الشعب الكوردي و الإسرائيلي يختلفان عن العرب إثنياً و ثقافياً و تأريخياً، بكونهما ينتميان الى قوميتين لهما لغتهما و ثقافتهما و تأريخهما الخاصة بهما. إضافة الى الإفتراق اللغوي و الثقافي و التأريخي، فأن الإسرائيليين يفترقون أيضاً عن العرب دينياً، بينما يفترق الكورد عن العرب في الإنتماء العرقي أيضاً، حيث أنهم ينتمون الى الأقوام الآرية، بينما ينتمي العرب الى الأقوام السامية. صحيح أن الكورد يشتركون مع العرب في الإنتماء الديني، حيث أن غالبية الشعب الكوردي من المسلمين، الا أن الكورد متسامحون و منفتحون دينياً، بعكس العرب حيث الإنغلاق و التزمت و الإقصاء و العنف و رفض الأديان الأخرى.
الكورد و الإسرائيليون يشتركون معاً في التعرض للإبادة و الظلم من قبل العرب منذ بدء العرب بالقيام بغزواتهم الإسلامية و إحتلالهم للمنطقة. خلال الحكم العربي، حاول العرب طمس الهوية و التأريخ و الثقافة الكوردية و الإسرائيلية و القضاء على لغتهما. اليهود في الجزيرة العربية و اليمن تعرضوا للإبادة و الإستعباد و التهجير بظهور الدعوة الإسلامية و لذلك لا نرى أي وجود لهم في المملكة العربية السعودية و اليمن في الوقت الحاضر. خلال الإحتلال العربي لكورستان و بعده، تعرض الكورد للإبادة و القتل. يحدثنا التأريخ عن عمليات الأنفال التي قام بها القائد العربي الإسلامي أبو عبيدة الجراح خلال إحتلاله لكوردستان، حيث قام بأنفلة (قتل) حوالي خمسة عشر ألف كوردي في مدينة جلولاء وحدها. من هنا ندرك أن الإسرائيليين و الكورد من ضحايا القمع الإسلامي خلال أربعة عشر قرناً و يتعرضون للعداء و الكراهية من قبل العرب و الفرس و الترك، خلال حكمهم للمنطقة و يتعرض وجودهم لخطر الفناء بسبب عمليات الصهر العنصري و تعرض ثقافتهم للإلغاء و التشويش بسبب تحكم العرب و الفرس و الترك العنصريين بمصيرهم خلال حقبة زمنية طويلة و نتيجة الفكر العنصري الذي يحملونه تجاه القوميات الأخرى و تجاه ثقافاتها و التهديدات الخطيرة التي يتعرض لها الشعبان في الوقت الحاضر من قبل أعدائهما الذين يتوعدونهما بالقضاء على وجودهما. إذن الشعب الكوردي و الإسرائيلي محاطان بالأعداء من كل جهة و يلتقيان في مواجهة نفس الأعداء و يشتركان في المصير و يتعرضان للأخطار و التحديات نفسها و تجمعهما هموم مشتركة. يريد العرب إلقاء الإسرائيليين في البحر و يسمون كوردستان ب(إسرائيل ثانية).
المشكلة أن الحكومات العنصرية العربية لا تعادي الكورد و الإسرائيليين لوحدها، و إنما لقنت الشعوب العربية المسكينة الكراهية و العنصرية و روح العنف و الإلغاء و أشغلت هذه الشعوب بوهم وجود تهديدات خارجية، مثل التهديد الكوردي و الإسرائيلي و زجتها في حروب و صراعات لا مصلحة لهذه الشعوب فيها، للإبقاء على سلطتها و نهب ثروات شعوبها المقهورة و المستعبدة. نظراً للأفكار الإسلاموية المتزمة و دكتاتورية معظم الأنظمة الإسلاموية و نظراً للمصالح الإقتصادية التي تربط هذه الأنظمة بالأنظمة العروبية الغنية، فأن الإسلامويين في هذه الدول يساندون الأنظمة العروبية و يعادون شعوباً مثل الكورد و الإسرائيليين. ها نرى النظام الإيراني يهدد بإزالة إسرائيل من الوجود و تقصف طائراته كوردستان و يتآمر مع النظامين التركي و السوري على شعب كوردستان و منعه من التحرر و التقدم. الكورد و الإسرائيليون محاطون بالأعداء و لولا قوة إسرائيل و تفوقها على العرب بتبنيها نظاماً ديمقراطياً و تقدمها العلمي و التكنولوجي و الإقتصادي و العسكري، لكان مصير الإسرائيليين الإلقاء في البحر و لأصبحوا طعاماً للأسماك في قيعان البحار منذ زمن بعيد. لولا الحماية الأمريكية للكورد في إقليمهم الجنوبي، لتعرضوا الآن الى حملات الأنفال و الإبادة من قبل العروبيين و الطورانيين و الفرس و لأُبيدواا شر إبادة و لَكُنّا الآن نترحم على الأنفال البعثية