الرئيسية » مقالات » غباء القومجيون العرب، وضياع الفرص… كركوك، وأمور أخرى

غباء القومجيون العرب، وضياع الفرص… كركوك، وأمور أخرى

 ـ1ـ


لو أية ملّة أو شريحة أو قومية معينة في العالم نالت عُشر ما لاقاه الكورد على يد القومجيون العرب في العراق، من قتل وتشريد، وأنفالات، وووو….. إلى ممارسة سياسة الأرض المحروقة بكل معانيها بحقه، لما وجدناه ينطق اليوم حتى بكلمة عربي على لسانه، ومع كل تلك الجرائم الكبيرة بحق الشعب الكوردي، والتي تدخل ضمن جرائم الأبادة الجماعية المنظمة، ميّز الكورد دائماً بين الشعوب العربية كشعوب مغلوبة على أمرها، وبين حكامه المستبدين، والفضل يعود فيها إلى نخبة عراقية عربية جميلة، كالجواهري العظيم، والخالد في ضمائرنا وقلوبنا شهيد العراق هادي العلوي، وغيرهم . ( التعليق هذا مخصص للوضع العراقي فقط )
عاش الكورد على أرضهم التاريخية كوردستان منذ آلاف السنين، وكُتب التاريخ العراقي قبل غيرها من المدوّنات تشير لهذا بوضوح لا لبس فيه ولا جدل حول أصالة الكورد كشعب رافديني أصيل، ومناطق سكناه التي تمتد من سلسلة جبال حمرين مروراً بكركوك إلى أعالي ” ميزوبوتاميا ” بلاد ما بين النهرين .. أو ما يسمى أصطلاحاً العراق العجمي، أو بلاد الأكراد، حسب المؤرخين والجغرافيين العرب والمسلمين، فالمزايدة على الكورد وأصالته وحقيقة وجوده على هذه الارض، من قبل الكتاب القومجيون واختلاق الأكاذيب والبدع وتزوير وتحريف ما يتعلق بحقيقة كركوك الكوردستانية يعد ضرباً من ضروب الفانتازيا، وليس له تفسير غير أنهم تحوّلوا من كُتاب إلى عّرافين ومشعوذين، وأمتهان مهنة ” الخطابة ” التي تدور بين الأحياء والأزقة لإلتقاط رزقها، كما يفعل اليوم البعض ممن يدعون الأتراك لإجتياح اقليم كوردستان، وتقديم كركوك عروساً كاعب للغزاة، وكأن المنطقة ” سايبة بدون أهل ” فمثل هذه الحالات والدعوات أن كانت لها فائدة تذكر فهي بالتأكيد تصب في صالح الكورد وقضيتهم المركزية في أعادة الوضع الطبيعي لمنطقة كركوك المعربة قومجياً وبعثياً، وتؤكد على المطالب الكوردية في تطبيع الوضع وتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، كما تساعد أيضاً في تحفيز الكورد، وعدم الأطمئنان للشعارات البراقة التي ترفعها هذه المجموعة حول العراق الديمقراطي الجديد والعيش معاً تحت سقف واحد، وأعتقد بأن تطبيق المثل الشعبي العراقي ” جذب المصفط أحسن من الصدكك المخربط ” لا يفيد مع هذه الحالة لأنها أسقطت عنهم آخر ورقة من أوراق التوت التي تستر عوراتهم الشوفينية.
أن مثل هذه العقليات التي لا ترى ولا تسمع إلا ما يدغدغ مشاعرها وخدرها اللذيذ بالسيطرة على مقدرات الشعوب الأخرى لتسييرها وتسخيرها وفق ما تمليه عليهم النزعات القومية الضيقة وأمراض الجشع وحب السيطرة والتعالي، والتوسع على حساب الآخرين وألغاء وجودهم على طريقة الكيمياوي علي حسن المجيد، والمقبور مصطفى كمال الطوراني الذي ينادي العروبيون اليوم بأمجاده طالبين من ورثة حكمه المقيت دخول العراق وضرب الكورد وتسليم كركوك لهم، مثل هذا الكلام غير المسؤول والبعيد حقاً عن الوطنية الزائفة التي يدعونها لا يؤطر إلا في خانة أذكاء النعرات القومية والتشجيع على الحرب الأهلية وعدم الأستقرار في المنطقة .

