأذان و النواقيس . ـ تجريم الشخص الذي يهين الآخر بسبب دينه و معتقداته و أفكاره و اعتبار تلك المعتقدات حقوق شخصية للفرد و التجاوز عليها حالة جرمية تستوجب العقاب من قبل المحاكم ، بموجب قانون يضع لهذا الغرض على أن يشمل الجميع مهما كان صفته و مسئوليته و مهنته و موقعه . ـ الاهتمام المتكافئ بجميع أماكن العبادات و لمختلف الأديان و الطوائف و المذاهب و الطرق الدينية و توجيه رجال الدين للعمل في المؤسسات الاجتماعية و الخيرية إضافة إلى وظيفتهم ، ليكونوا رجال مثمرين و مستثمرين في قطاعات خاصة تلائم صفة التديّن الصحيح و لابعادهم من اجترار مقولات غير مسلمة بها تؤدي إلى خداع المجتمع و تسطح فكره و استغبائه و تشدده و استبداده ، و إلى آخره من صفات التخلف و الرجعية الطاغية في المجتمعات الإسلامية . ــ الاهتمام الزائد بالمدارس و الأساتذة و الطلاب في جميع الأوجه ابتداء بالتدفئة المدرسية الجيدة إلى المناهج العلمية و الأدبية المتجددة دائما بديناميكية فعّالة تشخّص الخلل و الأخطاء من قبل لجان أكاديمية من افضل المتخصصين المحليين إضافة إلى تطعيم تلك اللجان بأخصائيين من الدول المتقدمة للاستفادة من خبراتهم التربوية أولا و من ثم العلمية ، لكي تليق و زارة التربية باسمها و تبتعد عن محاولات تلقين التلاميذ و حشوا أدمغتهم بمعلومات كثيرة معقدة تفوق طاقاتهم و تنفرهم من الدرس و الدوام ، و يجب أن يكون الهدف الأول للوزارة المذكورة بناء الإنسان روحيا و جسميا و من ثم فكريا و علميا ، ليتمتع الجيل الجديد بصحة نفسية ممتازة تؤهله للتفكير الإيجابي و الواقعي و العملي لبناء البلد و تطويره . ــ منع غير الأكاديميين من التدريس في كافة مراحل الدراسة و إيجاد فرص وظيفية و مهنية و دراسية للكادر الحالي ، مع زيادة مستوى معيشتهم لتشجيع الطلبة الأكفاء بالدخول إلى الكليات الخاصة بتخريج الأساتذة و الباحثين الاجتماعيين و المرشدين التربويين . ــ الاهتمام بدرس التاريخ الصحيح لشعوب المنطقة بعيدا عن الأكاذيب و التظليل على أن يبحث ماضي البشر عندنا عامة و ليس نفر من القادة و الزعماء فقط ، و على أن يشمل تاريخ ظهور الأديان و الصراعات بينها بعيدا عن القدسية الزائفة ولكن خدمة للحقيقة و لتصحيح مسار التاريخ العتيق لشرقنا الأوسط عامة ابتداء بآثار ميزوبوتاميا و انتهاء بالتقييم الصحيح لحركاتنا التحررية بما لها و عليها ، للاستفادة من دروس الماضي و تجنب تكرارالمجازر البشرية التي حدثت باسم الله زورا و بهتانا أو باسم عنصر واحد لكون أفراده من قوم الله المختار! و لهم وحدهم حق الحياة الكريمة و ما الآخرين سوى عبيد و خدم خلقهم ربهم للعبادة والاستعباد! و قبول فروض الطاعة و الذل و الخشوع للأسياد . ـ إن تربية المجتمع الذكوري لا يتم أولا و أخيرا إلا على يد المرأة الحرّة لذلك يجب على بناتنا النضال و الكفاح لنيل حرية جنسها و فرض احترامها على المجتمع المتفسخ ، عندها فقط يمكن لها إنجاب ذرية صالحة متنورة حرّة تبني الأوطان في سبيل حياة سعيدة للشعوب . هشيار بنافي برلين