خلال اللحظات الاخيرة من حياته، صاح أحد منفذي حكم الاعدام بصدام:” إذهب الى الجحيم يا صدام”. وقد ردّ عليه المحكوم بجفاف:” تعني عراق اليوم”. ولكن صدام هو الذي حوّل العراق الى جحيم طوال (35) عاماً من حكمه في السلطة. فقد قتل نحو نصف مليون عراقي وجرّ بلده الى حربين مدمرتين مع الجارتين إيران والكويت.
ولكن لم يتم تنفيذ الحكم بصدام عن اي من هذه الجرائم, وإنما شنق بعد أن أصدر الاوامر بقتل (148) من الشيعة في قرية الدجيل رداً على محاولة لإغتياله في تموز عام 1982.
إن إعدام صدام يعني انه لن يحاسب على جرائمه الاخرى التي تتضمن: تدمير الاهوار وقتل عرب الاهوار خلال تسعينيات القرن الماضي, وقتل عشرات الالاف من الشيعة عقب إنتفاضة عام 1991، وقتل (8000) من البارزانيين عام 1983، وغزو الكويت عام 1990، وقتل عشرات الالاف من الاشخاص خلال عمليات تصفية دامت طوال سني حكمه في السلطة.
من الواضح انه لم يكن من العملي محاكمة صدام حسين على كل جريمة إرتكبها. ولكن التعجيل بإعدامه قاطع فعلاً محاكمة الانفال المستمرة التي تتصل بإتهامات تتعلق بإقتراف عمليات إبادة جماعية ترتبط بحملة الانفال التي شنها ضد القومية الكوردية في العراق عامي 1987 و1988. وكان من المقرر ان تستأنف تلك المحاكمة في 8/ كانون الثاني وان تنتهي في غضون أشهر.
إن الابادة الجماعية بحق الكورد لهي أشد جرائم صدام فظاعة وأكثرها توثيقاً. وقد تعرفت أولاً على حجم تلك الجريمة في أيلول عام 1987, حينما سمح لي لكوني موظفاً في لجنة العلاقات الخارجية التابعة للكونكرس ان أزور كوردستان. وعندما عبرت ومعي هاي وود رانكين من السفارة الاميركية في بغداد المناطق العربية الى الكوردية, فوجئنا بأن مناطق كانت موجودة على خريطتنا لم تعد موجودة. وبعدها، وصلنا الى بلدات مهجورة كانت الجرافات مركونة الى جانب منازل دمرت في جزء منها, وأدركنا حينها ما كان يحصل. وبحلول عام 1990، كان صدام دمّر (4500) قرية من أصل (5000) قرية كوردية . وقد إستخدم أيضاً الاسلحة الكيمياوية في أكثر من (200) قرية وبلدة. وفي أيلول من عام 1988، قدت بعثة مع كريس فان هولن (عضو مجلس النواب عن ميريلاند) حالياً لتوثيق سلسلة من عمليات القصف التي طالت (48) قرية عقب إنتهاء الحرب الايرانية- العراقية. وقد أدت تلك العمليات الى نزوح (65) الفاً من المواطنين الكورد الى تركيا، وقد أعطى الاشخاص القلائل الذين قمت بإجراء مقابلات معهم، روايات مقنعة تماماً وموّثقة بالصور.
إن آثار القرى المدمرة التي تزامنت مع روايات الشهود لهي قضية مقنعة بكل المقاييس. وقد وثّق أتباع صدام عمليات الاعدام وجلسات التعذيب كتابة وصورة. وقد إستولى الكورد على هذه السجلات خلال إنتفاضة عام 1991 التي أعقبت حرب الخليج الاولى. وبعد مضي عدة أشهر، إعطاني جلال طالباني, الرئيس العراقي الحالي، (14) طناً من الوثائق التي وجدت طريقها الى السجلات الوطنية الاميركية. وقد إستخدمت لجنة مراقبة حقوق الانسان المدعومة من الكونكرس هذه الوثائق لإظهار ان صدام إقترف عمليات إبادة جماعية، وبالتالي ساعدت في وضع الاساس للقضية التي رفعت بحقه.
وقد كان من شأن محاكمة الانفال ان تسلط الضوء على فترة من فترات لاأخلاقية الدبلوماسية الغربية حيث آثرت القوى الرئيسة، وبضمنها الولايات المتحدة، تجاهل عمليات الابادة الجماعية لدواعي إستراتيجية وإقتصادية.
إن إطالة أمد حياة صدام لعدة أشهر لمن تكن لتغيّر الكثير من مصيره نهاية المطاف. ولكن الاطالة لكانت ستغيّر الكثير بوجود سجل لا يدحض من ان صدام كان مسؤولاً عن عمليات الابادة الجماعية بحق الكورد.
لقد نال صدام العدالة التي كان يستحقها. ولكن تعجيل الحكومة العراقية بإعدامه حرّم الكثيرين من ضحاياه من رؤيته وهو يعاقب على جرائمه الكثيرة.
الصوت الاخر