ـ2ـ


بالعودة لعنوان الموضوع والغاية من كتابة هذا التعليق هو أن الكورد عانوا الكثير من ظلم وجور الحكومات العربية العراقية المتعاقبة ما يجعل ألتئام الجرح يأخذ مداه من الزمن، وهذه حالة إنسانية طبيعية ، سلبية كانت أم إيجابية، فشعوب كل هذا الكوكب تشترك في بعض الخصائص، الحب، والكراهية، وعدم نسيان الظلم بسهولة، والوفاء للشهداء والضحايا… لا توجد عائلة واحدة في طول كوردستان وعرضها لم تصاب بإذى مباشر، إن لم يكن من صدام فمن سلفه أو سلف سلفه، وهكذا منذ يوم إلحاق جنوب كوردستان بالعراق المشكل حديثاً عام 1921 على يد الإنكليز ليوم سقوط صدام … أنها ثمانية عقود من حرب الأبادة الجماعية ضد الكورد لأذلاه والسيطرة عليه وأمتصاص الخيرات والثروات الدفينة في أرضه، وما مورس بحق الكورد تنطبق عليه كافة أساليب الأستعمار التقليدي، وخاصة السيطرة على مدينة كركوك النفطية وممارسة سياسة التطهير العرقي ” التعريب على غرار التهويد في الأراضي الفلسطينية ” فيها بحق الحلقة الأقوى من سكانها الأصليين الكورد أولاً ولاحقاً التركمان والكلدو آشوريين … أقول بأن ثمانية عقود من شن حرب الإبادة الجماعية لا ينسى بين ليلة وضحاها، وعراق ما بعد الحرب العالمية الأولى لم يكن وطن للكورد أبداً، بل مجزرة كبيرة غّذت مقاصلها الرهيبة بالدم الكوردي…. ومع كل هذا تعامل الكورد مع الواقع السياسي المفروض عليه عنوة بعقلانية وتبصر، حاربوا تلك الأنظمة دفاعاً عن النفس من جهة، وفاوضوهم من جهة أخرى على الحكم الذاتي، ومدوا أيديهم لاحقاً لاخوانهم العراقيين العرب الشرفاء، بل حتى إلى الذين لا تزال الدماء الكوردية تصبغ محياهم وأصابعهم، لبناء عراق جديد يقوم على أحترام وصيانة حقوق الآخر، وأرجاع لكل ذي حق حقه، فبدلاً من الاعتراف بالخطايا التي مورست على أيادي ابناء جلدتهم من الحكام القومجيون، وأظهار نوع من المودة لإخوانهم في الدين والإنسانية من الكورد، بادر شلة من الكتاب القومجيون بحملة ظالمة على الشعب الكوردي من خلال الهجوم على القيادات والأحزاب الكوردستانية وتشويه صورتها ومحاولة تأليب الرأي العام الشعبي العراقي ضدها، وتزوير التاريخ والتمسك بأخطاء وممارسات الماضي غيرالمشرف للحكومات العراقية، والتشبث بالكذب والتحريف حول مدينة كركوك وغيرها من المناطق الكوردستانية المعربة من سنجار، والشيخان ، وزمار، مروراً بديبكه ، ومخمور وكركوك، مندلي ، خانقين، وتوابع هذه المدن والقصبات من نواحي وأرياف … حتى قبل سقوط نظام صدام الذي نال جزاءه على يد العرقيين … والتي أدت هذه الكتابات المغرضة إلى نفور عام لدى الشعب الكوردي وولدت لديه شعور قوي بأن عهد الظلم والأضطهاد لم ينتهي مع حقبة صدام، بل هناك المزيد والمزيد من على شاكلة صدام وعلي الكيمياوي وزبانيتهم، أراد هؤلاء الكتاب من وراء حملتهم تلك ترهيب الشعب الكوردي وتضييق الخناق عليه لإيصاله إلى حالة من اليأس والخنوع وعدم المطالبة بحقوقه التاريخية المهضومة من خلال تذكيره على الدوام بالإنتقام والثأر في المستقبل ” وقد قرأنا مئات المقالات من هذا النوع وهي ليست من بنات أفكارنا، وأرشيف غالبية المواقع العراقية خير دليل على ذلك ” ما جعل الكوردي أن يصر ويتمسك أكثر وأكثر بحقوقه المسلوبة، وما زاد أيضاً من شعور المواطن الكوردي البسيط في عدم الركون للوعود والطبطبة على الظهور، هو عدم النضوج السياسي لعدد من الوزراء والمسؤولين والسياسيين الجدد في العراق الجديد !!!، في محاولة منهم السير على خطى الأسلاف الطغاة فيما يتعلق بكركوك وأخواتها، وكانت أخرها زيارة السيد إبراهيم الجعفري إلى تركيا من وراء ظهور الساسة الكورد الذين يعتبرون حسب الدستور الجديد شركاء حقيقيين في الوطن !!! .

