التاريخ المستند لغبار الزمن
لعلّ جريدة “كردستان” التي أصدرها الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة، سنة 1898م، في الثاني والعشرين من شهر نيسان، كانت من أبرز المنابر وأوسعها انتشاراً ونشراً للثقافة والأدب الكرديين. فقد نشر فيها على التسلسل ملحمةَ الشاعر والفيلسوف الكردي أحمد خاني “مم وزين”، وكانت الجريدةُ توزع مجاناً في كردستان (كما تفعله الآن “حجلنامه”) لكن ظروف المراسلة آنذاك كانت (حضارية) أكثر منها الآن، حيث تتعرض فيها الدورية الأدبية الثقافية للتفتيش قبل أن تصل، هذا إن وصلت.
في العدد الثالث من صحيفة كردستان، ص4، الخميس 28 ذي الحجة 1315هـ، نشر فيها “لاوِ شيخ فتّاح”/ إبن الشيخ فتّاح قصيدة تقريظ، يمدح فيهاهذا الصرح وصاحبه، فيقول: “مبروك عليكَ ألف مرة/ هذا الصدى بين الأحبّة، بشرى هذه الجريدة الجيدة/ تعيش لائقة بين الشباب/ أبدعتَ هذا العمل الكبير/ وكانت همّتكَ في البداية/ فوضعتَ أساساً لهذا الدرب المجيد/ أرشدتَ بها كل الأكراد”.
فكان هذا أول تقريظ شعري كردي سوري بالمعنى السياسي، أو حسب تقسيم سايكس ـ بيكو، يصلنا عبر صحافة كردية، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الصحافة، الوسيلةَ الأفضل والأوحد إلى حدٍّ ما في نشر الثقافة والشعر الكردي على وجه الخصوص.
تتالى الأحداثُ والإنتكاساتُ، ويبقى الشعر والأدب الكردي مهمشاً، إلا بين رجال الدين الذين كانوا يحفظون الشعر، ويلقّنونه لطلبتهم في الحُجرات الفقهية والعلمية، وكانت ثورةُ الشيخ سعيد بيران عام 1925 في كردستان تركيا، والتي بدأت قبل موعدها المحدد، فتعرض الكرد على إثرها للتنكيل والإبادة والتشريد، وكان من نصيب الجزيرة السورية هجرة الكثير من المتنورين والمثقفين إليها، ومعهم بدأتْ بوادرُ النشاط الثقافي بالظهور في هذه المحطة الزمانية على يد هؤلاء المثقفين الذين شُرّدوا مع من سبقهم بالإقامة وممارسة النشاط الثقافي والإداري، أمثال الشاعر الكردي جكرخوين. فكانت جمعية “خويبون” في عام 1928، والتي ضمّتْ مفكري ومثقفي تلك المرحلة، أمثال مؤسسيها: ممدوح سليم بك، كاميران بدرخان، ملا أحمد زفنكي، حسن حاجو، مصطفى شاهين بك، شاهين شاهين بك، دكتور نافذ، وغيرهم من المثقفين، حيث كان نشر الوعي القومي والإهتمام بالثقافة والأدب القومي همّهم الرئيسي. ففي عام 1932 تم تأسيس نادي شباب عامودا الثقافي، الذي كان لديه فرقة من الكشّافة، إستمرّت في التدريب تسعة عشر يوماً، بعدها أخذ النشاط الأدبي والثقافي وتعليم اللغة الكردية جُلّ إهتمام النادي، وكان الشاعر جكرخوين من مؤسسي هذا النادي، الذي كان يضمّ ثلّة من الشباب، أمثال الشاب نايف حسّو، الذي أصبح فيما بعد الشاعر “تيريز”، وغيرهم ممن إستمرّوا في العطاء إلى يومنا هذا. وفي عام 1932 حاول العلاّمة الأمير جلادت بدرخان وبمساعدة صديقه المستشرق “روجيه ليسْكو” وضع ألفباء لاتينية للغة الكردية، ووفّق في صياغتها، صياغة مطابقة ومناسبة للغة الكردية، هذه الألفباء التي تُستعمل الآن مع بعض التغييرات التي لا تُذكر.
وقد قام الأمير بصياغة الألفباء، ووضع القواعد لها، عن طريق مجلته “هاوار” ـ الصرخة، حيث كانت بدايات المجلة بالحرفين العربي واللاتيني، واستمرت في ذلك إلى العدد 24، بعدها إعتمدت الحرف اللاتيني بالكامل، فكانت المجلة صرخةً في الواقع الثقافي المُعاش، وكانت دعوة جدّية وعلمية للمثقفين إلى الكتابة باللغة الأم. فكتب فيها كلُّ المهتمين آنذاك، ومنهم على سبيل المثال: “أوصمان صبري، حسن حاجو، حسن هشْيار، قدري جان، كاميران بدرخان، نورالدين ظاظا، و جكرخوين” حيث كان الأخير أغزر مَنْ كتب في المجلة، بعد صاحبها والدكتور كاميران. وكان الأمير جلادت يكتب في كافة صنوف الأدب والفولكلور. لكن الأهم في مجلته، هو طرحه لقواعد الألفباء اللاتينية.
