ثلاثـة حكومات واحـدة معينـة واثنتين منتخبتين ’ جميعهـا غنيـة بالخطط الأمنيـة الفاشلة والوعود الضاحكـة على ذقـون ومآساة الأبرياء .
المؤسسات الحكوميـة ورموزها بلغت ارقاماً قياسيـة فـي تدهور الأوضاع وفقدان الأمن والأستقرار’ لكنها بلغت مستويات خياليـة مرموقـة على اصعـدة الفساد والأختلاس والفرهود وتوزيـع الأسلاب بين العائلة والحاشيــــــــة ومتسلقـي الموجات ’ فتلك الأزمـة قـد اوصلت المواطن العراقي الى حالـة من الأنهاك والأحباط حـد التنازل عـــن كل الأشياء بمـا فيهـا قوتـه وظروريات حياته مقابل حـداً ادنـى مـن الأمـن والأستقرار.
ممـن يتكـون الطاقـم الحكومـي الراهـن … ؟
انـه حصيلـة النهج المحاصصاتي الغير مسبوق محلياً واقليمياً وعالميـاً ’ فيـه تلتقي الأفرازات الطائفيـة وليس الطوائف … والمذهبيـة وليس المذاهب … والعنصريـة وليس القوميـات ’ انـه تجمع ممثلي القوائم الأكبـر والأكثر احتكاراً للمناطق المغلقـة طائفياً وقومياً ومذهبياً مـن العراق … انـه بصورة ادق ’ تجمعاً للقروش الشرهة التي لا مجال للأسماك الصغيرة الحراك والتعايش معهـا داخـل محمياتها ومناطق نفوذهــا .
صـراع قـوى التحاصص والتوافــق :
داخل ثكنــة المنطقـة الخضراء ’ تستطيع هياكـل تلك القروش والنسور والضواري ان تتصارع وتتقاتل ثم تتصالح وتتقاسم ’ ويمكنهـا ايضاً ان تواصـل دورة التضليل وسحب الملايين من الجماهير الى دائرة الأحقاد والفتنـة الملتهبة عـن طريـق تجييش المذاهب والأحزاب وتكوين وتسليح واطلاق المليشيات وفرق الموت والحمايات وحرس الرموز والعوائل والأقارب داخل مناطق النفوذ وخارجهـا .
مـمــن تتـكـون المليشـــيات … ؟
المليشيات التي اغتصبت الشارع العراقي عنفاً وعبثاً واستهتاراً لا يمكن لهـا ان تتشكل من مواطنين عاديين سويين لأن اغلب مهماتها غيـر انسانيـة اطلاقاً’ لهـذا يجب ان تستقطب فـي صفوفهـا القساة واصحاب السوابق والمطاردين قانونياً والمنبوذين اجتماعياً ’ وليس من صالحهـا استتباب الأمن والأستقرار وسيادة القانون والتعايش مع المجتمــع بعكسـه ان ذلك يهدد مصيرهـا بأسواء الأحتمالات ’ فأصبحت ملتقى اجهزة امـن واستخبارات النظام البعثي السابق وفدائيي صدام وجيش قدسـه ’ واكثـر من ( 160 ) الفاً من المجرمين واصحاب السوابق الذين اطلق صدام الرذيلة صراحهم على عمـوم العراق .
الحالـة الراهنــة ( المأزق ) ..
نستطيع القول تحديداً ــ المأزق الراهن ــ وهو في الأساس صناعـة خارجيـة بالرغم من ان ادواتـه ومواده الأوليـة محليـة المنشأ ’ وللأحتلال مصلحـة بأنفلات تلك الفوضى المتشعبـة ’ نجهل دوافعها وابعادها ومخاطرها’ ونبقـى فقط نستعين بتجاربنا المريرة مع التدخلات والأطماع الأمريكيـة التي امتدت لأكثر من خمسة عقود كارثية اضافة للدروس الداميـة التي صبغت الواقع الراهـن ’ الى جانب ذلك فقـد دخل على خط المآساة العراقية اكثـر مـن طرف محلي واقليمي ’ عروبي واسلامي تمارس انشطتها التخريبية وصراعاتها وتصادم اطماعهـا دماراً على الجســــد العراقــي المنهـك .
مصيـر العـراق بيـن احتماليــن :
مـن وجهـة نظري فقط ’ انـه لا يمكـن التعويل اطلاقاً على حكومـة تشكلت خطـاءً على اساس التحاصص والتوافق واصبحت معاقـة وطنيـاً ’ غير مستعدة ولا ترغب ومن غير المسموح لهـا ان تخلع الــثوب المعيب لمهـازل وانحرافات السنوات الأربعـة الماضيـة ’ في هذه الحالـة يبقى مصير العراق مرهوناً بين احتمالين ( مخرجين ) .