ـ3ـ


ما حدث خلال الأسابيع القليلة الفائتة، وما سمعناه من تصريحات نارية وتهديدات أردوغانية، كانت فرصة جيدة للذين يدعون الوطنية العراقية، والولاء للعراق الواحد الأحد، ولو من باب الدبلوماسية !!، لو تحلوا بالقليل من النضج والوعي السياسي، لكسب الكورد وأشعارهم بعراقيتهم، والخيمة العراقية، وأن الشعب العربي العراقي هو الظهير والسند والأخ لأخيه الكوردي، وأن العراق هو الملاذ الآمن الأول والأخير للكوردي بدلاً من التشبث ” بكوردستان طوباوية على حد قولهم !!! ”
المنطق السليم يقول بأنه كان على القومجيون أن يبادروا بإدانة التصريحات التركية، ودفاعهم عن الكورد من منطلق الشعور بالمسؤولية و” كأخ أكبر ” ضد التهديدات التركية، ومشاطرة رأيي بعض الكتاب الكورد الذين قالوا ” بأن مسألة كركوك شأن عراقي داخلي ” وطالبوا بتدخل الحكومة والبرلمان العراقي، على الأقل لتقوية حجج ومواقف الكتاب الكورد المعتدلين ضد القوميون الكورد … فبدلاً من أخذ زمام المبادرة من قبل الذين يصرخون ليل نهار ” الأمة العراقية ” متغنين بأمجاد حضاراتها الأولى، وأجداده الأوائل بعيدين عن هذه الحضارة بآلاف الأميال، أخطأوا الحساب للمرة الألف، وكأن الجيوش التركية وصلت مداخل كركوك لتقضي على الكورد الخونة الطامعين بأملاك وأراضي الغير !!… وذهبوا بعيداً في الشماتة يُعيرون الكورد ومطالبتهم بتدخل الحكومة العراقية، وشهروا سيوفهم متربصين بأنتظار ولائم الدم الكوردي المباح .. فإن كان الحوار لا يجدي نفعاً مع هذا الرهط القومجي البغيض الذي هو أحد الأسباب المباشرة بتشرذم العراقيين والدوران في حلقات مفرغة، تباطأت الحكومة العراقية أيضاً بإدانة التصريحات التركية وتدخلها في شأن من المفروض أن يكون عراقي حسب الدستور والقوانيين الدولية … فرسخت هذه الأفعال الصبيانية والكتابات غير المسؤولة شعورالكورد بأنهم مستهدفين أكثر من ذي قبل وأن الجميع بأنتظار اللحظة الحاسمة لمجئ الأتراك بجحافلهم البربرية للقضاء عليهم . .. آه كم هي مخيبة للآمال مثل هذه المواقف المخزية من قبل القومجيون العرب التي لا تدل على أدنى موقف وطني حتى لو كان زائفاً، بل تؤكد يوماً بعد آخر على خطل أفكارهم، وأرواحهم الشريرة، وقلوبهم المليئة بالحقد والكراهية .. فعن أي عراق ديمقراطي وأي أمة عراقية يتحدثون !!؟

ـ4ـ


أرى بعد هذا الأختبار البسيط الذي مر به القومجيون، وغيرهم ممن يرقصون ليل نهار على أنغام، بأن الامريكان سيرحلون عاجلاً أم آجلاً، ويوم الحساب أتٍ أيها الكورد .. أضاعوا فرصة لربما كانت ستساهم في التأسيس لحالة عراقية جديدة يشعر من خلالها الإنسان العراقي على مختلف قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم، بأن لا أمن ولا أمان للعراقي إلا بتكاتفهم والدفاع عن بعضهم البعض ضد الأطماع الخارجية .
لكن وللأسف لا أجد ما يدعو للتفاؤل، لا سيما أن يصل المرء لدرجة من الحقد والكراهية أن يدعو دولة عنصرية بغيضة كتركيا لاجتياح بلده، لا لشئ ، فقط ليشفي غليله، ويطفئ نار حقده وكراهيته لشعب لم يؤذيه يوماً، وكل مناه أن يعيش بكرامة على أرضه التاريخية وأعادة مدينته المعربة كركوك الكوردستانية.


ـ5ـ


الشئ الذي لم يفهمه هذا الرهط لليوم، هو أن صدام بجبروته وبتحالفاته وخاصة مع تركيا لم يستطع هزيمة هذا الشعب المسكين يوماً وأرضاخه للتنازل عن كركوك، لا … لأن الكورد ” أبطال خرافيين ” بل لأن الحق معه ومن يدافع عن حقوقه لا يهزم بسهولة، لأنه يقف على أرض صلبة ومتينة، وأيمانهم بعدالة قضيتهم وبكوردستانية كركوك وعودتها إلى أخضان الأقليم لا يتزعزع قيد أنملة، وهو فقط مسألة زمن لا غير ..
ألهي … ألا يخجل هذا الرهط من نفسه وأمام ضميره في الدفاع عن سياسة التعريب، التي لا تفسر إلا بسياسة أستعمارية .