الرئيسية » مقالات » التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم الثاني عشر-موقع شعب كوردستان في السياسة الأمريكية

التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم الثاني عشر-موقع شعب كوردستان في السياسة الأمريكية

أثناء فترة الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة الأمريكية و حلفاؤها الغربيون تعيش حالة تنافس مصيري مع الإتحاد السوفيتي السابق و حلفائه في حلف وارشو، في محاولة كل طرف للمحافظة على نظامه السياسي و هزيمة غريمه و نشر آيديلوجيته في العالم و فرض نموذج حكمه على العالم و التحكم فيه. نظراً لإمتلاك كل من حلف الأطلسي و وارشو آنذاك لترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل، و خاصة الأسلحة النووية، فأن وقوع حرب مباشرة بين الفريقين المتخاصمين كانت تؤدي الى دمار شامل للطرفين و كارثة إنسانية للعالم أجمع. لذلك فأن القوتين المتنافستين العظميين تفادتا الصدام المباشر و قامتا بكسب صداقات حكومات و حركات مختلفة في العالم و التحالف معها و دعمها للقيام بحروب بالنيابة عنها لتحقيق أهداف كل من الحلفين المتخاصمين. أُطلق مصطلح (الحرب الباردة) على الحرب غير المباشرة بين كل من حلف الأطلسي و حلف وارشو و الحرب بالنيابة عنهما من قبل دول و منظمات عديدة في العالم في محاولتهما لإيجاد نفوذ و هيمنة و الحفاظ على مصالحهما الحيوية في العالم و خلق ظروف ملائمة لدحر الآخر و إنهياره. هناك أمثلة كثيرة على حرب النيابة، منها على سبيل المثال الحروب العربية- الإسرائيلية، حيث كان الحلف الأطلسي يدعم الإسرائيليين ، بينما دول حلف وارشو كانت تدعم الحكومات العربية، و هكذا بالنسبة لحرب فيتنام ضد الوجود الأمريكي و حرب أفغانستان ضد الإحتلال السوفيتي و كثير من الحروب بين دول أو حركات تحرر في مختلف بقاع العالم.

إنعكست الحرب الباردة سلباً على القضية الكوردية بشكل كبير و عرّضت شعب كوردستان الى الإبادة و المآسي و الحرمان، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحتضن الحكومات الشمولية و الدكتاتورية في منطقة الشرق الأوسط، مثل السعودية و دول الخليج الأخرى و حكومة شاه إيران و النظام التركي العنصري، و تدعمها سياسياً و عسكرياً بكل قوة، في محاولتها لكسب صراعها مع الدول الشيوعية، مضطرة الى التغاضي عن حقوق الإنسان في هذه الدول و الإضطهاد و القهر و الظلم التي كانت شعوب هذه الدول تعاني منها. من جانب آخر، كانت الكتلة الشيوعية بقيادة الإتحاد السوفيتي السابق تدعم حكومات عروبية دكتاتورية في المنطقة، مثل النظامين البعثيين العنصريين في كل من العراق و سوريا و حكومة عبد الناصر في مصر، مُشكّلة جبهة مضادة للجبهة الأمريكية في المنطقة. لسوء الحظ، إضطرت الإدارات الأمريكية المتعاقبة الى تشجيع الفكر الإسلاموي المتزمت المتمثل بالفكر الوهابي المتخلف في المجتمعات الإسلامية بالإعتماد على الأموال الطائلة التي كانت تحصل عليها دول الخليج، و خاصة المملكة العربية السعودية، في كفاحها من أجل كسب الحرب الباردة لصالحها. إستغلت السعودية ظروف الحرب الباردة لنشر الفكر الوهابي الظلامي في مختلف أنحاء العالم و حتى بين الجاليات المسلمة المقيمة في الدول الغربية. بإنهيار الإتحاد السوفيتي، إنتهت الحرب الباردة و بعدها بدأ الإرهاب العالمي بالإنتشار نتيجة هذا الفكر المتزمت القائم على العنف و الكراهية و إلغاء الآخر و تملُّك الحقيقة المطلقة، و الذي أخذ يهدد الحضارة الإنسانية. بالإضافة الى فرض ظروف الحرب الباردة هذا الواقع المؤلم على شعب كوردستان، فأن المصالح الإقتصادية لكل من دول حلفي الأطلسي و وارشو مع الأنظمة الدكتاتورية و العنصرية في منطقة الشرق الأوسط، و خاصة الدول النفطية الغنية، زادت من مأساة شعب كوردستان و معاناته، حيث كان تابعاً للدول المحتلة لبلاده و يفتقد الى كيان سياسي، لفرض وجوده في المنطقة و يلعب دوراً في العلاقات السياسية و الإقتصادية الدولية و ليصبح نقطة إستقطاب لإهتمام الدول الكبرى.