التي قاموا بها ضد الكورد في عام 1988. هذه حقيقة يجب الإعتراف بها و عدم التهرب منها و أن لا نستمر في المجاملات و ترديد شعارات كاذبة عن الإخوة و الشراكة بين الكورد و كل من العرب و الترك و الفرس و بالتالي التفريط بحقوق شعب كوردستان بالإعتماد على أوهام الإخوة و الشراكة التي لا وجود لها و بالتالي دفع الكورد الى التهلكة و الفناء. أتساءل هنا في أية مدينة عربية أو تركية أو فارسية أو إسلامية خرجت مظاهرات إحتجاجية ضد قتل الكورد بالسلاح الكيمياوي في حلبجة و دفن مائة و إثنين و ثمانين ألف كوردي أحياء في عمليات الأنفال الوحشية؟. ربما قائل يقول هنا بأن العرب و المسلمين تحكمهم حكومات قمعية و لم يتجرؤا على القيام بالتنديد بتلك الجرائم البشعة التي قل نضيرها في التأريخ. طيب، هل لم تكن بإستطاعة الجاليات العربية و الإسلامية المقيمة في الدول الغربية الديمقراطية تنظيم إعتصامات و مظاهرات ضد النظام البعثي العراقي دفاعاً عن ضحايا الكورد الأبرياء؟ في الوقت الذي كانت الطائرات البعثية تحوم فوق كوردستان و تقوم بإلقاء سمومها على سكان حلبجة الآمنين، كان ملوك و رؤساء الدول الإسلامية مجتمعين في الكويت حيث كانوا يشاركون في المؤتمر الإسلامي الذي كان منعقداً هناك دون أن يرفعوا صوتهم دفاعاً عن شعب كوردستان المنكوب ذي الأغلبية المسلمة، بل سكتوا عن تلك الكارثة الإنسانية، بينما قام أكثر من عشرين ألف إسرائيلي بمظاهرة حاشدة في تل أبيب، ينددون بجريمة قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية و يعلنون مواساتهم لشعب كوردستان.
قد يقول قائل بأن من مصلحة إسرائيل إنتزاع إعتراف الحكومات العربية و الإسلامية بها و عقد إتفاقيات سلام معها، لذلك فأن الإسرائيليين لا يرغبون في تأييد القضية الكوردية و لايريدون التحالف مع شعب كوردستان الذي يعاديه كل العرب و المسلمين. تفاهم إسرائيل مع الحكومات العربية و الإسلامية لا يجلب السلام للإسرائيليين و لايقلل من الخطر المحدق بالأمن القومي الإسرائيلي. على سبيل المثال، نرى أن إسرائيل و مصر قامتا بتطبيع العلاقات بينهما و أقامتا علاقات دبلوماسية منذ أكثر من عشرين عاماً، الا أن هذا التطبيع لم يستطع من جعل علاقة الشعبين علاقة شفافة و طبيعية و لم يقدر على التقليل من عداء المصريين للإسرائيليين أو رفع الحاجز النفسي بين الشعبين. قيام العرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لم يتَأَتَ عن قناعة و إنما نتيجة ضعف العرب و تفوق الإسرائيليين. إذن تطبيع العرب و المسلمين لعلاقاتهم مع إسرائيل في الوقت الحاضر هو هدنة مؤقتة بين الجانبين و ليس إتفاقات سلام دائم مع إسرائيل. عندما يصبح توازن القوى بين الإسرائيليين و العرب و المسلمين لغير صالح الإسرائيليين، ستقوم االأنظمة العربية و الإسلامية التي لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بتمزيق إتفاقياتها مع إسرائيل، كما عمله صدام حسين مع إتفاقية الجزائر التي وقعها مع إيران في عام 1975 و إحتمال الإستيلاء على السفارات الإسرائيلية في تلك الدول و حجز الدبلوماسيين الإسرائيليين، كما قام به النظام الإيراني بعد إنهيار حكم الشاه و إستلام الحكم في إيران من قبل رجال الدين. هناك نقطة مهمة أخرى في هذا المجال وهي ما تؤول إليه مصير العلاقات الإسرائيلية مع الأنظمة العربية و الإسلامية في حالة زوال هؤلاء الحكام و إستلام جماعات متشددة و معادية لإسرائيل الحكم في هذه الدول و خير مثال على إمكانية حدوث هذه الحالة هو العلاقات الممتازة التي كانت تربط حكومة شاه إيران بإسرائيل و ما آلت إلية العلاقة بين البلدين بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، حيث قطعت إيران علاقاتها مع إسرائيل و أُقيمت سفارة فلسطين في نفس البناية التي كان الإسرائيليون يتخذونها سفارة لهم في إيران.
