قبل حوالي (45) سنة من الآن لم يكن احد ليفكر بأن تلك البقعة المعزولة والمغمورة من منطقة (دربنديخان) ستصبح مدينة كردستانية مشهورة- بصورة متسارعة- وتتمتع بأية اهمية اثنوكرافية واستراتيجية كبيرة.. الى ان اتت مجموعة من الشركات الامريكية ((Harzag Companies وعدة الشركات اخرى صغيرة لتقوم بانشاء سدة على المضيق المعروف (دربنديخان) الى جانب فتح نفق في الجبل يربط منطقتي شهرزور والسليمانية مع المناطق الوسطى والجنوبية من العراق آنذاك. ان تلك الطريق تتمتع باهمية استراتيجية كبيرة.. لقد بدئ العمل في السدة -مع حفر النفق- سنة 1954 وانتهى عام 1961 وكلف (19) مليونا من الدينار العراقي. قال ذلك رئيس وزراء العراق المرحوم عبدالكريم قاسم اثناء الاحتفال بافتتاح المشروع بينما ثورة ايلول في ايامها الاولى.
انشاء المدينة – القصبة
قبل بداية العمل في المشروع لم يسكن هناك احد، ولكن بعد بدء العمل اتجه عدد من عوائل العمال للسكن في دور صغيرة شيدت لهم على الشاطئ الغربي لمجرى النهر (سيروان) وعلى سفح الجبل وسميت (الكمب). كان ذلك بصورة مؤقتة، ولكن اولئك العمال استقرا اخيرا هناك بصورة دائمة.. كما اخذ الناس يتجهون الى هناك باعداد غفيرة باعتباره مستوطنة خارجة عن سلطة الاقطاعيين في تلك الايام.
وهكذا تكاثر السكان وازدهرت القصبة عمرانيا، وفي مراحل الازدهار اخذت طابعا مدنيا ايضا كما اهتمت الشركات والحكومة بتنميتها.. وبصورة سريعة اصبحت قصبة تحمل اسم (دربنديخان).
انتقال الادارة الحكومية اليها وتحولها الى مركز قضاء
كان الموقع ضمن قريتي (سليم بيرك وكاني سارد) التابعتين الى ناحية (وارماوا)، ولكن بسبب توسع (الكمب) المتسارع، ووقوع المعمورة على الشارع المبلط المار عبر اسواق المدينة الآتي من النفق وازدياد السكان، انتقلت ناحية وارماوا الى دربنديخان وبذلك حدث زخم للاتساع حتى اصبحت مركز قضاء مستحدث باسم (قضاء دربندبخان).
كان ذلك في العام 1976 ..ولا تزال في اتساع مطرد ..
التركيبة السكانية والمتجه العام
يتكون سكان المدينة من خليط بشري متشعب : اذ يمكنها ابناء من عشائر الجاف بشكل خاص:
1- عشيرة (هاروني – رئيسها محمد الحاج محمود بونكلة).
2- عشيرة (اشرف البياتي- رئيسها سلام كويخا عزيز).
3- عشيرة (روغزاني- يراسها علي الحاج عبدالله كةلوةش).
وقلة من عشيرتي (ترخاني وشاتري) بالاضافة الى عوائل من سادات منطقة قرةداغ ابرزهم (الشيخ محمد الشيخ احمد- صولة).
* الذي يجب التنوية به هو: ان الطابع العام للقصبة مدني حضاري، وتسودها صورة المدنية ومظاهرها المحببة والمسافر عند نزوله فيها يجد نفسه وقد نزل بمدينة توازي المدن الاخرى جمالا وبهاء.. وتلك المدينة قد توسعت باحيائها المعمورة باهاليها: (سرا، كوماري، شارةواني ،كاني توو، تجاوزةكان-المتجاوزون ، سيروان، الكمب)، وهو الحي الاقدم والحجر الاساس في بناء المدينة بالاضافة الى احياء اخرى.
الاهمية الاستراتيجية
نظرا لوقوع المدينة في حياض السلاسل الجبلية (باشاري، زمناكو، بيكولي) وقربها من السدة وكذلك اهميتها العسكرية لتامين المواصلات بين شارةزوور ومناطق الجنوب ومتاخمتها القريبة من الحدود الايرانية، وربوضها على سيروان الذي يروي مئات الالوف من الهكتارات من الارض الزراعية في وسط وجنوب العراق من مياه السدة. فقد اتخذتها الحكومة العراقية منذ الايام الاولى لثورة ايلول موقعا عسكريا مهما ومحصنا توزع منه وتجهز قطعهاتها العسكرية العاملة ضد حرك التحرر الكردية وضد ايران طيلة سنين الحرب. كما ان ذلك المكان بمثابة بوابة للدخول مناطق قرةداغ، شهرزور، ميدان ، كرميان ، سنكاو، كما كانت توجه منه عملياتها العسكرية ونيران مدافعها الثقيلة والبعيدة المدى الى تلك المناطق.