بعد إنتهاء الحرب الباردة و العمليات الإرهابية التي وقعت في واشنطن و نيويورك، بدأت الإستراتيجية الأمريكية تأخذ منعطفاً جديداً لحماية أمن الولايات المتحدة و المحافظة على مصالحها الحيوية في العالم و بدأت تتولد معالم نظام عالمي جديد. لنُركّز هنا على الإستراتيجة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تقع كوردستان. الأمن القومي الأمريكي بل الحضارة الغربية و قيمها باتت معرضاً لتهديد خطير من قبل قوى الإرهاب الإسلاموي و التي أنتجتها الثقافة الإسلاموية المتأصلة في المنطقة أو بتحديد أدق فأن منبع الفكر الإرهابي هو المملكة العربية السعوبية و الدول الخليجية الأخرى. لذلك، لضمان وقاية الولايات المتحدة و الحضارة البشرية من خطر الإرهاب المتفاقم، لابد من إزالة منابع الإرهاب و نشر ثقافة المحبة و التسامح و قبول الآخر و حرية المعتقد و المبادئ الديمقراطية و الحريات بين شعوب المنطقة. من هنا ندرك أنه لابد من إنجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير للمحافظة على الأمن القومي الغربي و على التقدم الحضاري العالمي. هذا يعني أن مشروع دمقرطة الشرق الأوسط غير مرتبط بإدارة أمريكية معينة دون غيرها لأن الحرب على الإرهاب العالمي هي حرب مصيرية بالنسبة للعالم الغربي المتمدن، كما كانت الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي السابق و حلفائه و لا بد من االفوز فيها. الى جانب إجتثاث الإرهاب في العالم، يهدف مشروع الشرق الأوسط الكبير الى ضمان حماية إنتاج البترول في المنطقة و تأمين تدفقه الى الغرب، حيث أن النفط هو شريان حياة الغرب للتزود بالطاقة التي يحتاجها لغرض التدفئة و المواصلات و الإنتاج. كما أن الأمريكيين يهدفون من وراء مشروعهم خلق شرق أوسط آمن و مسالم و مستقر ملائم للإستثمارات الغربية و إنتقال رؤوس الأموال فيه و جعله سوقاً مربحاً لمنتجاتهم و خلق بيئة مناسبة للتعايش السلمي بين العرب و الإسرائيليين لضمان أمن إسرائيل، وبين كافة القوميات و الأديان و المذاهب القاطنة في هذه المنطقة، و منها شعب كوردستان. من أهداف مشروع الشرق الأوسط الكبير هو الحد من النفوذ الصيني و الروسي و الهندي في المنطقة و محاصرتها للتقليل من خطورتها على الأمن القومي الأمريكي. المشروع المذكور يرمي أيضاً الى حماية حقوق الإنسان في دول منطقة الشرق الأوسط و تبني المبادئ الديمقراطية و إطلاق الحريات و حرية المرأة و رفع المستوى الثقافي و الإجتماعي و المعيشي لشعوب المنطقة.