وهكذا تطورتِ اللغة الكردية في سوريا، وتحولتْ من الشفاهية إلى لغة الكتابة.
وقد أصدر الأمير جلادت مجلةً مرافقة لـ “هاوار” سمّاها “روناهي” ـ الضوء، وكانت مجلةً إخبارية أدبية. وقد إستمر الوضعُ في كل من سوريا ولبنان، باصدار الدكتور كاميران بدرخان لكل من مجلة “روزا نو” ـ اليوم الجديد، وجريدة “ستير” ـ النجمة. والملاحظ في تاريخ الصحافة الكردية في سوريا، أن المجلات
والجرائد الكردية توقفتْ عن الصدور عند إستلام الوطنيين السلطة في سوريا، وبذا توقف النشاطُ الثقافي والأدبي بعد أن طُبع بعض الدواوين الشعرية لـ جكرخوين، وبعض الكراريس للأمير جلادت وأوصمان صبري، وكانت جميعها من إصدارات مكتبة “هاوار”. إن توقف صدور هذه المجلات والصحف، وجمود نشاط مكتبة “هاوار” أثّرَ على الوضع الثقافي والأدبي الكردي في سوريا، إلا أنّ بعض الشخصيات المثقفة والوطنية حاولتْ أن تخلقَ جوّها الخاص في ظل ظروف غياب الأدبيات الكردية، خاصة الشاعر جكرخوين وحسن هشيار ومحمد بالو وملا نوري وغيرهم…، ولكن نتيجة لظروف القهر والمطاردة والإعتقال، خبتْ شمسهم، وعاشوا في الظلِّ وهم يكتبون للنور، والإستثناء الوحيد هو الشاعر جكرخوين الذي أبى الإستسلام للواقع المفروض عليه، فاستمر في العطاء والنضال، وبما يليق بمناضل عنيد في ذلك الوقت، إلى حين تشكيل أول تنظيم سياسي كردي في سوريا، فانتسب إليه المثقفون من كل حدب وصوب، كان من بينهم جكرخوين، الذي ناضل بكل ما أوتي من كتابة ونضال، في سبيل رفع الغُبن عن كاهل الشعب الكردي في سوريا.
في عام 1968 أصدر جكرخوين مع رفاقه في الحزب مجلةً كردية في السر باسم “كُلستان”/بلاد الزهور. إهتمتْ “كلستان” بالأدب والشعر والترجمة، وكان جكرخوين يكتب فيها بأسماء عديدة، وبصدور هذه المجلة، بدأتِ المرحلةُ الثانيةُ من تاريخ الأدب الكردي في سوريا، حيث إزداد الوضع تعقيداً، فقُمعتِ اللغة الكردية، وقُمع كل من ينادي بانبعاثها، فكان الذي يكتب بالكردية آنذاك كَمَنْ يرتكب جريمة. ورغم ذلك كان جكرخوين يكتب دون هوادة. وإنشقّ الحزبُ على نفسه، فأصدر الحزب الآخر أيضاً مجلة أدبية كردية، وفي كل إنشقاق كردي سياسي، كان نصيب المجلة الكردية أيضاً الإنشقاق، وهكذا فإن الإنشقاقات التي تعرضت لها الأحزاب الكردية، كان لها الوقع الإيجابي على الحركة الثقافية. وقد كان الهدفُ الأساسي من إصدار هذه المجلات، أو أن محتوياتها تدور كلها حول الأدب والشعر والثقافة والفولكلور، وهي بعيدة عن السياسة في كل الأحوال. كان إهتمام تلك المجلات الحزبية، مميزاً بالشعر الكلاسيكي والفولكلور، والشعر الموزون المقفى فقط. ومع إطلالة عام 1991 صدرتْ مجلة “زانين” ـ المعرفة، التي ترأسها كلٌ من كاتب المقال فرهاد جلبي، وعبد الباقي الحسيني بالتناوب، فكانت المجلةُ بمثابة المنبر للشعر الحر والشعر الحديث، وأثّرتْ على باقي المجلات التي إستمرّتْ في الإصدار بعدها، ومع هذه المجلة بدأتِ المرحلةُ الثالثة من الشعر الكردي في سوريا، أعني الشعر الحر المتحرر من الوزن والقافية، والذي أصبح له مؤيدون بين القرّاء، عكس البدايات التي بدأ بها الشاعر والكاتب “قدري جان” في الثلاثينات من القرن العشرين، والذي يُعدّ بحق الرائد الأول في هذا المجال، لكن شحّة كتاباته، وعدم إستجابة قصائده للرتم ـ الإيقاع الموجود داخل النفس الكردية، أدى إلى إنحسار وتحجيم صوته الشعري، وعدم إنتشاره على المستوى المطلوب، عكس قصائد الشاعر جكرخوين الذي فهم نفسية شعبه ومشاكله ومطاليبه، فأصبح بحق لسان حاله، لذا من الضروري وعند التحدث عن واقع الشعر الكردي في سوريا، التوقف عند هذا الشاعر الكبير، لأنه النموذج الذي تماشى مع الخط البياني، أو هو يمثّل الخط البياني للشعر الكردي في سوريا، وعدم ذكره في الدراسات والنقاشات عن الأدب الكردي، يعتبر إجحافاً بحق الشعر الكردي، وبحق المناضل المبدع. ولأنّ جكرخوين ركّز في شعره على الوطن والنضال والحب والتضحية والوصف، كان له الأثر الكبير على مسار حركة الشعر الكردي في سوريا خاصة، والذين يكتبون بالكرمانجية عامة.
