الرئيسية » الآداب » الموسيقا هوية الشعوب !

الموسيقا هوية الشعوب !

منذ ظهور الانسان على الكرة الارضية امتلك جهازا صوتيا رائعا، وكان هذا الجهاز(الحنجرة)آلته الموسيقية الاولى في تلك المراحل المبكرة من مسيرة تطوره، لذلك كان الانسان يصدر اصواتا مختلفة تعبر عن جوانب متعددة من حياته اثناء راحته واطمئنانه واستقراره النفسي.كما في حالات خوفه وهياجه وتوتره تعبيرا عن احاسيسه الحقيقية.
إن هذه الاصوات هي الموسيقا المعبرة عن حالاته.فالصوت هو البناء الحقيقي للموسيقا، فلولا الاصوات لما كان هناك موسيقا.
لقد اكتشف الانسان القديم الاصوات المختلفة التي تصدر عن الطبيعة كالبرق واصوات امواج البحر واصوات الهواء والحيوانات…الخ.وبعدها تم اكتشاف اصوات الحنجرة من الة (الحنجرة) نفسها، فالصوت كما هو معلوم كانت لغة التواصل الاولى بين البشر انفسهم،لذلك نستطيع القول بان الصوت في تطور دائم تطرأ عليه تغييرات و انتقالات مرتفعة ومنخفضة أي تتطور مع تطور الانسان…لان الانسان كائن في تطور دائم يبدع و يخترع تناسبا مع المرحلة التي يعيش فيها.وخلال تباين الاصوات والعلاقة بينها وطريقة اصدارها ظهر الحرف ومن ثم الكلمة ومن ثم الجملة و في نهاية المطاف وكمحصلة للتعبيرعن كل ما يريده الانسان لإيصاله الى الاخرين والتواصل معهم اي ما نسميه (اللغة).
كما ان اكتشاف العلاقة التي تربط بين مسافات الاصوات الزمنية مكنت الانسان من اكتشاف اصوات اخرى بشكل تدريجي ما تسمى(تتراكورد)المؤلف من اربع أصوات موسيقية متوالية( متصلة) من طبقة الخفض الى طبقة الرفع بشكل تسلسلي يمكن تطبيق الكلمات عليها حسب المسافات بينها وبعد اكتشاف(تتراكوردين) ومن ثم الى 15 صوت، ان علاقة اللغة بالموسيقا هي عملية رياضية في تناسب طردي كلما تطورت الموسيقا كلما تطورت اللغة ولا فصل بينهما.
إن ظهور السلالم الموسيقية والقوالب الموزونة اي الايقاعية قد جعلت اللغة تلفظ بقالب موسيقي يتلقاها الانسان بارتياح جميل ومفرح وبفهم اكثر من خلال حاسة السمع لديه…لذلك الصوت يحتاج الى معالجة فنية كي يعبر بشكل افضل لجميع الاصوات اي(الكلمات) ووضعها في تركيب جمالي تؤدي بالنتيجة الى عمل فني رائع. من خلال هذا الجمع للأصوات المختلفة ، اضطر الانسان الى تركيب الكلمات وربطها بزمن معين يمكن تقسيمها الى وحدات صغيرة تناسب الزمن المطلوب. لان كل صوت له حركة زمنية معينة……..
إن الغناء الكردي هي لغة موسيقية وجميلة في تطور دائم كونها تنبع من بيئة خلابة وجميلة وطبيعةجبلية تمتاز بعليل جوها و ماؤها الصافي المعدني التي جعلت من الانسان الكردي مبدعا عظيما باغناءه المقامات و الايقاعات المختلفة ، و بالاخص الطبقات العالية للصوت لتصل ذروة الحس الحقيقي من فرح وحزن ونشاط …الخ. انها دمج حقيقي بين اللغة و الموسيقا.كما يذكر الشاعر احمد خاني رحمه الله في ديوانه(مم وزين)اسماء المئات من المقامات الكردية بمختلف ابعادها التي غناها الكرد.
كما أن الملاحم الكردية العاطفي Derwêşê Evdî-Zergayêواغاني(ملاحم الشرStranên Şera) النابعة من الواقع الكردي الحقيقي، حتى اصبحت غناءا شيقا يستمتع بها الكرد والشعوب الاخرى.
إن لغة الكرد و موسيقاهم اصبحتا تأريخا و توثيقا و مصدرا علميا لجميع العلوم، كما في ديوان (مم و زين)لأحمد خاني إذ نجد فيه كل المشاعر العاطفية من فرح وحزن الخ، بالاضافة الى صناعة واقتصاد وجغرافية وتاريخ كردستان وعلاقات اجتماعية ونظام سياسي حتى انه يذكر عدة المطبخ الكردي في تلك الحقبة.
وكانت اللغة الكردية في جميع مراحلها جاءت مع تطور الموسيقا، والتي تضم الايقاعات الموزونة والمقامات المختلفة كما في بعض الامثلة:توزيع اللغة(الكلمات)على اللحن الموزون تدوينا موسيقيا في اغنية(Canê)من فلكلور (Eynkafê) من مطقي أومريان في كردستان تركيا:
وزنها( 2/4 ) و مقامها بيات.يتم فيها تقطيع الكلمات حسب أزمنة اللحن والصوت.في كل حقل زمنان متساويان أو ما يعادلها أي تحويلها الى وحدات صغيرة كالنصف زمن وربع زمن.