لوقوع المدينة على طريق تجاري حيوي فان الحالة الاقتصادية للاهالي تبشر خيرا. يعتمد كثير منهم على الكسب من التجارة والاعمال الجوالة وبيع وشراء المحصولات المحلية زراعية وحيوانية, ويتعاطى البعض وظائف حكومية.
المعالم الاثرية والسياحية
كانت منطقة دربنديخان مأهولة بسكانها الاصليين من قيدم الزمان لقربها من مصدر (سيروان) المائي، فقد خلفوا وراءهم آثارا من صنع البشر واخرى من روائع الطبيعية مما اضفى على المنطقة طابعا سياحيا واثريا تجلب السياح والباحثين اليها لو توفرت الفرص.. ومن تلك الآثار:
1- بقايا اعمدة الجسر المشيد قديما على نهر سيروان بعيدا عن الثغر اكثر قليلا من كم واحد الذي بناه حاكم منطقة شهرزور الكردي (خان احمد خان) الذي عاش في حقب انتشار الاسلام الاولى في كردستان. اذا كان يشتي هناك، فسمى المضيق باسمه ، وكلمة (دربنديخان) المتكونة من اربع كلمات (در، بند، ي، خان) وتعني باب، مضيق .(ي، النسبة .الخان) . وكان الجسر المعبر الوحيد للمسافرين والقوافل العابرة من و الى ايران ، وكل من يمر على الجسر كان عليه ان يدفع اجرة المرور، وهو امر لا يزال معمولا به في نقاط من العالم.
2- اطلال متبقية من قصر ذلك الحاكم المبني في حينه على الشاطئ الشرقي للنهر وعلى سفح الجبل الجنوبي.
3- مغارة (كونةبا) الطبيعية التي لم تتمكن البعثات الاثرية من الوصول الى نهايتها حتى اليوم وهي مغارة معروفة سبقني كثيرون في زيارتها والتحدث والكتابة عنها.
4- (بت خانة- بيت الاصنام) الواقع على جبل بةيكولي غربي المدينة، وهي اطلال وآثار بادية لاصنام مصنوعة من الاحجار ونحتت عليها كتابات قديمة تبعد 3-4 كم.
5- مغارة (كونة نور-منفذ النور) يقدر ارتفاعها بـ(3)امتار وعمقها بـ(60)مترا –لم ازرها- تقرب من منطقة النفق الغربية ومكانها وعر نسبيا.
6- السدة: وهي متنزه روعة في الجمال الخلاب.
البحيرة والسدة “الاهمية”
تتكون البحرية من المياه التي ترفدها اليها :-
1- نهر سيروان.. منابعه في ايران.
2- (جةمي ليله- الجدول الكدر) من ايران ايضا.
3- زمكان: مصدره كردستان العراقية.
4- زةلم: ينبع من مضق احمد آوا(قرب خورمال).
5- تانجرو: مصدره الشمال الشرقي لسهل شارزور.
وللسدة اهميتها الكبيرة من حيث مشاريع المياه والري، وتجنيب العراق من الفيضانات، وتوليد الطاقة الكهربائية ، وتربية الاسماك ومأرب اخرى. تقول مصادر مديرية الري ان ارتفاع السدة هو(128) مترا ويبلغ عمقها عند الامتلاء (110م) وقوة استيعابها 3 مليارات م3 من الماء وفي الحالات الاعتيادية تبلغ قوة ضخها 5.700 م3 في الثانية وعند خطر الفيضان تصل قوة الضخ الى 11.400 م3 في الثانية. هذا وان للبحيرة منظرا فريدا في الجمال والروعة وخاصة عندما تضخ المياه بقوة كبيرة ويتحول لونها الى بياض ناصح وهي ذرات متطايرة تبعث نسيما عليلا وكانها جبل من الثلوج يطير.
يذكر بأن مدينة دربنديخان لم تتعرض للتدمير اثناء الانفالات التي قام بها النظام البعثي البائد, حيث انها احتفضت بمعالمها العمرانية علاوة على ما استجد فيها بعد تلك الاحداث.. غير ان عمليات الانفال اثرت في تكاثر سكان المدينة بسبب نزوح الفارين من ارهاب الانفال لها من المنطق الريفية.
الهوامش:
1- مديرية نفوس دربنديخان.
2- من مناضلي الاتحاد الوطني الكردستاني الذي ساعدني في اعداد هذا الموضوع اقدره بالغ التقدير
موقع PUKmedia من ارشيف صحيفة الإتحاد