جكرخوين: القيمة الجمالية
عانى جكرخوين الكثير في سبيل قومه ووطنه، وكان بوده إختصار الزمن ليرى ويكحّل عينيه بدولة كردستان حرّة ومستقلة، ويتقدم شعبه بالعلم والمعرفة، بعيداً عن التبعية والجهل، فبالإضافة إلى أن الشاعر لم يكن قومياً بالمعنى العنصري للكلمة ـ المصطلح، إلا أن الطريق لديه كان يمرّ عبر المحلي، عبر تحرير
الإنسان الكردي والمرأة الكردية. وعلى الرغم من أن بدايات الشاعر كانت دينية، حيث تعلم على أيدي الشيوخ والملالي علوم الدين والنحو والصرف، إلا أنه لم يقفْ عندها بل إنخرط في السياسة، وقرأ عن الثورات في العالم، وتشبّع بالعلوم الدنيوية، فكانت للأيديولوجيا الحمراء والإخاء والسلم العالمي، وقعاً مميزاً عند شاعرنا، فأصبح أممياً لأنها في دمه وتفكيره، فمجّد الإتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية، وتعاطف مع ثورات العالم، واعتبر إنتصاراتها، إنتصاراً له، فتغنى بالمقهورين، وتحدث عن ديان بيان فو، ووقف إلى جانب المغني الأسود “بول روبسون” وغنى لـ فلسطين وكوبا وفيتنام: “أيها الصديق روبسون، المغني العالمي../ ياداعية السلام، المعلم والإنسان/ في البحار والجبال جسور وقوي في مواجهة دالاس/ لونك الأسود أمام ناظري/ صوتك الشجيّ في مسامعي”1.
قرأ جكرخوين أحمد خاني والملا الجزيري وفقّي تيران ونالي وغيرهم، جمع ودرس الفولكلور الكردي دراسة عميقة، واستفاد من غناه بالجمل والمعاني والكلمات والقصص، فكان تأثير الشعراء القدامى الكلاسيكيين واضحاً على شعره، هذا بالإضافة إلى موهبته الفذّة التي أكسبتْ شعره قوة ودفعاً، فنال شعره شعبية كبيرة، لأنه كان سلس الكلمات، والتعابير غنية بالصور والبلاغة، جميل في الوصف، وإلى جانب
هذا كله إلتصاقه التام بالجماهير الكردية، وتعبيره الواضح عما يجول في خاطر شعبه، فأصبح شعره يُحفظ غيباً، ويتداول كأمثولة، ويتغنى به المغنّون، لأن أشعاره تماشت مع الرتم الموجود لدى النفس الكردية، والطبيعة الكردية، هذا الرتم الشديد التنوع: الحزين، الثوري، العاطفي والحماسي، عدا عن هذا كله، فقد صنع جكرخوين ما لم يستطعْ أحدٌ صنعه من قبل: صَنَع متلقٍ يفهمه ويتفاعل معه، وهذا التفاعل بين الشاعر والمتلقي هو الذي أعطى لشعر جكرخوين شعريته التي لا يمكن إنكارها بأي حال. كان الشاعر ضد المبدأ الذي ينادي أصحابه بحرية الكاتب فيما يكتب أو يقول، حتى ولو كان نتاجه بالكامل
وقفاً على صاحبه الذاتية التي تبتعد عن العام، ومكتفية بالخاص ضمن حدود هدف، أو حدث معين، وهو بكتاباته وآرائه مع القول الذي ينادي أصحابه بتقييد حرية الكاتب فيما يكتب، وضمن حدود الإلتزام بقضايا المجتمع وهموم الإنسان بشكل عام، والكردي بشكل خاص، وبذلك كان الشاعر يمثّل الصدى الواعي لأحداث جيله وشعبه ضمن حدود الزمان والمكان التي يعيش فيها، فأصبح المعبر الرئيسي الأول عن آمال أمته وآمالها ـ مع الأخذ بعين الإعتبار طوعية الإلتزام عنده ـ دون قسر أو إكراه، فأصبح جكرخوين رمزاً يُحتذى به في شعره، بل أصبح شعرُه القيمةَ الجماليةَ للشعراء الكرد الذين