هناك العديد من العناصر الإيجابية في الواقع الكوردستاني و التي يجب على الشعب من الإستفادة القصوى منها لتحقيق تحرره و توحيد جسد أمته الممزقة و بناء دولته المستقلة و تحقيق حلمه في التقدم و الرخاء و اللحاق بالأمم المتقدمة. عندئذ يتمكن من إيجاد هويته المفقودة، التي طمسها الأعداء في غفلة من الزمن، و كتابة تأريخه، الذي أهمله و مسحه المحتلون و البحث في ثنايا التأريخ و في أتربة الآثار القديمة للأزمنة الغابرة، للعثور على ثقافته المفقودة، بعد أن فُرضت عليه ثقافات الشعوب المهيمنة، وتوحيد لغته الجميلة وتطويرها، بعد أن مُنع من تعلمها و تداولها، و إستغلال ثرواته الطبيعية الهائلة، لتتوزع خيراته المعطاء على شعبها العريق، بعد أن نهبها الغرباء و جعلوها في خدمة ملذاتهم الرخيصة و حمماً من النيران و القنابل و مطراً كيمياوياً على أصحابها، يبيدون بها أطفاله و نساءه و رجاله، و إستغلال ثرواته المائية لإحياء الأرض و الزرع في السهول و الوديان و على سفوح الجبال، بعد أن أماتها الحاقدون العنصريون و حرقوها بأحقاد نيران طائراتهم و دباباتهم و مدافعهم و من ثم لتصبح كوردستان عروسة الشرق، مركز إشعاع للحرية و الديمقراطية و التقدم و الإزهار في منطقة الشرق الأوسط، و عندئذ تنير أضواء نيران باباكركر ليالي الشرق، معلنة عن إطلالة نوروز جديد.
حب الكورد لوطنهم و شعورهم القومي العالي و العميق و عشقهم للحرية، تُعتبر من أهم العناصر الإيجابية التي تُعبّد طريق الحرية أمامهم و تدفعهم الى بذل المزيد من الكفاح و العمل من أجل ضمان مستقبل جميل لهم و للأجيال القادمة. التضحيات السخية و القرابين الكثيرة التي دفعها الشعب الكوردستاني و لا زال يدفعها في سبيل تحرير وطنه، تشهد على عمق إرتباط هذا الشعب بأرضه و ثباته و إصراره بعزيمة لا تقهر، على تحقيق آماله، رغم المخاطر و الأهوال و الصعوبات. ثبات الشعب في كفاحه المرير الدامي و النجاح في الحفاظ على وجوده و تحقيق بعض مطامحه في إقليمه الجنوبي، رغم قوة و قساوة و شراسة و وحشية أعدائه و رغم الخلل الكبير في توازن القوى بينه و بين محتليه، تؤكد أن شعب كوردستان سينتصر على أعدائه و يحقق أهدافه النبيلة التي يناضل و يضحي من أجلها. بكل تأكيد سيصل الى أهدافه كاملة ما دام يحمل هذا العزم و الإصرار اللذين لا يعرفان التخاذل و اليأس و أن تحقيقها مرتبط فقط بعامل الزمن لتنضج مقومات ولادتها و يحين وقت بزوغ شمسها. كما أن رغبة أكثر من 98٪ من سكان الإقليم الجنوبي من كوردستان في إستقلال الإقليم، في الإستفتاء الذي أجري في العام الماضي، تشير الى رغبة الأكثرية الساحقة من الكورد في إقامة دولتهم المستقلة، أسوة بشعوب العالم الأخرى، ليكونوا أحراراً في بلدهم، يقررون مصيرهم و مستقبلهم بأنفسهم.
