الرئيسية » مقالات » التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم الرابع عشر-مواقف كل من روسيا و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية و الهند من المسألة الكورد

التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم الرابع عشر-مواقف كل من روسيا و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية و الهند من المسألة الكورد

بعد إستعراض مواقف دول الجوار الكوردستاني و كل من إسرائيل و الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوربي من القضية الكوردية، أرى أنه من المفيد إلقاء الضوء على رؤية بعض الدول المهمة عالمياً للمسألة الكوردية و آفاق التعاون السياسي و الإقتصادي و الثقافي و العلمي معها. أتناول العلاقات الكوردية مع كل من روسيا و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية و الهند، حيث أن روسيا و الصين دولتان عضوتان دائميتان في مجلس الأمن الدولي و تتمتعان بإستخدام حق النقض، الفيتو، في المجلس المذكور، لذلك فأن مواقفهما من القضايا الدولية، و منها القضية الكوردية، لها تأثير كبير في صياغة و تحديد القرارات الدولية المتعلقة بالمسألة الكوردية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، الى جانب كون روسيا و الصين و اليابان و كوريا الجنوبية و الهند دولاً كبيرة و ذات تأثير كبير على سياسة و إقتصاد العالم.

روسيا دولة كبيرة و لها ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية، كانت الى الأمس القريب جزء من الإتحاد السوفيتي السابق و كانت الحاكمة الفعلية لهذا الإتحاد، بالإضافة الى قيادتها لحلف وارشو. إن مصالح روسيا تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بشكل عام و في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، حيث أنها قلقة من سيطرة الأمريكيين على آبار النفط في المنطقة و في الجمهوريات الآسيوية التي إنفصلت عن الإتحاد السوفيتي السابق بعد إنهياره، و تزايد الوجود الأمريكي في المنطقة و في الدول المجاورة لروسيا و القريبة منها، بحيث تكاد الولايات المتحدة تحاصر روسيا، بالإضافة الى القلق الشديد الذي تشعر به روسيا من إستحواذ و هيمنة الشركات الأمريكية على الإستثمار في دول الشرق الأوسط و إحتكار أسواق هذه الدول من قبل المنتجات الأمريكية. لذلك فأن روسيا وقفت ضد تحرير كل من أفغانستان و العراق من قبل القوات الأمريكية و تُعارض المشروع الأمريكي لدمقرطة الشرق الأوسط. كما أن روسيا تعمل على تقوية علاقاتها السياسية و الإقتصادية مع دول منطقة الشرق الأوسط للحصول على نفوذ في المنطقة و الحفاظ على مصالحها الإقتصادية فيها، حيث نرى المساعدات التقنية النووية التي تقدمها روسيا لإيران في بناء مفاعلات نووية و التي قد تؤدي الى إنتاج إيران لأسلحة نووية. روسيا بدأت تتحرك بإتجاه الدول الخليجية التي تشعر بأن أنظمتها مهددة من قبل المشروع الأمريكي لدمقرطة المنطقة و الذي بدأ بدمقرطة العراق ليصبح نموذجاً للدول الأخرى في المنطقة.

تلتقي المصالح الكوردية مع الإستراتيجية الأمريكية في دمقرطة منطقة الشرق الأوسط التي هي فرصة تأريخية للشعب الكوردي من التحرر من الهيمنة الأجنبية و التخلص من الأنظمة الشمولية العنصرية التي تتحكم في مصيره و أن إستلام الحكم في الدول المحتلة لكوردستان، من قبل قوى ديمقراطية، تساعد على إزالة الحدود المصطنعة بين أجزاء كوردستان المقسمة و تصبح كوردستان، بمختلف أجزائها وحدة جغرافية موحدة، حيث يبدأ التواصل الثقافي و الإقتصادي و السياسي بين الشعب الكوردي في كافة أقاليمه، مؤدياً الى توحيد كوردستان جغرافياً و إقتصادياً و ثقافياً و سياسياً و إجتماعياً بعد قرون من التقسيم و التجزئة . كما أن مصالح الكورد و الأمريكان تلتقي في محاربة الإرهاب، حيث تؤدي الى حماية الأمن القومي الأمريكي و تأمين الأسواق العالمية أمام المنتوجات الأمريكية و العمل على إدامة إنتاج البترول في المنطقة و إستمرارية تدفقه الى الغرب. من جهة ثانية، فأن النجاح في محاربة الإرهاب و القضاء عليه، يضمن ظهور أنظمة ديمقراطية في المنطقة، التي هي الضمانة الأكيدة للكورد لتحقيق أهدافهم القومية.