يكتبون باللهجة الكرمانجية، فكان التباهي يأخذ المنحى بأن القصيدة الفلانية للشاعر الفلاني تشبه إلى حدٍّ ما القصيدة الفلانية لـجكرخوين، ونتيجة لما وصلتْ إليه قصيدة جكرخوين، لم يستطعْ أي شاعر جاء بعده أن يخرجَ نفسه من ردائه، ولم يستطعْ أحدٌ من هؤلاء الشعراء أن يتجاوزَ طريقته الشعرية في الأداء، ولا نعني هنا بالتجاوز إلغاء السابق، وانما تجاوزه إبداعياً إلى درجة نفي تهمة تقليده، فأصبحوا مقلدين وتلاميذ كسالى في مدرسة
جكرخوين الكبيرة. يقول الشاعر في قصيدة لحّنها الفنان “شفان بَرْوَرْ” وغنّاها:أين حدائقي وبساتيني؟/ أين رياضي وجناني؟/ لقد إحتلّها الأعداء/ آخٍ.. أين كردستاني.. أين؟!”2.
فيقلده الشاعر “كلش” بكلمات لا معنى لها سوى أنها تساعده في القافية فقط. يقول متسائلاً: “أين كردستان؟ أين اللغة؟ أين الزاز؟/ أين الحدائق والبساتين؟/ أين السهول
والجبال؟”3.
قلّد جكرخوين الشعراءَ القدامى والمتصوفة، وخوفاً من ضياع قصائده كان يُزيّل باسمه في آخر بيت من كل قصيدة له، وفي كثير من الأحيان كان إسمه “القلب الدامي” أو “الكبد الدامي” يخدم القصيدة، ويأتي في سياقها، و يعطي الدلالة المرجوة منها. لكن الذين جاؤوا بعده، وقلّدوه تقليداً هشاً لا معنى له، ولا قوة، فقط لذكر الإسم، في وقت أصبحتِ الكتابةُ وطباعة الكتب أمراً يسيراً. يقول الشاعر “بي بهار”/دون ربيع في قصيدة له، بعد أن نفضها عن بكرة أبيها، ولم تبقَ في
قريحته أية كلمة يستعين بها: “أمان أمان أمان/ أمان أمان أمان/ مثل “بي بهار”/ أمان أمان أمان”4.
إن الإستخدام الفجّ في إقحام الشاعر إسمه في قصيدته أضحى ظاهرةً مَرَضية في الشعر الكردي السوري، خاصة ممن يندرج تحت خانة الكلاسيك، وهم بعيدون كل البعد عن المدرسة الكلاسيكية والشعراء الكلاسيك.. هؤلاء الذين حمّلوا القصيدة حملاً لا طاقة لها على حمله. ويسقطونها في فخ الأستذة واسداء النصائح: “اسأل دون خجل/ مرة من العاشق ذي القلب الأليف/ من “دلاور” الذي لم يلقَ خيراً/ لم يرَ عطاء من الحبيبة” 5.
كتب جكرخوين شعره في بداية الربع الثاني من القرن العشرين، أي أنه خاطب الناس بلغة من الواجب عليه إفهامهم إياها، وعن طريق فِعْلَيْ الإلقاء من الشاعر، والسماع من قبل المتلقي، وليست القراءة، فكان عليه أن يكتب بلغة يفهمها كل من يسمعه، فكانت الخطابية والمباشرة، وأحياناً التقريرية التي طفحت بها قصائده، ضرورة لا بد منها، ليستوعبها المتلقي، أولاً، وثانياً لأنه وجد نفسه في موقع المتنوّر والموجه لشعبه، الذي يعيش في غياهب التاريخ، وينال من الآغا ورجال الدين الجهلَ والتخلّفَ وسرقةَ قوت يومه، فحارب الشاعر هؤلاء دون هوادة لينقذ شعبه من براثنهم، ويلقي على عاتقهم سبب تخلف شعبه، ويعيبهم على ذلك، ويقول لهم: انظروا حولكم، ماذا فعلتم، وماذا يفعل غيركم من الناس بشعبه: “ياشيخي، من الآن وصاعداً لن أقلَ يديكَ/ تلك السرايا والمدارس جعلتها أطلالاً وخراباً/ انظر إلى شيوخ أوربا، طيّروا الحديد إلى السماء/ لكنكَ جعلتنا متخلّفين بالذكر والأشياء الخرافية”6.
