الموقع و التسمية :
تبعد سيروس 70 كم إلى الشمال الغربي من حلب و حوالي 20 كم إلى الغرب من بلدة إعزاز , كما يمكن الوصول إليها عن طريق قطمة أو من قرية كفر جنة فميدانكي حيث يصبح بعدها عن حلب 80 كم . ينسب تاريخ بناء المدينة إلى سلوقس نيكاتور ( 312- 280 ) ق.م مؤسس الدولة السلوقية وسميت سيروس على اسم مدينة يونانية في مقدونيا .
وهناك من ينسب التسمية “قورش” إلى الملك الفارسي قورش . ويرجع الباحث فرانس كومون التسمية الأولى نسبة إلى المدينة المقدونية سيروس.
تاريخ النبي هوري ( سيروس ) :
مرت سيروس بأربع فترات رئيسية وهي :
1) الفترة اليونانية .
2) الفترة الرومانية .
3) الفترة البيزنطية .
4) فترة الفتح الإسلامي و ما بعده .
الفترة اليونانية :
مما يؤكد نسبة المدينة إلى سلوقس نيكاتور ، طريقة بناء سور المدينة و جهازه الدفاعي الشبيه ببناء انطاكية و أفاميا و اللاذقية ، وقد تمركزت فيها قوة عسكرية لأهمية موقعها الجغرافي منذ عام 221 ق.م ، وقد ضربت فيها النقود أيام الملك ألكسندر بالا Alxandre Bala ( 150 – 145 ) ق.م وتظهر النقود الهلينستية المضروبة فيها أنها كانت مركزاً دينياً هاماً لعبادة الإلهة أثينا إلهة النصر و الإله زيوس كبير الآلهة.
الفترة الرومانية :
كانت سيروس مسرحاً لمعارك بين الرومان و الفرثيين الذين وصلوا إلى انطاكية عام 52 ق.م . وكان في سيروس حامية عسكرية عام 17 ق.م من بينها الفرقة العاشرة ( Fretensis ) . وبقيت مفتاح طريق الرافدين و صلة الوصل بين زيغوما و انطاكية حتى نهاية القرن الثاني الميلادي
وعندما أصبحت منبج عاصمة الفرات أيام سبتيموس سيفريوس ، أصبحت سيروس تابعة لمنبج .
الفترة البيزنطية :
يذكر تقليد سرياني أن المسيحية دخلت سيروس على يد سمعان الغيور أحد رسل حواري السيد المسيح و يعتقد أنه ربما مات و دفن في المدينة .
ويعود الفضل في معلوماتنا عن سيروس في هذه الفترة إلى أسقف المدينة تيودور ( تيودوريطس ) الذي خلف الكتاب الديني عام 444 م ، وكان يرعى منطقة مساحتها 40 ميلاً طولاً و مثلها عرضاً و تضم 800 رعية .
أعاد جوستينيان ( 527 – 565 ) ق.م بناء المدينة وتحصينها و أقام فيها فرقة عسكرية و العديد من الأبنية و الأقبية . وقد سميت المدينة في عهده باسم ” آجيا بوليس “ أي مدينة القديسين أو المدينة المقدسة .
فترة الفتح الإسلامي و ما بعده :
دخلت القوات العربية الإسلامية إلى سيروس إثر معركة اليرموك عام 636 م .وقد سميت أنذاك باسم ” قورش ” ، وبسبب قربها من الحدود كانت واحدة من جند العواصم السبع التي أوجدها هارون الرشيد في القرن الثامن الميلادي و كانت عاصمتها منبج .
أطلق الفرنجة على المدينة اسم ” كوريسيه ” وكانت إقطاعية تابعة للرها و قد استردها نور الدين الزنكي عام 1150 م . كما يخبرنا ياقوت الحموي أنها قد أصبحت مندثرة في أيامه .
وذكرت هذه المدينة في كتب الرحالة ، حيث ذكرها الرحالة ماوندريل Maundrell في كتابه ” رحلة من حلب إلى القدس عام 1697 م ” ، كما ذكرها الرحالة دروموند Drummond عام 1754 م ، و وصفها شابو V.Chapot في كتابه ” حدود الفرات ” ، كما خصص لها فرانس كومون F.Cumont فصلاً في كتابه ” دراسات سورية ” الذي صدر عام 1917 م .
أعمال التنقيب في النبي هوري :
بدأت أعمال التنقيب في موقع النبي هوري عام 1952 م بإدارة الباحث إدمون فريزول E.Frezouls ( باحث أثري من جامعة ستراسبورغ ) الذي عمل في الموقع ثمانية مواسم في السنوات : 1952 – 1953 – 1954 – 1955 – 1964 – 1966 – 1969 – 1973 م ، بمعاونة المهندسين المعماريين بيار كوبل و من بعده دانيال لونجيبار . وقد تركزت أعمال التنقيب في الأكروبول و الأسوار و المسرح و الأحياء المحيطة به و على الجسور المؤدية إلى المدينة .