من هنا نفهم أن السياسة الروسية المعارضة للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، تعني عدم حماس الروس لتأييد القضية الكوردية. بالإضافة الى التباعد بين المصالح الروسية – الأمريكية، فأن المصالح الروسية مع إيران، التي تحتل جزء من كوردستان، و الأنظمة العربية، حيث يحتل كل من العراق و سوريا أجزاء من كوردستان، و تركيا التي تحتل الإقليم الشمالي من كوردستان، تزيد من معارضة روسيا لتأييد الحق الكوردي. كما أن روسيا نفسها تعاني من مشكلة القوميات و تطلعاتها نحو الإستقلال عن روسيا، كما في الشيشان و غيرها و التي تُشكّل عاملاً آخراً في سلبية الموقف الروسي تجاه تحرر الشعب الكوردي. الا أن هذا لا يعني إنعدام آفاق التعاون بين الكورد و الروس. يستطيع شعب كوردستان في الإقليم الجنوبي من إقامة علاقات إقتصادية مع الروس، خاصة في مجال التنقيب و إستخراج البترول و التنقيب عن الآثار في كوردستان، حيث أن للروس خبرة جيدة في هذا المجال، كما أن الروس قد أولوا إهتماماً جيداً بالثقافة الكوردية، خاصة اللغة الكوردية و التأريخ الكوردي، حيث درس المئات من الكورد في الجامعات و المعاهد الروسية و الكثير منهم تخصص في مجال اللغة الكوردية و التأريخ الكوردي، لذلك فأن هناك مجال واسع أيضاً للتعاون الثقافي بين الإقليم الجنوبي و روسيا.

الصين دولة كبيرة متقدمة و عضوة دائمة في مجلس الأمن الدولي و تحتفظ بترسانة كبيرة من الأسلحة النووية. الصين دولة منافسة قوية للولايات المتحدة الأمريكية، قد تكون مرشحة لخلافتها في قيادة العالم في المستقبل، حيث تبلغ نفوس الصين أكثر من مليار و مائتين مليون نسمة و يسجل الإقتصاد الصيني نمواً عالياً يبلغ 12٪ في بعض السنين. أحد أهم أسباب التواجد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط و أهداف مشروع الشرق الأوسط الكبير، هو محاصرة الصين و إبعاد خطرها على الأمن القومي الأمريكي و على الأحادية العالمية للقطب الأمريكي و وقف التهديد الخطير للصين على المصالح الأمريكية في العالم. لهذا السبب، فأن الصين تقف ضد الإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث عارضت الصين و روسيا و فرنسا عملية تحرير العراق من النظام البعثي الفاشي التي قامت بها القوات الأمريكية، مما إضطر معها الأمريكيون الى القيام بعملية التحرير، دون الرجوع الى مجلس الأمن لتفادي مواجهة الفيتو في المجلس المذكور من قبل تلك الدول. كما هو الحال بالنسبة الى روسيا، فأن للصين علاقات إقتصادية و عسكرية جيدة مع إيران، حيث تقوم بتزويد إيران بالصواريخ الباليستية و الزوارق الحربية، كما أن للصين مصالح إقتصادية مع الأنظمة العربية و تركيا. الصين لها مشاكل القوميات القاطنة فيها، مثل سكان التبت و المسلمين، لذلك فأن الصين حساسة و سلبية في موقفها من القضايا القومية، كالقضية الكوردية. الصين دولة صناعية و زراعية كبرى التي توفر فرص جيدة للكورد الجنوبيين الذين لهم إدارتهم الذاتية، من عقد إتفاقات إقتصادية و تجارية و ثقافية و علمية مع الصين و إستيراد المنتوجات الصينية، التي هي رخيصة الأثمان قياساً بالمنتوجات الغربية، و خاصة المنسوجات و الزجاج و الإستفادة من الخبرة الصينية في مجال الطب الطبيعي.

اليابان دولة صناعية و إقتصادية عملاقة. اليابان تؤيد الخطط الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث تحتفظ بقوات لها في العراق ضمن القوات المتعددة الجنسيات. هذا يعني أن موقفها من القضية الكوردية جيد، يجب على الكورد الإستفادة القصوى من هذا البلد العملاق. اليابان بلد شرقي، ثقافتها أقرب الى الثقافة الكوردية، قياساً بالثقافات الغربية. هذه البلاد تعرضت للدمار و هوجمت بالأسلحة النووية خلال الحرب العالمية الثانية و وقعت اليابان تحت النفوذ الأمريكي، حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت تحتفظ بقوات عسكرية على الأراضي اليابانية. بدء من إنتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت اليابان، بمساعدة أمريكية، في تبني النظام الديمقراطي و العمل على بناء البلد، بعد خراب و دمار شاملين. خلال أقل من خمسين سنة، إستطاع اليابانيون أن يبنوا بلدهم و يجعلوا من اليابان إحدى الدول الصناعية العملاقة في العالم. الكورد بحاجة ماسة الى الإستفادة من التجربة اليابانية الشرقية، حيث تتشابه الظروف الحالية لجنوب كوردستان مع الظروف التي كانت سائدة في اليابان، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، حيث كانت البنية التحتية لها مدمرة و البلد مُخرّب و الإقتصاد مُنهار و القوة البشرية مستنزفة. علينا الإستفادة من التجربة اليابانية الرائدة في بناء النظام الديمقراطي و إعادة بناء كوردستان و تطويرها و تصنيعها، بتلقيح ثقافتنا الشرقية مع التقدم التكنولوجي و العلمي و الإقتصادي. يجب على الكورد تشجيع الشركات اليابانية للإستثمار في كوردستان و إبرام إتفاقيات معها لتساهم اليابان في بناء كوردستان، حيث يمكن القيام بتجميع السيارات اليابانية في كوردستان و التعاون في المجالات الإلكترونية و الكهربائية و الطبية و غيرها و تدريب الكوادر الكوردستانية في مختلف المجالات.