فاللهجة الخطابية في شعره، لها أسبابها الموضوعية. فاذا بررنا هذه الخطابية للشاعر جكرخوين بالزمن والمتلقي المستمع فقط، فهل نستطيع أن نبررها لكتّابنا المعاصرين، خاصة الذين بدأوا بالكتابة بعد رحيل جكرخوين على أقل تقدير؟ يقول “كوني رش” في قصيدة له: “وطني.. قل لهم.. قل لهم أن الوطنية ليستْ سهلةً.. الوطنية.. إخلاص وعبء ثقيل/ وطني.. قل لجبالك ومنحدراتك أن الناس الطيبين يظهرون في وقت المحن…” 7.
لقد أخذ الوصفُ عند جكرخوين حيّزاً لا بأس به في قصائده بشكل عام، واتّخذ الوصف الحسي والإستعارات والتشابيه الحسية أساساً، خاصةً مع مفردتي الحبيبة والوطن، وقد وفّق في هذا التشابك الوصفي بين الحبيبة والوطن، إذ أصبح هذا التشابك من البدهيات المسلمَّة بها في شعره، حيث لا يكلف نفسه عناء التحويل من وصف الحبيبة إلى وصف الوطن، أو بالعكس:
“شامخة قامتكِ/ السماء ترصّع تاجكِ…/ وبهبري أبيض طوّقتِ قمم “زوزان”، و”سيبان”/ الله.. ماأجملها حبيبتي/ فهي رقيقة وشفّافة وأبيّة../ ينحدر من قامتها “الفرات” و “دجلة” و”الخابور”8.
هذا النوع من التعامل، وهذا التشابك، أصبح من العادات السائدة لدى الشعراء الذين إتخذوا من جكرخوين مقياساً لشاعريتهم، وأنه لا يصبح شعراً من لم يستطعْ التعاملَ مع المفردتين ـ الحبيبة والوطن ـ كما تعامل معها جكرخوين، وهذا ما أدى بهم إلى الوقوع أيضاً في فخّ التقليد الفجّ، ولم يحاولْ أحدٌ من هؤلاء الشعراء أن يشكل لنفسه تعاملاً من نوع جديد مع الكلمة، أو الجمل التي نطق بها جكرخوين، حتى وصل الأمر ببعضهم أن يضع قصيدة لـ جكرخوين، ويكتب على غرارها قصيدة أخرى بنفس الوزن والقافية، وحتى الفكرة والكلمات أيضاً، فقط أحياناً يغيّر أماكن الكلمات الموجودة مثل: shox u shenge يجعلها: shenge shenge أو يعطي المعنى الآخر للكلمة التي استخدمها جكرخوين، مما أدى بهم إلى الوقوع في التكرار وإجترار ما قيل، ولعلّ هؤلاء الشعراء قرأوا أو سمعوا خطأً قول الجاحظ: “المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها العربي والعجمي والبدوي والقروي، وانما الشأن في إقامة الوزن، وتمييز اللفظ، وسهولة…” 9
ففسروها كالآتي: “المعاني مطروحة في دواوين وقصائد جكرخوين، يعرفها كل من تعلم فكّ الحرف الكردي، والشأن من يكتب قصيدة على غرارها…”. يقول جكرخوين في قصيدة بعنوان: Ez u yar أنا والحبيبة، أسلوب يجعل فيه الحبيبة تملك كل شيء، أو تكون هي كل شيء جميل، وهو لا يملك شيئاً، وقد ترجمتُ هذين المقطعين بشكل حرفي بحسب موضع الكلمة، كي أظهر القصيدة التي تليها وقيمتها:
“ذات العيون الحور.. أنتِ/ ذات الشعر المجعد.. أنتِ/ بجاذبية الملكات أنتِ
مجروح الفؤاد.. أنا
وردة الحدائق.. أنتِ/ جمرة الفوانيس.. أنتِ/ دواء لكل عليل.. أنتِ
كسير الفؤاد.. أنا”10
يأتي الشاعر “دلدار ميدي”، ويكتب على غرارها قصيدة، يقول فيها:
“في البرج العاجي.. أنتِ/ وردة الدنيا.. أنتِ/ العلة لي.. أنتِ،
من ليس له مكان.. أنا
ذات الكلام الحلو.. أنتِ/ ذات الرقبة الشفافة.. أنتِ/ أخت فيتنام.. أنتِ
