صادف العام 2003 ذكري مئوية الشاعر الكوردي جكرخوين الذي يعد بحق ابا معاصرا للكرمانجية ــ اذ لولا هذا العلم ــ كما يؤكد أيضا د. رضوان علي لما تطورت هذه اللهجة، فهو الذي نفخ في أوصالها روحاً جديدة، وأعاد فيها بعث الدفء وعوامل الاستمرار وبعد أن رزحت طويلاً ــ نتيجة الواقع المؤلم للكوردي عموماً ــ تحت نير الظلام الطويل… الطويل. ومن يتابع سيرة حياة جكرخوين، سيتأكد بأنه كان صورة ــ طبق الأصل ــ عن حياة الإنسان الكورديي في ظل عسف المستعمر ورموز الإقطاع المحلي،وهي عموما حياة طافحة بالبؤس، والجوع والمعاناة، وضروب العوز، والي ما هنالك من مفردات الشقاء التي كانت تشكل معجم الحياة اليومية للكوردي تحت نير الجور في تلك الحقبة الظلماء.. لا اعادها التاريخ!
ولعلّ نبوغ جكرخوين وفي ظل الظروف القسوة الاكثر شدة: غياب الاب المبكر ــ المجازر الطورانية بحق الكورد والأرمن ــ الهجرة ــ الأعمال القاسية التي قام بها بدءا بـ: رعي الغنم وانتهاء بان عمل (إماما) في قري الجزيرة السورية،ناهيك عن أسوأ ضروب القمع التي عرفها التاريخ في كم الأفواه،كان تحدياً كبيراً للواقع المزري الذي يعيشه هو و إنسانه على حد سواء، بيد أن كل ذلك لم يمنع الرجل من أن يكون وعلى الدوام صوت إنسانه المدوي،وضميره اليقظ،إذ لم يحن هامته يوماً أمام أية ريح،بل كان دائم التحدي لكل أفانين القهر والاضطهاد.
إن أي دراسة للخريطة التي عرفها جكرخوين، وساح فيها لهي تؤكد وبجلاء ساطع، كيف انه انتقل من كوردستان تركيا، إلي مدينة عامودا…فقرى الجزيرة… فإيران، فالعراق سعيا وراء اكتساب العلم، وهذا السعي الذي آمن به حتي اللحظة الأخيرة من حياته، كما أكد ذلك في شريط صوتي مسجل استمعنا إليه أثناء مجلس عزائه.
لن اذهب بعيداً لتتبع دورته في التعرف إلي مناطق الكوردي، واستحصاله العلم من أفواه العلماء من بني جلدته، بل استخلص من ذلك كله: اطّلاعه على حياة قومه في أجزاء كوردستان عموماً،وهذا ما يتجلى في تأريخه للحياة الكوردية شعراً، منذ الحرب العالمية الأولي وحتي النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي حيث توقف قلب الشاعر الكبير عن النبض، بحيث نكاد لا نجد أي مناسبة قومية، أو إنسانية إلا وتناولها عبر قصائد مدوية حقاً، وحسب هذا الشاعر علوّ قامة، أنه شارك في تكوين إرهاصات الوعي القومي والإنساني في منطقته بخاصة،وفي كورديستان بعامة،ولهذا فإنه علي سبيل المثال من مؤسسي جمعية خويبون ــ xweyeb un ــ ومن الرعيل الأول من الكورد الذين انخرطوا للدعوة إلي صفوف الحزب الشيوعي السوري، وممن اختلفوا معه أيضاً لأسباب (جوهرية) لا مجال لذكرها هنا، كما وقد درّس في جامعة بغداد، ووضع كتاب قواعد اللغة الكوردية وقاموسا في الكوردية من جزأين، بعد هبوب رياح المرحلة الجديدة في العراق.، ومن ثم انخراطه في صفوف الحركة القومية الكوردية مباشرة، كاسم يتمتع بالاحترام الكبير من شعبه. ومن سواه، لذلك، فإن اعتبار العام 2003 عام جكر خوين، ودعوة كل الفعاليات والمؤسسات والمنابر الثقافية الكوردية إلي إحياء ذكري هذا الشاعر الرائد، والفذ، لهي مهمة إنسانية وقومية مترتبة علي كل الغيارى علي الإبداع والثقافة الكورديين، ولعل من أولى الفعاليات التي ينبغي أن تتم خلال هذا العام، وضع برامج ثقافية بخصوص هذه المناسبة الجليلة، وإعادة طباعة تراث هذا الشاعر الملهم، والسعي الدؤوب لترجمة إبداعه شعراً ونثراً إلى كل اللغات الحية لأننا بذلك سنكون سعينا من أجل إيصال صوت الكوردي وثقافتهم… إلى الآخر ولقد آن الأوان لذلك..!