نظراً لتخلف المجتمعات الشرق الأوسطية، أرى أن عملية دمقرطة المنطقة تحتاج الى إتباع وسائل واقعية لإنجاحها. التخلص من الأنظمة الفاسدة و الدكتاتورية تفتح آفاقاً رحبة أمام شعوب المنطقة للتطور و تحسين الحالة المعيشية لها، حيث أن الفقر يخلق بيئة جيدة لنشر الأفكار الإرهابية الشريرة و لتجنيد المزيد من المواطنين و زجهم في أعمال إرهابية. كما أن تنظيم الإصلاحيين و العلمانيين و الديمقراطيين لأنفسهم في أحزاب و منظمات و تلقيهم الدعم الكامل من الدول الغربية الديمقراطية و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و بناء مؤسسات المجتمع المدني و تطوير بلدان المنطقة، كلها خطوات ضرورية للقضاء على الأفكار الإسلاموية و العنصرية و الإقصائية و الكراهية و نشر روح السلم و المحبة بين شعوبها و خلق مجتمعات متقدمة و دول متعاونة و متكاتفة فيما بينها تبني مصالحها على المنافع المتبادلة.

بعد أن كان الكوردستانيون ضحايا الحرب الباردة، يتعرضون للإبادة و لكافة أنواع الإضطهاد و القمع، بتأييد أو موافقة الدول العظمى آنذك، فأن المستجدات العالمية خلقت لهم فرصة تأريخية فريدة في حياة الشعب الكوردستاني في تأريخه المعاصر، حيث تلتقي المصالح الكوردستانية و الأمريكية لأول مرة في التأريخ لبناء شراكة إستراتيجية لدمقرطة المنطقة و محاربة الإرهاب العالمي. شعب كوردستان المجزأ و المُقسّم وطنه و المضطهد عبر تأريخه الطويل، هو شعب مؤهل بجدارة ليكون طرفاً مهماً في تحمل أعباء تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، حيث أنه شعب متفتح و مسالم، يعشق الحرية و كفوء، مؤهل أن يتطور و يتقدم و أنه يتقبل الأفكار البناءة بسرعة و بسهولة. الطريق الى النجاح في أن ينجح الشعب الكوردستاني في مهمته التأريخية ليصبح طرفاً رئيسياً في دمقرطة المنطقة و مساعدة شعوب دولها في التحرر من الأصنام الجاثمة على صدورها، و المتمثلة بحكوماتها المتوحشة و الفاسدة و القضاء على الإرهاب، هو رص صفوف جبهته الداخلية و تفضيل المصلحة القومية على المصالح الشخصية و الحزبية التافهة.

في الإقليم الجنوبي من كوردستان، الذي تديره حكومة كوردستانية، يجب المضي في تعميق التجربة الديمقراطية و إحترام حقوق المواطنين و حريات المعتقد و التعبير و التملك و غيرها و الإعتراف بحقوق القوميات و أصحاب الأديان و المذاهب المختلفة و بناء مؤسسات المجتمع المدني، كالنقابات و الإتحادات و الجمعيات، بعيداً عن التبعية الحزبية أو الحكومية، و التخطيط المبرمج لبناء البنية التحتية المهدمة لكوردستان و تطوير البلاد سياسياً و إقتصادياً و عسكرياً و رفع المستوى الفكري و الثقافي و العلمي و الإجتماعي و التعليمي و المعيشي و الصحي للمواطن الكورددستاني و الإلتزام بالوسائل الحضارية السلمية في النضال القومي و الإنساني لإستعادة حقوق الشعب الكوردستاني و تشخيص الأصدقاء و الأعداء بشكل سليم و موازنة العلاقات مع القوى الداخلية و الإقليمية بروية و دراسة واقعية. الإدارة الأمريكية يحمي الكورد في الإقليم و لا تسمح لكل من تركيا و إيران و سوريا بالتدخل في الشؤون الداخلية للإقليم أو الإعتداء عليه، حيث أصبح الكورد طرفاً مهماً في تحمل أعباء إنجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير.