عدو البالي..أنتِ”11
لقد تخلّص بعض الشعراء من تأثير جكرخوين، فتعامل مع الأمكنة والأشياء في وصف طبيعة كردستان، حتى وصل الأمرُ بهم إلى وضع حروف العطف والجرّ، وبعض الظروف فقط بين المفردات التي تدلّ على الأمكنة والأشياء. يقول مثلاً
“عمر لَعلي” في قصيدة له:
“مباهجنا الطويلة: دجلة والفرات/ سيحون وجيحون مراد، وبحيرة وان/ سفان وهِيزل وعفرين وخابور/ زِراكان وراء زهي سوران/ الجبال العالية… جودي وخلات/ هندرين وزوزك.. متين وسيبان/ شنكال وبي خير وشيخان وباكوك/ قره داغ.. داسوك، كولي وزوزان…”12
توجه البعض الآخر إلى الشعر الغنائي، وبرع فيه، وكان بحقّ نقلة نوعية من التقليد إلى المجاراة، منهم الشاعر “فرهاد عِجْمو” والفنان “محمد علي شاكر” والفنان “سعيد يوسف”، وعلى حدٍّ ما الشاعر “أرْشَفي أوسْكان” الذي يطغى على شعره الإسلوب (الجكرخويني). ومنهم مَنْ توجّه إلى الفولكلور واستفاد منه باستخدام الأمثال والسِّير في قصائدهم، وبالغ في الإستفادة من هذا الفولكلور، إلى الحدّ الذي قسّموا فيه دواوينهم إلى أقسام: القسم الوطني، قسم الحب، قسم الفولكلور، ظناً منهم أنهم يكتبون الشعر حيث يبدأ بالأغنية الشعبية أو الفولكلورية، ثم يكمل من (خزينته اللغوية) والشاعر بهذا الشكل يساهم في التخريب مرتين: مرة يخرّب الشعر، وأخرى ـ وهي العلّة بذاتها ـ يشوّه الأغاني الشعبية والفولكلور.
ثمت شعراء آخرون يكتبون القافية والوزن، لكن ابتعدوا عن الجملة الجكرخوينية، وشقّوا لأنفسهم خطاً آخر بوزن وكلمات جديدة، وانحازوا عن التقليد في الشكل أمثال: الشاعر “صالح حَيْدو” و”محمود صبري” وقد أخذ الإبداع حيزاً لا بأس به، لكن الهم يبقى نفسه عند كل الذين كتبوا القصائد الموزونة، وأيضاً الوصف عندهم حسّي مادي، ولا يدخلون إلى الدلالات الداخلية للإنسان، ويتعرض هؤلاء الشعراء إلى حالة التكرار والإجترار والتناقض أحياناً ضمن القصيدة الواحدة. فتراهم يصفون الحبيبة على أنها شقراء وشعرها مجعّد، ثم يقول عنها أنها سمراء وذات شعر أملس، فالرابطة التي تربط القصيدة من البداية إلى النهاية هي الرابطة الشكلانية، لا مجال لبحث المضمون. يقول الشاعرTIREJ تيريز عن كيفية كتابته للقصيدة: “أكتب بيتاً من الشعر أنهيه بمفردة معينة، موسيقية إلى حدٍّ ما، وبعد ذلك أجمع كل المفردات التي لها نفس النغمة والوزن، وأضعها أمامي، ثم أبدأ بالنظم، باستخدام القافية من الكلمات التي جمعتها سابقاً”13.
خلاصة القول للذين أخذوا السهلَ والتقليدَ دون التفكير في تجاوز الماضي ـ بالمعنى الذي قصدناه سابقاً ـ كان الأفضل قراءة ما كُتب والإستفادة منه قدر الإمكان، لا نقله وإطفاء بريقه، وبريق كاتبه، لأن الشعر عصارة الشعور، وعمل دؤوب للأحاسيس، وما يجترّونه خالٍ من الأحاسيس، فالشعر جميل “والجميل غريب دائماً” كما يقول بودلير، فاذا لم نجدِ الغرابةَ في أي نص شعري أو قصيدة، فلن نجده جميلاً، والكثير ممن كتب بالشكل الكلاسيكي خالٍ من الغرابة، لأنّ الشيء الغريب أصبح بعد كتابته من قبل جكرخوين مألوفاً، وتكراره لا يأتي بجميل.