تخطيط المدينة :
كان تخطيط المدينة يقوم على أساس شبكة ترابعية مستطيلة الشكل ( شطرنجية ) و ذلك كما هو الحال في عامة المدن اليونانية ، تقطعها في وسطها طريق كوماجين المروقة التي تشكل الشارع الرئيسي Cardo Maximus بين البوابتين الشمالية و الجنوبية ، في حين أنه لم يكن للشارع الرئيسي (شرق – غرب) الذي يوصل بين البوابتين الشرقية و الغربية أية إمتدادات خارج الأسوار.
أما أكروبول المدينة فيقع على تلة قائمة على الضفة اليمنى لنهر الصابون , أما مقبرة المدينة ( نكروبول ) فقد امتدت في الشمال الغربي و الجنوب الغربي للمدينة خارج الأسوار التي تتبع الإنحدار الطبيعي لسفح التل .
أما الأسوار بجدرانها السميكة فقد كانت مجهزة بأربعة أبراج دفاعية مربعة ، وببرجين يحيطان بالباب الشمالي المطل على المدينة المنخفضة.
وعلى قمة التل فقد قام حصن مربع Donjon مجهز بأربعة أبراج في زواياه , ثلاثة منها مربع و الرابع بشكل دائري ربما رمم في وقت لاحق .
وإذا اتجهنا شمالاً مع الطريق الرئيسية للمدينة نجد إلى يسارنا جداراً عريضاً يمتد غرباً حتى يتصل بسور المدينة الغربي ، ويحوي بداخله كنيسة ذات ثلاثة أروقة ربما تعود إلى القرن السادس الميلادي ، أبعاده 180×100 م .
وبمتابعة التقدم شمالاً في الطريق الرئيسية ، نجد إلى اليمين بقايا كنيسة كبيرة بازيليكية ذات ركائز و قد تهدمت حنيتها الرئيسية من جهة الشرق .
وتم في مواسم التنقيب الأخيرة الكشف عن البوابة الجنوبية للمدينة ، وقد بلطت أرضيتها بالأحجار الكبيرة ، و أحاط بها برجان ضخمان للحراسة . أما إلى الجنوب الشرقي من البوابة الجنوبية و في الطريق المؤدية إلى الجسرين الرومانيين نجد قواعد ضخمة لنقطة تقاطع طرق ( تترابيل ) التي لم يبقى منها سوى الأساسات .
أما إلى الجنوب الغربي من المدينة فوق التل المرتفع المشرف على الحصن و المنطقة بأجمعها نجد بقايا معبد روماني ربما كان مخصصاً لعبادة الإله زيوس ، وقد حول إلى كنيسة بيزنطية في وقت لاحق .
آثار النبي هوري
1- المدرج :
يقع المسرح على بعد 100 م إلى الغرب من منتصف الشارع الرئيسي المتجه من الشمال إلى الجنوب و في سفح الأكروبول , ويعتبر هذا المسرح ثاني أكبر مسرح في سوريا بعد مسرح أفاميا إذ يبلغ قطره 115 م .
ويتألف مـن مسرح بطـول 48 م أحاطت به كنصف دائرة الصفوف
المتدرجـة و عددهـا 24 صفـاً , وقد بـني المدرج العلـوي بكـاملـه على أسـاسـات من الحجر الغشيم المدكـوك بين جـدر سميكـة مـن الـحجــارة الكـلسـيـة الـمقطوعـة الضخمـة الحجم , وبين المـدرج السفلي و المدرج العلوي ممشى يتصل بالمسير النصف دائري من جهة وبالمداخل الخارجية من جهة أخرى بواسطة معابر شعاعية , وكان قسطل من الفخار يوصل المياه من المدينة العليا إلى الممشى و منه إلى المعابر الشعاعية بغية تنظيف و ترطيب المدرج السفلي .
وكان المدرج ينتهي في صفه العلوي برواق مليء بالأعمدة المزينة بالزخارف و التيجان البديعة التي لا زلنا نرى بعضها في صالة المدرج السفلية متناثرة هنا و هناك مع الزخارف الرائعة التي تعود إلى القرنين الثاني و الثالث الميلاديين , و لا زال 14 صفاً من المقاعد باقية في أماكنها . وقد حملت بعض هذه المقاعد الضخمة أسماء أصحابها و كأنها مقاعد دائمة محجوزة لهم لمشاهد المسرحيات .
أما الصالة فقد أحاط بها ممر دائري بارتفاع متر واحد , وقد امتلأت باحتها بأجزاء الأعمدة و التيجان و الأفاريز ذات الزخرفة البديعة التي كانت تنتصب على المسرح في الممر العلوي للمدرج , وقد تدحرجت إلى الصالة نتيجة الزلازل و الحروب , وقد بقي المدخل الخارجي محافظاً على شكله و درجاته الضخمة .