1 ـــ احتمال المخرج الأمريكي : خاصـة بعد ان تصل القناعـة الأمريكيـة الى ان انهاك العراق قد حقق اهدافـه وهيـاء ظروف الصيغـة التي ستفرضهـا على العراق وطناً وشعباً ’ تماماً مثلما دفعت صدام ونظامه بأتجاه انضاج ظروف واجواء الأحتلال الى الحد الذي اصبح فيـه المواطن العراقي المحبط واليائس يتوسله وينتظره ويتعامل معـه علـى انــه تحـريـر .
2 ــ واما ان يصـل الأمر( حجم الجريمة وحريق الفتنة والموت اليومي ) الى مستوى ليس بمقدور المواطن العراقي تحمل عبئـه وتجاوزه ’ ويضطر فيـه على اعادة تقييم الواقع وتدارك الكارثة ومنع انهيار العراق وسقوطـه ضحية الأستباحـة والتقسيم والضياع ’ وتنتعش داخلـه ردود الأفعال والرفض والتمرد على مجمل الحالـة ــ حكومــــــــة واحتلالاً ـــ ’ وهذا الأحتمال يبقى وارداً مع انـه لا زال محكوماً بضروفـه الذاتيـة والموضوعيـة’ وغير واضــح الصورة ومشلول الأرادة والمبادرة ’ لكنـه وفي جميع الحالات يتشكل عبر قسوة الدمار واخطار الكارثـة ’ انهـا حالـة اجباريـة لتمزيق الواقـع الراهن ’ امـا كيف ستكون طريقـة ونتيجـة اعادة خياطته ’ فمتروكـة لحالـة الوعي الوطني التي سترافق الأعصار .
الخطــة الأمريكيــة الجـديدة :
الخطـة الأمريكية لا جديد فيها على الأطلاق ’ انها امتداد ومحطـة فـي مشروع قديـم ’ فالخطـة تعطي حكومـة المالكي الفرصة الآخيرة مع انهـا تجردها عملياً من ايـة فرصـة محتملة ’ بنفس الوقت تغازل اكثر من طرف
( بديل ) متحفزاً للأنقضاض على السلطة وسرقتهـا .
الحكومـة العراقيـة من جانبها تتهـم قوات الأحتلال على انها جردتها من كل امكانية يمكن بواسطتها معالجـــة الأوضاع واستعادة الأمن والأستقرار ’ الى الحد الذي لا يستطيع فيـه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحـة استدعاء او تحريك فصيلاً واحـداً مــن الجيش العراقي ( على حـد قول المالكي ) .
كلا الجانبين يحققا مكسباً مشتركاً منسجمين حولــه ’ هو شق الصف الوطني وبعثرته طائفياً وقومياً وفئويــــاً وارباكـه حول سؤال :
مـن المؤول عن الحالـة المآساويـة الراهنـة … الأحتلال ام الحكومـة المنتخبـة ام كلاهمـا … ؟
وهنا لعب ويلعب مثقفـي واعلاميي ومضللي الجانبين ادواراً خطيرة فـي تمزيق وتهميش وتضليل دور الجماهير الواسعة بعيداً عن قضاياهم ومصائرهم وحرف ارادتهم وتدمير مبادرتهم وحرق اهدافهم وردود افعالهـم ورفضهم ووحـدة قرارهم فـي حريق الكراهيـة والأحقاد والفتنـة البغيضـة .
المواجهة صعبـة ’ لكنها غير مستحيلـة … المخلصون من بنات وابناء العراق ’ مفكروين وسياسيون واعلاميون وكتاب وناشطون فـي صفوف منظمات المجتوع المدني وغيرهم من رواد الفكر والمعرفـة ’ انهم في حالة مواجهـة غيـر متكافئة فـي اغلب جوانبهـا ’ وقاسيـة لهـا ثمنها غير العادي ’ لكنهم مع ذلك يتحـدون ويواجهون ويواكحون التيار بأصابع مقطوعــة مادياً ومعنوياً ’ ورغم الوهـن والهزائم والخسائر ’ ماسكون بعروة الفداء للوطن والأنسان وعـدم السماح بقدر الأمكان للعبـة المشاريع ونوايا الأخرين وصراعات المخترقين وحرائق الفتنـة الغبية ان تبلغ نهايـة اهدافهـا الكارثيـة وتجعل مـن العراق رمـاداً .
خطط الأمن بشكل عام تولد مأزومـة معوقـة بخلفياتها مشبوهـة بنواياها غيـر جديـة تدور في حلقـة افرغـت مسبقاً ومـن الخطاء تعمـد قتـل الوقـت وتدمير الطاقات وذبح المبادرات انتظاراً لنتائجاً محسومــة مسبقاً ’ ومــن العبث كمـا يقول المثل الشعبي ( نخـوط بصـف الأستكان )ا ونضـع السروج على غير اماكنهـــا .
20 / 01 2007