كوريا الجنوبية عانت من الحروب الأهلية، حيث إنقسمت كوريا الى دولتين، كوريا الجنوبية التي إختارت النظام الديمقراطي، و كوريا الشمالية التي تَسلط عليها النظام الشمولي الدكتاتوري. لا يمكن المقارنة بين التقدم الهائل الذي أحرزته كوريا الجنوبية مع التخلف و الجوع اللذين تعاني منهما كوريا الشمالية. من هنا نرى التفوق الحاسم للأنظمة الديمقراطية على الأنظمة الشمولية المتخلفة. كوريا الجنوبية لها ثقافة شرقية كالكورد و مرت بظروف مشابهة للظروف الحالية التي يمر بها شعب كوردستان. إستطاع الكوريون الجنوبيون، بمساعدة أمريكية، حيث أن الأمريكان لا زالوا يحتفظون بقوات عسكرية في هذا البلد، أن يبنوا بلدهم المدمر و يجعلوا من كوريا الجنوبية بلداً صناعياً متقدماً. كوريا الجنوبية صديقة للأمريكان، حيث يحتفظ الكوريون الجنوبيون بقوات عسكرية في كوردستان، ضمن القوات المتعددة الجنسيات. يستطيع الكورد الإستفادة من تجارب الكوريين الجنوبيين و خبراتهم و فسح المجال لشركاتهم للمساهمة في بناء كوردستان و تطويرها. كما أن على الكورد الجنوبيين في الإقليم، من الإستفادة من التجربتين اليابانية و الكورية الجنوبية، بإبرام إتفاقية عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية بالسماح للأمريكيين ببناء قواعد عسكرية في كوردستان، حيث لا يكون بمقدور الكورد التمتع بالإستقلال السياسي و الإقتصادي و بناء البنية التحتية لكوردستان، في الوقت الذي تتعرض كوردستان لتهديدات و تدخلات و ضغوط خارجية، تركية و إيرانية و سورية و عربية. يستطيع الكورد الحفاظ على إستقلاليتهم و بناء بلدهم عندما يتوفر الأمن و السلام و الإستقرار في ربوع كوردستان. الإستقرار السياسي يحصل في كوردستان في حالة واحدة فقط، وهي تواجد قوات أمريكية في كوردستان لحماية الحكومة الكوردستانية و حماية المكتسبات التي حققها شعب كوردستان و التي تنجزها مستقبلاً، من التهديدات الخارجية. بدون حماية أمريكية للكورد، ستكون التجربة الكوردستانية معرضة للإنهيار و لا يمكن تأمين حماية منجزات شعب كوردستان.

تبلغ نفوس الهند حوالي مليار نسمة، وهي دولة يجتمع فيها الكثير من القوميات و الأديان و الثقافات. ثقافات الشعوب الهندية قريبة من الثقافة الكوردية، مقارنة بالثقافات الغربية. اللغة الكوردية و الهندية قريبتان من البعض، حيث تقعان، مع اللغات الفارسية و الأوردية و البنغالية، على فرع واحد من الشجرة اللغوية لللغات الهندو أوروبية. كما أن الديانات الكوردية القديمة، مثل الزرادشتية و الإيزيدية و الكاكائية، هي قريبة للديانة الهندوسية. الهند بلد شرقي له تجربة ديمقراطية عريقة، يمكن للكورد الإستفادة منها في تجربتهم الفتية. الهند دولة تعاني من مشاكل عرقية و دينية، خاصة مع الكشميريين و السيخ، و تعاني من العمليات الإرهابية، لذلك فأن الهند متحمس لمحاربة الإرهاب العالمي، إلا أن له موقف سلبي من حقوق القوميات، مثل القومية الكوردية، بسبب تواجد الكثير من القوميات في الهند. الهند بلد متقدم يمكن للكورد الإستفادة من الخبرات العلمية و السياسية للهنود و عقد إتفاقيات إقتصادية و تجارية و علمية و ثقافية معهم.

mahdi_kakei@hotmail.com