هنا من الضروري التأكيد على أن الحس القومي الكوردي يجب أن يتفاعل مع الفكر الديمقراطي و الإنساني و قبول الآخر، بعيداً عن العنصرية و روح الإستعلاء و إقصاء الآخرين. ليأخذ الكورد الدروس و العبر من الفكر العنصري العروبي و الطوراني و الفارسي، الذي أثبت فشله و قاد الى حروب و دمار و كوارث و تخلف و فقر و أحقاد و تمزق شعوب المنطقة و تناحرها، الذي أصبح وباء تعاني منها شعوب منطقة الشرق الأوسط، بل شعوب العالم كلها و أحدث هذا الفكر العنصري المريض المتخلف خراباً و دماراً كارثياً للحضارة الإنسانية. إن إستقلال كوردستان لا يعني شيئاً بدون ربطه بالفكر الديمقراطي و الإنساني المتسامح و المنفتح، الذي يعترف بالآخر و يقبل الرأي المختلف لأن حرية و رفاهية الإنسان هي الهدف من الإستقلال و التقدم. لننظر الى ما آلت إليه الشعوب العربية و التركية و الفارسية، التي لها كياناتها القومية و المحكومة من قبل حكومات عنصرية، حيث تعاني هذه الشعوب من حروب و فقر و جوع و مرض و إستبداد و طغيان، يضطر الكثير من مواطنيها الى ترك بلدانهم هروباً من واقعهم المزري و الإستقرار في بلدان ديمقراطية، يحسون فيها لأول مرة في حياتهم، بطعم الحرية و الكرامة الإنسانية و المساواة و التمتع بحقوقهم كما يتمتع بها السكان الأصليون في هذه البلدان. إن الظروف غير الإنسانية التي تعيشها هذه الشعوب في ظل حكوماتها العنصرية، تدعو الى الشفقة و الألم، و كأنما الخالق خلق الإنسان ليقضي كل حياته في ساحات الحروب و في عوز و مرض و جهل و فزع و رعب و عذاب و في زنزانات العنصريين. إذن على الشعب الكوردي أن يختار طريق الحرية و الديمقراطية و التعددية و قبول الآخر ليكون مؤهلاً أن يقيم تجربة جديدة في منطقة الشرق الأوسط و يساهم في تحرير شعوب المنطقة من جور الحكومات الدكتاتورية الفاسدة و أن يكون شعب كوردستان جزء من العالم المتحضر. عليه يجب أن تتمتع القوميات غير الكوردية، مثل التركمان و الآشوريون و الكلدان و الأرمن، بحقوقهم القومية الكاملة و أن يتم تثبيت هذه الحقوق في الدستور الكوردستاني و يكونوا أحراراً في تأسيس أحزابهم السياسية و منظماتهم و جمعياتهم الثقافية و الإجتماعية و فرقهم الفنية و الرياضية دون تدخل أو وصاية من أحد، عندئذ يشعر المواطن التركماني و الآشوري و الكلداني و الأرمني بأنه جزء من النسيج الكوردستاني و بالإنتماء الى كوردستان و القيام بخدمتها و الدفاع عنها. علينا أن تكون برامجنا السياسية و الثقافية و التربوية و الإعلامية تخدم هذا الهدف لمحو الأفكار الشوفينية من مجتمعنا الكوردستاني.
إن المجتمع الكوردستاني مجتمع متفتح و متسامح، قياساً بالمجتمعات المجاورة له، حيث أنه يتبنى و يتقبل الأفكار الجديدة بسهولة. من الممكن أن يتأتى هذا الإنفتاح الفكري عند الكوردستانيين من الظلم الذي يعانون منه و خصائصهم القومية المميزة في المنطقة و الطبيعة الجبلية لكوردستان. يتقبلون الفكر الجديد أملاً في التخلص من المظالم الواقعة عليهم و تمييزهم القومي ساعدهم على الإبتعاد عن الأفكار المتزمتة التي جاءت بها الأقوام الغازية لكوردستان و المحتلة لها، كما أن التضاريس الكوردستانية الجبلية الوعرة عزلت كورستان و قللت من تمازج و تواصل شعب كوردستان مع الشعوب و الأقوام الأخرى الساكنة في المنطقة و أبعدته عن التأثر بالثقافات الشمولية العنفية لتلك الشعوب. لذلك فأن شعب كوردستان، بشكل عام، ينبذ العنف و التزمت و الفكر الشمولي و قادر على التأقلم مع النظام العالمي الجديد و تبني الأفكار الجديدة بسهولة. الأسباب السابقة المذكورة جعلت من المجتمع الكوردستاني مجتمعاً معتدلاً دينياً، غير متأثر بشكل كبير بالثقافة البدوية الصحراوية القاسية التي جاء بها الإسلام الى كوردستان، و القائمة على الإقصاء و العنف و الثأر و الغزو، التي كانت سائدة آنذاك في مجتمعات الجزيرة العربية. لذلك يحتاج المجتمع الكوردستاني الى تعميق التسامح الديني و المذهبي و حرية إداء المراسيم و الطقوس و الإحتفالات الدينية لأصحاب كل الأديان و المذاهب و دون التمييز بينها. يجب أن يتبنى الدستور الكوردستاني النظام العلماني، فصل الدين عن السياسة و يمنع إنشاء أحزاب دينية شمولية و ينص على حرية الإعتقاد و حرية إختيار الأديان و المذاهب من قبل المواطنين الكوردستانيين و ممارسة طقوسهم و عباداتهم. من الواجب أيضاً برمجة الخطاب السياسي و الثقافي و التربوي و الإعلامي الكوردستاني لترسيخ مبدأ حرية المعتقد و إحترام الأديان و المذاهب في كوردستان و نشر روح التسامح الديني بين المواطنين.
