عائلة بله آمه ، بل قل ( عبه آمه ) من العوائل المضحية والمتفانية في سبيل الكوردايتي ـ ليس هناك أحد في كرميان لم يسمع بأسم الشهيد عبه آمه على الأطلاق ، فهو
البيشمركة الجسور الذي عرف بنكران الذات والأخلاص للحركة الكوردية سواء خلال عمله في الحزب الديمقراطي الكوردستاني أو كبيشمركة في بتاليون كفري ، فقد كان يوثق رجليه بالحبال ويجعل من صخرة صغيرة متراسا له ويقف ليصد كل من يهاجمه ، وكان هذا ديدنه في كل المعارك الى أن أصبح مع كوكبة من البيشمركة الأوائل لثورة أيلول أنشدوة في ثغر أجيال كرميان من أمثال عريف عبود وأحمد حاجي سمين وشيخ سمايل والعشرات الآخرين الذين زرعوا حبهم في كل القلوب المتدفقة لكردستان ، كان ل (عبه آمه ) ثالوثا مقدسا زواياه الله وكوردستان والبارزاني الخالد ولذلك نراه أفنى حياته من أجل الضلع الثالث من ثالوثه وهو البارزاني وكان العدو قبل الصديق على علم بتلك الحقيقة ولذلك فقد قتلوه بكل وحشية دون أن يشوه هو صورة الثالوث في كيانه والقصة تبدأ كما مدون في ريبورتاج للروائي الكوردي الكبير محمد مكري في جريدة برايتي الكوردية أبان النصف الأول من السبعينات محفوظة أعدادها بأمانة لدى الكثير من أبناء مدينة كفري تحت عنوان ( كفري مدينة عبه آمه مدينة مضحية ومهمله ) وهي أن الرجل بقى ثابتا كالعادة في موضعه مقاتلا في 1963 الى آخر رصاصة في بندقيته في معركة ( قاته كان ) وحينما عرف بأنه قاب قوسين أو أدنى من الأسر الحتمي حمل الصخرة التي كان يحتمي خلفها ليكسر بندقيته لئلا يستفيدالعدو منها وفي الميدان الذي وقع ثمانية عشر شهيدا من خيرة بيشمركة كرميان عامله قائد اللواء العسكري الذي هجم على المنطقة أسوء معاملة من شأنها أن تكون أنموذجا لمحاكمات الأعداء لابناء البيشمركة ، حيث ألتمت حول الأسد الهصور عبه آمه لمة من الضباط يشاهدون جسمه الهزيل وأيمانه الشامخ كقمم الجبال فسأله عن أسمه ثم أردف قائلا موجها كلامه له ( إذا شتمت الملا مصطفى سأعمل على أعفائك من القتل ) فأبى الأسد أن يخذل عقيدته وأبى بأصرار باصقا على وجه القائد مما حدى به أن يكون عقوبته في الميدان دون أخلائه فأمر بأن تسير عليه أحدى الدبابات حيا فتحركت الدبابة فعلا أمام لمة الضباط ليدوس قدميه الى الفخذ ليأمر القائد الجبان الدبابة بالوقوف ، عندها عاود سؤاله ل (عبه آمه ) أن يشتم القائد مصطفى بارزاني ونصفه لازال تحت الدبابة فأبى وبصق على وجه الضابط ثانية ليأمر الجبان أن تواصل الدبابة سيرها على الجثة لتستقر الجثة على الأرض وتحلق الروح عاليا الى الجنان والذكرى تبقى عالقة في الأذهان ولتتطرز الثورة الأيلولية المباركة بنقشة على حجر الذاكرة .
هكذا كانوا بيشمركة البارزاني الخالد فهم وحدهم علمونا أن الحياة لا تحلى الا بالتضحيات والشهادة لا تكتمل الا أذا كانت حالة نادرة من نكران الذات ، غير ما يأسينا أن لا نتذكر تلك البطولات بأهداء ولو بسمة الى ذويهم أحيانا .
خليل بله آمه سار على هدى عبه آمه وأصبح بيشمركة في ثورة أيلول أول ما شعر بأن كتفه يقدر أن يحمل بندقية وبعدئذ عوقب بشتى أنواع العقوبات هو وعائلته الكبيرة فتم تسفيرهم الى إيران بحجة التبعية الإيرانية وأستقر في مدينة كرمنشاه ليكون بيته ملاذا للبيشمركة طيلة سنين الثورة ، غير أن الأقدار شائت أن يبتلى بمرض يكاد أن يشل يديه ورجليه لولا أسعافه من قبل الدكتور كوران عبدالله صابر وأشراف الطبيب المعالح البروفيسور سرمد وقد زرته في مستشفى رزكاري دون أعرفه أو يعرفني فوجدته يبكي بحرقة شاعرا بان لا أهل له يزورنه من دون المرضى الآخرين .
فليس لي أزاء تلك القطرات الرقراقة من الدموع السائلة دون أن يمسحها أحد ألا أن أهتف مناديا قيادة البارتي أن يزور الرجل في الطابق السادس ، لعل بسمة من أحدهم لا أكثر تعيد الصحة الى الأطراف التي أهداها للوطن منذ الصغر ، فالوفاء يتحتم أن تزوروه فزوره أدام الله عزكم .
يوسف صلاح قره داغي
جامعة صلاح الدين