الشعرُ الحرُّ ـ المتلقي الحديث
أصبحتِ اللغةُ الكردية في السنوات الأخيرة، ونتيجة لكثرة الدوريات، والإحساس ببعض الهامش الديمقراطي في سوريا، أكثر انتشاراً، حيث فُتحتْ سراً دورات تعليمية للغة الكردية، وبها إزداد عددُ القرّاء، حتى بات في كل بيت كردي، قاريء يتقن لغته، فتغير وإلى حدٍّ ما نوعية المتلقي وسويته الثقافية، وأصبح فعل القراءة متداولاً بين الذين يكتبون، وبين من لهم إهتمامات أدبية، أي حدث هناك تواصل بين الإبداع والمتلقي: لكن هل وُجد متلقٍ واعٍ ومتذوقٍ للشعر الكردي؟ هل إستطاع هذا المتلقي أينما وُجد أن يكونَ الروحَ الأخرى للشعر؟
مع التسليم بأن الشعر الكردي يحمل مضموناً، وتأتي أهمية هذا المضمون في طريقة إبداعه، والشاعر الفذّ هو من يضيف إلى موهبته الإدراك العميق والواعي لشروط الإبداع ووظيفة الشعر وفق العصر ونفسيته وثقافته وإيقاعه. فهل وفّق شعراؤنا الكرد المعاصرون في الإستفادة من بعض هذه المعالم، بعد أن كسّروا قيودَ التقليد والوزن؟
يقول “لاوكي حجّي” في قصيدة من النوع الحديث جداً، بعنوان “بيتي: أصرخُ بصوتٍ عالٍ: أين الماء؟ أين الخبز؟ أين ثيابي؟ لا أحد يصغي إلى كلماتي/ للمرة الثانية.. يا إلهي ماذا يحدث في بيتي؟/ أسمع أصوات الضرب/ آخ.. النجدة/ سأطمر نفسي في التراب/ الأخ يضرب أخاه/ إنهم يتضاربون/ الأم تشتم إبنتها/ الإبنة تردّ عليها دون خجل/ يسيطر الفوضى على البيت../ الأواني مبعثرة/ الأطفال يبكون، وهم متسخون../ ماهذه الحياة/ يامن تنادون بالسلام؟/ بيتي مثل وطني”14.
لا نجد في هذه القصيدة الإيقاع أو النغم، ولا التصوير أو الخيال، ولا اللغة الجميلة.. لا شعر، والأغرب عنوان المجموعة “هكذا أكتب للتاريخ”، فبعد كل التجارب والأفكار يراجع الشاعر نفسه، يكتب ويبرىء نفسه أمام الله والتاريخ، فمن أين يأتون بهذه العناوين؟ هل يتوقع أحدُهم وهو يختار عنواناً لمجموعته، بأن التقييمَ سيأتي وفق العنوان، أو المقدمة! إن الإيقاع في الشعر مهم، وهو ليس بغريب أو طاريء عليه، هو طبيعي ذات صلة وثيقة به، ولا ينحصر الإيقاع في الصوتي فحسب، وذلك عندما كان الشعرُ الكردي شفاهياً في إبداعه وتوصيله، أما وقد أصبحتِ القراءةُ وسيلةً للإبداع والتلقي، فمن الضروري أن يتمددَ مفهومُ الإيقاع، ليتجاوز الصوتَ، إلى ماهو مدرك بالحس والذهن والذوق، فهناك مثلاً الإيقاع التناغمي الداخلي، وأيضاً الإيقاع الدلالي. والشعرية في أحد أوجهها، شكلٌ خاصٌ من أشكال اللغة، واستخدام خاص لها، إذ يخرج الكلام عن المسار المألوف إلى ما يُدهش ويستفز ويُمتع. يقول “سليمان آزرْ”:
“في حلكة الليالي، تتلمس الأحلامُ النهودَ،
وحده، الحب خارج الليل”15.
لقد اعتمد الشاعرُ القديمُ في بناء قصيدته على وحدة البيت، ويمكن نقل كل بيت من مكان إلى آخر دون أي تأثير على القصيدة. أما في الشعر الحديث فالقصيدة تقوم على وحدتها ككل، أي تتحول برمتها إلى حالةٍ فنية، تُؤخذ كاملةً، وتُقرأ كاملةً، لأنها وحدة فنية، إن الإنتقال من وحدة البيت إلى وحدة القصيدة، وكسر الرتابة الإيقاعية، كان له الوقع السلبي على القارىء الكردي الذي نشأ على القصيدة السماعية: تراثية/ كلاسيكية، والتي تتكون من مجموعة أبياتٍ مستقلة، يربطها الرابط الشكلاني فقط، لذا ينفر أو يندهش هذا المستمع/ تالياً القارىء عندما يقرأ القصيدة الكردية الحديثة، لأن المعنى غير موجود أو ناقص في البيت أو المقطع، فلا يفهم مايعنيه الشاعر. يقول “تنكزار ماريني”:
” يحبل النشيدُ بباقة حب/ ويلتفتُ العلم حول الخصر الجميل/ والكلمة تجرم
بحق حروفها”16
ويزيد من دهشة قرّاء الشعر الحديث كثرة إستخدام الإسطورة، واعتماد هذا الشعر عليها، بدلاً من التشابيه المألوفة. ولما كانت الأساطيرُ ودلالاتها غير معروفة لدى القرّاء ـ وان كانت معروفة لدى البعض ـ فان غاياتها وأهدافها غير واضحة، ومما زاد في غرابة القصيدة الحديثة هو مبالغة الشعراء في إستخدام الأساطير الغريبة عن القارىء العادي، فكان ذلك تحدياً لمشاعر الكردي العادي، لأن إستخدام الأساطير غير المعروفة لا يخدم الغرض من أداء الشعر، وكذا الحال في تأويلها، وهذا مايخلق النفور في نفس القارىء الذي يريد أن يقرأ شعراً ببساطة يفهمه ويستلذ به:
” أعود صاعداً برج بابل/ أنادي بصوت جلجامش.. حبيبتي.. حبيبتي/ وأستغيث عندما لا تجيب/ أقتحم ديوان الموت/ أدوّن إسمي عند إسم أنكيدو/ وأرمي بنفسي من قمة البرج” 17.
