الرئيسية » مقالات » هل من بديل عن التعاون والتحالف بين القوى الديمقراطية في العراق؟

هل من بديل عن التعاون والتحالف بين القوى الديمقراطية في العراق؟

يواجه العراق منذ سقوط النظام مشكلات متنوعة وكبيرة أثرت وتؤثر بشكل صارخ على الواقع الراهن وعلى اتجاهات تطور العراق الجديد, عراق ما بعد النظام الدكتاتوري. ومن بين أبرز تلك المشكلات وأكثرها تأثيراً في الأوضاع الجارية تبدو لي, وربما للكثير من القوى الديمقراطية العراقية, سواء أكانت عربية أم كردية أم من قوميات أخرى, في تشتت والقوى الديمقراطية العربية وبروز مجموعة كبيرة من التشكيلات الضعيفة العاجزة عن مواجهة الواقع الراهن وهزيلة القاعدة الشعبية وغير متقاربة في الأهداف والمهمات والشعارات من جهة, وغياب التعاون والتحالف السياسي بين القوى الديمقراطية العربية والكردية ومن قوميات أخرى من جهة ثانية, ونشوء تحالفات سياسية ذات مصالح محددة, ولكنها ليست ذات أساس مادي متين وثابت من جهة ثالثة, والدور الكبير للمليشيات الطائفية المسلحة والمهيمنة على الحياة السياسية في بغداد على نحو خاص والقادرة على ضرب أي شخص أو مجموعة من الناس متى تشاء وتأجيج الصراع والنزاع الطائفي, إضافة إلى دور كل القوى الإرهابية بمختلف هوياتها المناهضة للحياة الديمقراطية في العراق من جهة رابعة.
وإذا كان الديمقراطيون العرب في العراق بمختلف أطيافهم الفكرية والسياسية يؤاخذون الكرد على ابتعادهم عن مساندتهم وإيجاد الأرضية المناسبة للتحالف معهم, فأن الكرد يؤاخذون العرب على تشتتهم وضعفهم وعدم استعدادهم للاتفاق على مهمات مشتركة ناضل الكرد طويلاً في سبيل تحقيقها لتباين شديد في وجهات نظرهم إزاء بعض المهمات. والحصيلة هي أن التحالفات القائمة حالياً هي التي تمارس السلطة الفعلية, ولكن هذه التحالفات يمكن أن تتعرض لنكسات حادة بالنسبة إلى أكثر القضايا التي تمس الشعب الكردي بالصميم في أي وقت كان بفعل ظروف داخلية وإقليمية ودولية.
إن المسألة التي تواجهنا لا تحل, دون أدنى شك بالعتاب وتوجيه الاتهامات بين بعضنا الآخر, بل تستوجب التفكير العملي والواقعي في سبل مواجهة ثلاث إشكاليات يمكن صياغتها في ثلاث أسئلة, ثم السعي لإيجاد حلول لها, وهي:
1. هل, وكيف, يمكن توحيد جهود القوى الديمقراطية واللبرالية العراقية وتوحيد شعاراتها للمرحلة الراهنة وتشكيل تحالف حقيقي في ما بينها واختيار مكتب تنفيذي لها على غرار ما حصل في قائمة التحالف الكردستانية؟
2. هل, وكيف, يمكن الاتفاق مع قائمة التحالف الكردستانية على المهمات التي تواجه الحكم المركزي في العراق من جهة, وتلك القضايا التي تمس الشعب الكردي في إطار الدولة الاتحادية العراقية من جهة أخرى, والتي يبدو عليها بعض الخلاف الذي يمنع حصول مثل هذا الاتفاق والتحالف؟
3. هل, وكيف, يمكن قيام تحالف واسع بين كل القوى الديمقراطية العربية والكردية والتركمانية والكلد آشورية في العراق دون أن يخل هذا التحالف بالضرورة ببعض تلك التحالفات القائمة حالياً والتي يستفيد منها التحالف الكردستاني حالياً ما دام ميزان القوى الاجتماعية والسياسية في العراق يستوجب بالنسبة للكرد استمرار تلك التحالفات؟
لا شك في أني أشارك القوى الديمقراطية العربية رأيها في أن قائمة التحالف الكُردستانية لم تساهم حتى الآن في تقديم الدعم المباشر للقوى الديمقراطية العربية أو مساندتها حتى في توحيد قواها المبعثرة. ومثل هذا الرأي والنقد الصريح قدم في أكثر من لقاء خاص أو مناسبة وفي أكثر من مقال ورسالة وجهت إلى الأخوة الكُرد المسؤولين في قائمة التحالف الكُردستاني. ولا شك في أن الأخوة الكُرد أبدو أكثر من مرة رغبتهم في تجاوز هذه الحالة وتقديم الدعم والمساندة. ولكن السؤال هو كيف يفترض أن يتم ذلك؟ علينا أن نعترف مسبقاً بأن التحالفات السياسية القائمة حالياً وخاصة بين قائمة التحالف الكُردستانية وقائمة الائتلاف العراقية قد حققت مكاسب مهمة للشعب الكردي, ما كان في مقدور القوى الديمقراطية بوضعها الراهن واختلافاتها وتشتتها أن تقدمه لها, رغم قناعتي الشخصية بأن هذا التحالف ذو طبيعة تكتيكية أكثر من كونه إستراتيجي. وأن نقاط صراع نشبت بين القوى الكُردستانية وبعض القوى العربية التي تدخل ضمن القوى الديمقراطية واللبرالية حول العديد من النقاط المهمة بالنسبة للشعب الكُردي أو لقائمة التحالف الكُردستانية, في حين حصل الكُرد على تأييد قائمة الائتلاف العراقية بشأنها لأن الأخيرة لها مصلحة في ذلك على الأقل مرحلياً, رغم أن هذا التحالف لا يمتلك مقومات استمراره طويلاً. وفي مقابل هذا توترت الأوضاع الداخلية في القسم العربي من العراق وتفاقم الصراع الطائفي السياسي وتعمق وشمل أوساطاً جديدة ما كانت تشعر بطائفيتها بأي حال. وهي إشكالية قديمة جديدة ليست في مصلحة العراق عموماً ولا في مصلحة العرب ولا في مصلحة الكُرد أيضاً.
إن رؤية هذه الأمور بموضوعية تساعد على مواجهة المشكلات بروح سمحة وواقعية من جهة, وساعية إلى التغيير والوصول نحو تحالفات أفضل وأكثر ثباتاً من جهة أخرى ولصالح الديمقراطية والحياة الدستورية والمدنية في العراق.
لا تحل المعضلات الراهنة إلا عبر حوارات ونقاشات مكثفة ومسؤولة ومدركة ليس للمخاطر الراهنة التي تواجه البلاد حسب, بل وتلك المخاطر المحتملة في المستقبل في ضوء بنية الإقليم ذاته والتشابكات الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية بين قواه المختلفة أولاً وفي ضوء الفهم المتبادل للأهداف التي يطرحها كل طرف ويسعى للوصول إليها من جهة ثانية, والاستعداد النسبي للمساومة, كما هو حال كل التحالفات الجيدة والتي يكتب لها الحياة الطويلة في العالم, من جهة ثالثة.
وفي ضوء هذا الواقع أقدم مقترحين أساسيين, وهما:
1. أن تبادر القوى الديمقراطية العربية بالدعوة إلى عقد لقاء فكري وسياسي عملي بين ممثلي فصائلها وقواها وأحزابها لمناقشة ثلاث مسائل جوهرية, وهي:
• مناقشة الوضع السياسي الراهن ومخاطره وآفاقه والخروج باستنتاجات حوله.
• مناقشة إمكانيات دمج بعضها أو توحيد بعضها أو التعاون والتحالف في ما بينها وشكل هذا التعاون والتحالف.
• مناقشة سبل التعاون والتحالف الذي يمكن الوصول إليه في ظل الأوضاع الراهنة مع قائمة التحالف الكُردستانية ومع قوى ديمقراطية من قوميات أخرى أيضاً.
ولا يشترط أن يعقد هذا اللقاء في بغداد أو في أربيل أو السليمانية, بل يمكن أن يعقد في الخارج لتجنب الكثير من الإشكاليات الراهنة.
2. الاتفاق مع قائمة التحالف الكُردستانية على عقد لقاء فكري وسياسي عملي يدرس إمكانيات تنشيط العمل المشترك والتفاعل المتبادل والتعاون والتحالف في ما بين المجموعتين العربية والكُردية ومع القوى الديمقراطية من قوميات أخرى, مع السعي للاتفاق على الشعارات المشتركة للأطراف المشاركة.
ليس هناك من بديل حقاً لحماية العراق من الإرهاب والطائفية السياسية والدكتاتورية المسلحة لقوى غير مسؤولة وتوفير ضمانات تطوره الديمقراطي على المدى القريب والبعيد عن التعاون والتحالف الوثيق بين كل القوى الديمقراطية واللبرالية العراقية, إذ أنها الضمانة الفعلية لمصالح الشعبين العربي والكردي والقوميات الأخرى في العراق. ومن هذا المنطلق نأمل أن تدرس هذه المقترحات من الأخوات والأخوة العاملين في الحقل السياسي في العراق وفي إقليم كردستان العراق بهدف الوصول إلى نتائج إيجابية لصالح مواجهة الإرهاب الدموي والقتل العشوائي أو الطائفي السياسي ومن أجل مستقبل أفضل للجميع.
إن مثل هذا التحالف لا يلغي ولوج القوى الإسلامية السياسية الديمقراطية التي بدأت ترى بوضوح مخاطر الطائفية والمسلحين, إضافة إلى قوى الإرهاب الأخرى المعروفة لنا جميعاً.
كانون الثاني/يناير 2006 كاظم حبيب

جريدة الاتحاد العراقية