النظام العالمي الجديد و العولمة و محاربة الإرهاب، خلقت ظروفاً عالمية و إقليمية جديدة تخدم القضية الكوردستانية بشكل لا نضير له في التأريخ المعاصر. العالم يواجه الخطر الإسلاموي و الذي يهدد الحضارة الغربية و يحاول وقف تدفق مصادر الطاقة من المنطقة الى العالم. في منطقة الشرق الأوسط، الشعوب العربية مشحونة بالأفكار العروبية و الإسلاموية و معاداة العالم الغربي المتحضر، و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. الأتراك بدورهم مهووسون بالفكر الإسلاموي و كراهية أمريكا، و الفوز الساحق لحزب العدالة و التنمية الإسلامي برئاسة السيد رجب طيب أردوغان في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة و إستلامها الحكم في تركيا، يثبت فشل النظام العلماني في تركيا في تثبيت الفكر العلماني و الديمقراطي الليببرالي في تركيا. بعد أكثر من ثمانين عاماً من الحكم العلماني في تركيا، لا يزال الفكر الإسلاموي يعشعش في عقول الأتراك و التي تؤكد إنعدام أية فرصة أمام تركيا للإنضمام الى الإتحاد الأوروبي و إستحالة قدرة المجتمع التركي من التأقلم و الإندماج في المجتمع الغربي. الحكومة الإيرانية الإسلاموية الطائفية تهدد الأنظمة الديمقراطية في العالم و تزرع الإرهاب في المنطقة. من هنا يتضح لنا أن الشعبين الكوردستاني و الإسرائيلي هما الوحيدان اللذان يعملان من أجل نشر النظام الديمقراطي و الإصلاح و محاربة الإرهاب في المنطقة. كما أن الشعوب الآذرية و التركمانية في إيران و الشعب البلوشي المقسم بين كل من إيران و أفغانستان و باكستان، يمكن أن تكون جزء من الجبهة الديمقراطية في الشرق الأوسط الى جانب الكورد و الإسرائيليين. كان من المفروض أن تكون الشعوب العربية في مقدمة الشعوب المكافحة من أجل الديمقراطية و الليبرالية، نتيجة إضطهادها و إستعبادها و تجويعها و تجهيلها و زجها في مطاحن الحروب و الموت من قبل حكامها الدكتاتوريين الفاسدين، الا أنها، مع الأسف الشديد، أن هذه الشعوب أصبحت أسيرة الشعارات الفارغة و مشحونة بالأفكار الإسلاموية و العروبية البائسة التي تخدم حكامها المستبدين و تطيل من أعمار حكمهم و فترة قمع شعوبهم. يتبين لنا أن الشعب الكوردستاني أصبح طرفاً مهماً في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير و محاربة الإرهاب العالمي و جزء من العالم الديمقراطي. على الكورد أن يعرفوا عظمة الدور الذي يلعبونه في المنطقة و المهام الكبرى التي تنتظرهم، فعليهم التهيؤ و الإستعداد لإدائها و نجاحهم فيه يحمل بشائر الإستقلال و الحرية لهم.