والصورة الشعرية التي إحتلّتْ مكاناً بارزاً في القصيدة الكردية الحديثة في سوريا، غدتْ من أهم الأسس في التركيب الشعري، وأصبحت حالة شعرية تنبع منها المعاني التي يوحي بها الشاعر، وكذلك أخيلة القارىء، لما فيها من دفق شعري.
وإذا كان الشعر القديم يعتمد على ما هو مادي ويومي، فإن الشعرَ الحديث يعتمد على ما هو معنوي ومجرّد، وعلى ماهو مبتكر من الصور والإستعارات.
يقول فتح الله الحسيني:
” كما ساهمت في جنون فقي تيران/ هكذا أعرف مصيري…/ تلك الغرفة… سرير وكفن..” 18
هذه الصورة الشعرية مرسومة بالكلمات، وماتحمله هذه الكلمات من تشكيل فني مرتبط بالأفكار وايقاعها، إضافة إلى إيقاع الصور والإنسيابية داخل القصيدة على نحو درامي متنوع. وقد نجح بعض الشعراء الذين كتبوا القصيدة الحديثة إلى حدٍّ ما في هذيان الصورة وفنية الإيقاع، واستطاعوا أن يبنوا عبر كلمات القصائد والتعابير الجديدة تلك الموسيقى الداخلية بتصاعدٍ، يستطيع معه القارىء أن يحسه أثناء القراءة:
” أنا عازف على خصلات شعرك/ اعتزاز الخصلات…/ تجعل أسماك الأحواض ترقص../ أنا قبطان في البحر الحور../ في دوامة عينيك../ بقيتُ بلا قارب ولا سفينة..” 19.
أختتم هذه الدراسة، وهي حالات من كتابٍ كنتُ قد أعددته باللغة الكردية حول الشعر الكردي في سوريا، مؤشراً فيه إلى أن مملكة الشعر قد دخله من ليس أهلاً لها، حيث أن للشعر جاذبية وإغراء لا يُقاوم، لكن جهل بعض هؤلاء بالشعر جعل من مجموعاتهم الشعرية تقاريرَ عن الحالة المعاشية، وعن الجغرافيا والتاريخ، ودروساً في القومية والوطنية، كذلك فإن مجموعات البعض هي ألغازٌ لا يفهم كاتبها ماذا يقصد، وماذا يريد أن يقول، وقد تكاثر هؤلاء على مملكة الشعر، ووقفنا ننظر إليهم دون حراك، منتظرين نقّاداً ليدرسوا المشهد الشعري دون أن يتهمه أحدٌ بأنّ هذا الذي ينقد شعره جاسوس للإمبريالية العالمية.
الإحالات
1ـ جكرخوين، ثورة الحرية، الديوان الثاني، 1945.
2ـ جكرخوين، جمرة وشرار، الديوان الأول، مطبعة الترقي، شام 1945.
3ـ كلش، طريق الشعب، الديوان الثاني.
4ـ بي بهار، السجن، الديوان الأول، إصدار خاص.
5ـ دلاور زنكي، الصمود، إصدار خاص.
6ـ جكرخوين، ثورة الحرية.
7ـ كوني رش، وطني.
8ـ جكرخوين، ضياء، الديوان الرابع.
9ـ الجاحظ، الحيوان، ج 3.
10ـ جكرخوين، الشفق، الديوان السادس.
11ـ دلدار ميدي، القوس الأسود، إصدار خاص.
12ـ عمر لعلي، الهم والخوف، رينجبر.
13ـ مقابلة لكاتب المقال مع الشاعر.
14ـ لاوكي حاجي، هكذا أكتب للتاريخ، إصدار خاص، 1998.
15ـ سليمان آذر.
16ـ تنكزار ماريني، جمرات حلم هارب، إصدار خاص، 1993.
17ـ محمد حمو، تحت رحمة الحياة، إصدار خاص، 1999.
18ـ فتح الله حسيني، ما هكذا تُتلى أسفار الجحيم، إصدار خاص، 1998.
19ـ رِزّو غَرْزي، عندما عيونك، إصدار خاص، 2000.
* نشر المقال، أولاً في “حجلنامه”، العدد الثالث، المخصص للشعر الكوردي: من الملا الجزيري، إلى سليم بركات.
المصدر: تيريز. كوم