في الأقاليم الكوردستانية الأخرى، التي لا زالت تحت الإحتلال الأجنبي، يجب خلق جبهة سياسية موحدة في كل إقليم و وضع برامج سياسية واضحة لها و وسائل النضال لتحقيق تحرر الكوردستانيين في هذه الأقاليم. على السياسيين و المثقفين فيها أن يضعوا مصلحة شعبهم و أمتهم فوق المصالح الشخصية و الحزبية و أن يتحرروا من العقليات البالية المشبعة بثقافة عصر زمن الحرب الباردة و أن ينظفوا عقولهم من شوائب و تأثيرات ثقافات الشعوب المتحكمة بهم و يعيدوا الثقة بأنفسهم، حيث ينتمون الى أمة عريقة و أصيلة، لها جذور تمتد الى عمق التأريخ، لكي يستوعبوا النظام العالمي الجديد ويكونوا بمستوى الأحداث و المتغيرات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط و التي تشكل كوردستان جزء مهماً منها. إن الإستعدادات الكوردستانية للمشاركة في إعادة تكوين النظام السياسي الشرق الأوسطي و ليصبح الكورد طرفاً رئيسياً في الجبهة الديمقراطية القائمة بمهام هذا التغيير، هي إستعدادات خجولة دون المستوى المطلوب، و خاصة في الإقليمين الشرقي و الغربي من كوردستان، حيث قواهما مشتتة و قد تطغى المصالح الشخصية و الحزبية على المصلحة القومية . تحتاج الأحزاب و القيادات التقليدية فيهما الى رفدها بكفاءات شابة واعية تستوعب متطلبات المرحلة التي نمر بها و قادرة على إبتكار مفاهيم و برامج عصرية و كلها عزيمة و نشاط و عمل متواصل لتحقيق أهداف الشعب الكوردستاني و تبني الثقافة الديمقراطية في داخل التنظيمات الحزبية و مؤسسات المجتمع المدني. النظام العالمي الجديد فرض وسائل حضارية سلمية تستطيع الشعوب المستعمَرة و المضطهَدة اللجوء إليها في نضالها لنيل تحررها و رفاهيتها و تقدمها، بعيداً عن وسائل العنف التي أفرزتها ظروف الحرب الباردة التي كانت قائمة حينذاك . أرى أن الكورد، بوحدتهم و شفافية هدفهم و تنظيم جماهيرهم يستطيعون تحقيق النصر على أعدائهم و تحرير أنفسهم و كوردستانهم بإتباع الكفاح السلمي مثل القيام بالعصيان المدني و التظاهر و الإضراب عن العمل و عن الطعام و الإعتصام.

إن تنظيم الكودستانيين لأنفسهم و توحيد صفوفهم و تمسكهم بالمبادئ الديمقراطية و قبول الآخر، تؤهل شعب كوردستان أن يكون شريكاً مميزاً في الجبهة العاملة لدمقرطة منطقة الشرق الأوسط و تحرير شعوبها من الأفكار العنصرية و المتخلفة و من العبودية و الجهل و الفقر و المرض و الإرهاب و إزالة الأنظمة الشمولية و الدكتاتورية و العنصرية فيها. نجاح مشروع الشرق الأوسط الكبير يُعتبر نصراً تأريخياً فريداً لشعب كوردستان، حيث ستنبثق حكومات ديمقراطية في دول المنطقة و تختفي الحواجز و الحدود و يبدأ التواصل و التكامل بين أجزاء كوردستان المجزأة و تحتضن بعضها البعض بعد فراق طويل و فصل قسري. هكذا بالنسبة للشيعة و الأذربايجانيين و البلوش في المنطقة، حيث تتوحد أوطانهم من جديد و تتوحد شعوبهم بعد تقسيم جائر.