2- المدفن الهرمي :
انتشرت المدافن و القبور خارج السور الشمالي و الجنوبي للمدينة وقد كانت المقابر الشمالية محفورة في الصخر أو مبنية من الحجر ، بينما أعيد استخدام المقابر الجنوبية في الفترة العربية ، وبين المقابر الجنوبية على بعد 650 م إلى الجنوب الغربي من البوابة الجنوبية للمدينة وقف مدفن روماني طول ضلعه خمسة أمتار ونصف ، انتهت قمته بهرم .
ويعود المدفن إلى القرن الثاني الميلادي أو بداية القرن الثالث الميلادي ، وقد بني بأحجار مستطيلة منحوتة ، جدران قسمه الأسفل ملساء تنتهي عند الزوايا الست بأحجار استناد تحمل بدورها الإفريز المحيط بكامل البناء في وسطه ، وقد علاه في كل وجه نافذة كبيرة انتهت بقوس ، وقد قامت من الداخل و أمام كل زاوية ستة أعمدة انتهت بتيجان كورنثية مزخرفة ، وهناك إفريز ثان علوي مزخرف بدت فيه أقنعة تمثل الأسد رمز الإله زيوس ( جوبيتر ) ، وقد قام السقف أخيراً فوق الإفريز على شكل هرم عال تجمعت أوجهه الثلاثة لتنتهي بتاج كورنثي مزخرف بأوراق الأكانت البديعة و ربما كان التاج ركيزة لحمل أحد التماثيل .
3- الجسور الرومانية :
تربط المدينة بالمناطق الجنوبية و الشمالية ثلاثة جسور ترجع إلى نهاية العصر الروماني ، ولا يزال جسران منها قائمين أحدهما على بعد 1.5 كم إلى الشرق من سيروس على نهر الصابون والذي يحوي على ست فتحات لمرور المياه و طوله 120م .
وعلى بعد أقل من كيلو متر واحد إلى الشرق منه نجد الجسر الأخر يجتاز نهر عفرين وهو بطول 92 م و ذو ثلاثة فتحات كبيرة وهي بعرض خمسة أمتار و نصف .
في حين أن الجسر الثالث الذي كان يربط المدينة بطريق كوماجينا عبر الساقية فقد تهدم.
وبنيت ركائز الجسرين بأحجار مربعة أو مستطيلة منحوتة ، ظهرت فيها ثقوب عديدة نتيجة اقتلاع قطع القصدير التي كانت تربط نقاط تلاقي وجوه الأحجار المتلاصقة و تثبتها ببعضها ، بينما كانت هناك قطع حديدية بطول 25 سم تثبت كل حجرين ببعضهما من الأعلى ، ويبدو من شكل الركائز و أطراف الجسرين أنهما قد خضعا لترميمات أيام البيزنطيين و العرب .
4- الأسوار :
تحيط بالمدينة أسوار ذات جدران سميكة مجهزة بأربعة أبراج دفاعية مربعة ، وببرجين يحيطـان بالباب الشمالي المطل على المدينـة المنخفضة .ومن السهل التعرف على مخططها حتى في الأماكن التي لا يبرز فيها أي مدماك من مداميكها .
ولا تكمن أهمية تلك الأسوار في نوعية حجارتها أو سهولة تأريخها فحسب ، وإنما أيضاً في أساساتها التي تذكرنا بأسوار العديد من المدن الهلينستية مثل مدينة سلوقية .
الخاتمة…
من الواجب ذكره هنا , أن مدرج المسرح شهد ولادة المهرجان الأول للشعر الكردي في سوريا في عام 1993 , والذي يقام في تشرين الأول من كل عام , تخليداً لذكرى وفاة الشاعر الكردي الكبير (جكرخون).
ورغم الأهمية الكبيرة لأطلال مدينة سيروس , إلا أنها متروكة للقدر يعبث بها كل من هب ودب من المصطافين ولصوص الآثار , وكان الواجب يدعو مديرية الآثار , أن تعين عليها حراسا لحماية آثارها من العبث…….
المراجع
1. مجلة الحوليات العربية الأثرية السورية .الأعداد 1952- 1954 – 1955 م .
2. البعثة الأثرية في قورش . إدمون فريزول . المساهمة الفرنسية في دراسة الآثار السورية 1969 – 1989 م .
3. قورش . مدينة أثرية في أقصى شمال العالم العربي .عبد الله حجار . مجلة الفيصل .العدد 116 / 1986 م .
4. فتوح البلدان : للبلاذري .
5. معجم البلدان : لياقوت الحموي .
6. Monuments of Syria. Ross Burns.London.1924
7. جبل الكرد ( دراسة تاريخية اجتماعية توثيقية).: الدكتور محمد عبدو علي
…………………………………………..
المصدر: هاوار اللاكترونية:http://www.hevgirtin.net/hawar-mn/hawar-23/ar/5.htm