من هنا يتبين لنا أن نجاح إسرائيل في إقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومات العربية و الإسلامية لا تضمن أمن إسرائيل و لا تستطيع إزالة العداء التأريخي بين الجانبين. التهديد الذي يواجهه الوجود الإسرائيلي في المنطقة يمكن ضمانه و تأمينه في حالة واحدة فقط وهي تغيير الفكر العروبي و الإسلاموي و تحسين الوضع المعيشي للشعوب العربية و الإسلامية. يتم ذلك بدمقرطة دول الشرق الأوسط و تغيير مناهج التعليم و التربية المتزمتة و خلق صحافة حرة و ظهور أنظمة سياسية تعددية، تحترم الحريات و حقوق الإنسان ومساواة المرأة و الرجل و تقبل الآخر المختلف و تحترم الرأي الآخر و تعمل على تقدم بلدانها و خدمة شعوبها و رفاهيتها.
من هم اللاعبون الذين تلتقي مصالحهم مع عملية دمقرطة دول الشرق الأوسط و المؤهلون للقيام بتنفيذ هذه المهمة الى جانب الإسرائيليين؟ تلتقي مصالح شعب كوردستان مع تغيير البنية السياسية و الفكرية و الإجتماعية لشعوب منطقة الشرق الأوسط لأسباب كثيرة و معروفة، سبق لي أن تطرقت إليها بشيئ من التفصيل في حلقات هذه السلسلة من المقالات. لذلك نجد الكوردستانيين في مقدمة اللاعبين في دمقرطة المنطقة و بالتعاون مع الإسرائيليين و شعوب مضطهدة أخرى تعيش في المنطقة. بالإضافة الى الكوردستانيين و الإسرائيليين سيساهم الشعب الأفغاني المتحرر من الحكم الطالباني الظلامي و كذلك الشعوب الآذرية و التركمانية في إيران و الشعب البلوشي في كل من إيران و باكستان و أفغانستان. كون الشيعة في المنطقة من المضطهدين لحقبة تأريخية طويلة، فأنهم مؤهلون للمساهمة الفعالة في العملية التغييرية الديمقراطية، حيث سينضمون الى الجبهة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط و يصبحون شركاء رئيسيين فيها بعد زوال الحكم الإيراني الذي له تأثير مذهبي كبير على شيعة العالم أجمع. كما أن القوى الليبرالية و الديمقراطية العربية و التركية و الفارسية ستجد نفسها ضمن جبهة التغيير الديمقراطي.
إذن تلتقي مصالح شعب كوردستان مع مصالح الشعوب الأخرى المضطهدة و التي يتعرض وجودها للخطر في المنطقة و يجمع هذه الشعوب مصير مشترك و تتحمل مسؤولية تأريخية كبرى لدمقرطة منطقة الشرق الأوسط بدعم أمريكي و بريطاني لتحرير شعوب المنطقة، بما فيها الشعوب العربية و التركية و الفارسية من العبودية و الدكتاتورية و القهر و الفقر و المرض و الجهل و الحروب و من الأفكار الشمولية و العدائية و المتزمتة و وضع صرح جديد لحياة سكان منطقة الشرق الأوسط المبني على الديمقراطية و إحترام الحريات و حقوق الإنسان و السلام و قبول الآخر و التعاون السياسي و الإقتصادي و العلمي لبناء دول المنطقة و تقدم شعوبها و جعلها شعوباً متحضرة و منتجة و لتصبح طرفاً مهماً في بناء الحضارة الإنسانية و خدمة الجنس البشري، حيث تتوفر في المنطقة الثروة البشرية و الطبيعية و التكنولوجيا المتقدمة التي تجعل أن تتكامل دول المنطقة مع بعضها البعض لتصبح فردوساً لشعوبها و لنودع السلاح و الحروب و القتل و الدمار و روح الكراهية و الثأر و التزمت و الى الأبد.
من هنا ندرك أن قدر الكوردستانيين و الشعوب المقهورة الأخرى و شعب إسرائيل، أن يتحدوا و يتحالفوا من أجل تغيير الأنظمة الدكتاتورية و الأفكار الظلامية لضمان وجودهم و مستقبل أجيالهم القادمة. على شعب كوردستان أن يضع إستراتيجيته على ضوء هذه الحقائق و التنسيق الكامل مع الإسرائيليين و مع الشعوب الأخرى المضطهدة لتحقيق إستقلال كوردستان و الحرية و الرفاهية لشعبه الشجاع، و الا سيتعرض هذا الشعب الأبي الى مزيد من الأنفالات و القصف الكيمياوي و يُحفَر له المزيد من المقابر الجماعية. علينا أن نتحمل مسئوليتنا بكل إباء و إخلاص و أن نبعد عن أنفسنا المزيد من الهزائم و التشرد و العبودية. عندما ننهزم و نفشل في مسيرتنا، حينئذ لا تنفع التبريرات و تحليل للنتائج الكارثية، و إنما يعني أننا شعب فاشل لا نستحق الحياة و سيلعننا التأريخ و تلعننا الأجيال الكوردستانية القادمة.
الرئيسية » مقالات » التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم الحادي عشر-كوردستان و إسرائيل