الجالية الكوردستانية الكبيرة في الدول الغربية، و التي تبلغ أعدادها حوالي مليونين شخص، تُعتبر ثروة بشرية هائلة، مؤهلة لأن تلعب دوراً محورياً في ترسيخ النظام الديمقراطي في كورستان و بناء البنية التحتية فيها و المساهمة الفعالة في تطوير و تقدم البلاد بحكم تعلمها و ممارستها للديمقراطية و خبرتها و مهنيتها و دراساتها. كما يجب الإستفادة من تواجد مثل هذا العدد الكبير من الجالية الكوردستانية في الغرب، بتنظيمها و توحيدها، بعيداً عن التخندق الحزبي الضيق الأفق، لتكون لها دوراً و نفوذاًً في الدول المقيمين فيها لخدمة القضية الكوردية، كما تقوم به الجاليات اليهودية و الأرمنية في العالم. كما يجب الإستفادة من الإمكانيات البشرية و المادية و العلمية للكورد القاطنين خارج كوردستان في كل من العراق و إيران و تركيا و سوريا، مثل الشريحة الفيلية في بغداد، بفتح قنوات التواصل معهم و تشجيعهم للإستثمار في كوردستان و منع تباعدهم السياسي و الثقافي و الإجتماعي عن شعب كوردستان.
يجب عدم إهمال وجود أكثر من مائة ألف إسرائيلي من أصل كوردي في إسرائيل، حيث علينا التواصل معهم و تقوية أواصرنا و علاقاتنا بهم و تبادل الزيارات معهم ليتمكنوا من الإحتفاظ باللغة و الثقافة الكوردية. ينبغي الإستفادة من خبراتهم لبناء كوردستان و تطويرها و تشجيعهم على الإستثمار في كوردستان. كما أنهم يستطيعون أن يلعبوا دوراً كبيراً في خدمة القضية الكوردستانية و الدفاع عن حقوق الشعب الكوردستاني، سواء في إسرائيل أو في الأجزاء الأخرى من العالم و التأثير على الموقف الرسمي للحكومة الإسرائيلية تجاه شعب كوردستان.
تتمتع كوردستان بموقع إستراتيجي مهم بين آسيا و أوروبا الذي يشكل أهمية كبيرة لبناء العلاقات مع العالم الخارجي. كما أن كوردستان غنية بثرواتها الطبيعية من بترول و معادن. منابع مياه دجلة و الفرات تقع في كوردستان. نظراً لكون كورستان مهد الحضارة الإنسانية الثانية، فهي غنية بالآثار القديمة التي تحتاج الى العمل على إكتشاف المزيد منها و رعايتها و التي تساعد في كشف التأريخ العريق للكوردستانيين و ربط السلاسل الزمنية للتأريخ الكوردي و في نفس الوقت تصبح هذه الآثار محط إهتمام العالم و تشكل ثروة سياحية مهمة تساعد الإقتصاد الكوردستاني على التطور و البناء. الطبيعة الجبلية الجميلة لكوردستان تستطيع أيضاً جلب الكثير من المصطافيين في مختلف أرجاء العالم، سواء في الصيف للإستمتاع بدفء جوها و سحر جمالها أو في الشتاء لممارسة التزلج على الجليد. لذلك فأن السياحة في كوردستان يحتاج الى كثير من الإهتمام و التخطيط. كما أن الطبيعة الجبلية لكوردستان لها أهمية عسكرية دفاعية في حالة الحروب و العدوان الخارجي كما كانت مأوى و قلاع ثوار كوردستان عبر التأريخ. إمتلاك كوردستان لثروة هائلة من المياه و البترول و المعادن و الآثار و جمال الطبيعة فيها و موقعها الجغرافي المهم و إنفتاح شعبها و ثرواتها البشرية الخبيرة، كلها يجعل من كوردستان أن تصبح بلداً صناعياً و زراعياً متقدماً و أن تكون إشعاع نور الحرية و الديمقرطية و التعددية، تنهزم من أمامه سواد الظلام وتشرق الشمس في كبد سماء الشرق كله.
الرئيسية » مقالات » التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم العاشر-مكامن القوة في الواقع الكوردستاني