مثال ثاني:المقياس الثلاثي( 3/4 )يضم كل مقياس ثلاثة ازمنة متساوية أو ما يعادلها من الوحدات الصغيرة فهي تعطينا ايقاعا جميلا ويتم تقطيع الكلمات حسب ما ورد في المقياس وهذا الايقاع قديم قدم التاريخ وتوجد المئات من الاغاني الفلكلورية الكردية على هذا المقياس.كما نجدها عند الاوربيين وتسمى عندهم (فالس)في الاغنية الكردية الشهيرة:(Deme)من فلكلور اكراد يريفان-ارمينيا.


ومثال ثالث:على وزن(6/8 ) في اغنية (Kurdo were kumê xwe) من تراث ماردين في كردستان تركيا، و التي تضم في كل مقياس 6 أزمنة من نوع الوحدات الصغيرة أي الكروش(نصف زمن).ويتم تقطيع الكلمات حسب ازمنة كل مقياس سواء أكانت زمن واحد أو نصف زمن…


مثال رابع:هناك الوزن (10/16)التي تضم 10 أزمنة صوتية من نوع الربع زمن أي تتم فيه توزيع الكلمات الى وحدات ربع زمن لتعطي إيقاعا جميلا و تشتهر منطقة-جزيرة بوطان- بهذا الايقاع التي تسمى إيقاع (كوجري أو نافرنجي)كما في اغنية( Ez Xelefim).

في النهاية، جدير بالذكر أن (الربط بين الكلمة والمقام الكردي في الموسيقا)هي مقام الكرد وابعاده هي:
(نصف بعد-بعد-بعد-بعد-نصف بعد-بعد-بعد)من اليمين الى اليسار.هذا المقام لم يكن موجودا من قبل عند الاتراك والعرب وفي هذا العصر الحديث بدأ الاتراك والعرب ولأول مرة قام الفنان محمد عبد الوهاب بتأليف مقطوعات موسيقية على مقام الكرد.
كما قام الفنان زياد رحباني بتأليف عدة اغاني لفيروز على مقام الكرد (نسم علينا الهوى).
وتفائلا بكل هذا اقول كأن اللغة الكردية وجدت خصيصا للموسيقا باعتراف الكثير من الفنانين العظماء. على سبيل المثال يقول الفنان المبدع زياد رحباني:”ياليتني كنت كرديا لان الموسيقا الكردية غنية باحاسيسها الجذابة وإيقاعاتها الكثيرة”.
إن اهم العوامل التي تؤدي إلى تكوين الامة من وجهة نظري هي (اللغة والموسيقا)، واذا تبدلت لغة او موسيقا شعب ما بتأثير لغات و موسيقا الشعوب الاخرى لا تبقى قيمة لتلك الامة وأرضها.
اللغة والموسيقا اذا، هما هوية الشعب وعلينا ان نحافظ على لغتنا الجميلة وجملنا الموسيقية الايقاعية الممتعة.

كاميران مصطفى ابراهيم
كلية الفنون الجميلة-قسم الموسيقا /هولير

29/1/2007