الرئيسية » مقالات » التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم السابع-آل سعود و القضية الكوردستانية

التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم السابع-آل سعود و القضية الكوردستانية

 قبل التحدث عن الموضوع، أرى أنه من المفيد التطرق الى المذهب الوهابي و دور الأسرة السعودية المالكة في نشر الإرهاب في المنطقة و العالم كمدخل لموضوعنا. بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية و تولي الحكم في نجد و حجاز من قبل أسرة آل سعود، أخذت العائلة السعودية تلعب دوراً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، و خاصة بعد إكتشاف البترول في المملكة التي تحوي على أكبر مخزون في العالم من هذه المادة الحيوية المستعملة في إنتاج الطاقة (نجد و الإحساء و القطيف، التي تُشكّل المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية الحالية والتي فيها أكبر إحتياطي النفط في العالم، كانت جزء من ولاية البصرة خلال فترة العهد العثماني. منحت بريطانيا هذه المنطقة، الحاوية على كنز هائل من الذهب الأسود مع سكانها الشيعة الى المملكة العربية السعودية بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى). منذ إكتشاف البترول في المملكة، أصبحت البلاد موضع إستقطاب و تنافس القوى العالمية الكبرى للحصول على نفوذ في هذه الدولة النفطية، للتحكم بالبترول فيها و بأسعاره و تأمين ديمومة إنتاجه و تدفقه الى أسواق الدول الصناعية لتمويل مصانعها و بيوتها و وسائل نقلها بالطاقة اللازمة. بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، أصبحت المملكة تحت نفوذ و هيمنة الإمبراطورية البريطانية. بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية و ضعف الإمبراطورية البريطانية و إنهيارها و تعاظم قوة الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفيتي السابق عالمياً، كقطبين عالميين رئيسيين، حلت الولايات المتحدة الأمريكية محل بريطانيا في الهيمنة على المملكة العربية السعودية و منطقة الخليج كلها و أخذت تهيمن على إنتاج البترول في الدول الخليجية و تسويقه الى الخارج.

أصبح النظام السعودي حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية خلال فترة الصراع بين دول حلف الأطلسي و حلف وارشو، أثناء فترة الحرب الباردة، لمحاربة الفكر الشيوعي في العالم. أخذت الولايات المتحدة تستخدم الدين الإسلامي و الأموال السعودية و الأموال الضخمة للدول الخليجية الأخرى، المتأتية من واردات البترول، في محاربة الفكر الشيوعي و في صراعها المرير لهزيمة الإتحاد السوفيتي السابق و حلفائه، كما حدث ذلك في الإطاحة بالحكومة الشيوعية في أفغانستان و حكم مصدق في إيران و حكومة عبد الكريم قاسم في العراق و المساهمة في الحرب الأهلية في تشاد و مساندة النظام الملكي في اليمن ضد الجمهوريين و القوات المصرية المساندة لهم و محاربة نظام عبد الناصر في مصر و غيرها. هكذا إستغلت السعودية هذه الفرصة، و بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية الأخرى، لنشر المذهب الوهابي الإرهابي، الذي تعتنقه أسرة آل سعود، بين مختلف المجتمعات الإسلامية في العالم. بدأ النظام في التغلغل في الدول ذات الكثافة السكانية المسلمة، عن طريق جمعياتها الإسلامية و الخيرية و بناء المساجد و المشاريع الإعمارية و عن طريق تقديم مساعدات مالية لحكومات تلك الدول، ناشرة سموم الفكر الوهابي السلفي المتزمت، الداعي الى إلغاء الأديان و المذاهب الأخرى و إجبار الآخرين على إعتناق هذا المذهب الدموي المتخلف عن طريق الإرهاب و العنف و القتل أو الإغرءات المالية. وصل المد الوهابي الى درجة من الإنتشار الواسع بحيث قام النظام السعودي ببناء آلاف المساجد في الدول الغربية و تصدير شيوخ الإرهاب الى تلك الدول للإشراف على تلك المساجد و لنشر الفكر الوهابي الإرهابي بين الجاليات المسلمة فيها.

إن بن لادن و تنظيمه الإرهابي و التفجيرات الإرهابية في واشنطن و نيويورك و العمليات الإرهبية الهمجية في كينيا و أفغانستان و باكستان و العراق و مدريد و لندن و الجزائر و مصر و السعودية و الأردن و غيرها، هي من نتاج الفكر الوهابي الإرهابي الإقصائي. يتبين لنا من التعرف على فكر هذا المذهب و هدفه في إرغام المجتمع البشري كله، بالقوة و الإرهاب، على إعتناق هذا المذهب المتوحش، أن هذا الفكر المتخلف بات يُشكّل تهديداً جدياً للحضارة الإنسانية و يقف حجر عثرة في طريق تقدم الإنسان و تحقيق الرفاهية له. من هنا نستدل أن الفكر الوهابي الذي يدعو الى الإرهاب و القتل كوسيلة لإلغاء الأديان و المذاهب و العقائد الأخرى و الإنتشار الإرهابي السلفي الواسع في العالم، هو أخطر من الفكر النازي و الفاشي على مصير الإنسانية. لذلك فأن على المجتمع الدولي و العالم الحر التحرك لمحاصرة إنتعاش هذا الفكر المريض و إنتشاره و ذلك بتصنيفه من قبل الأمم المتحدة، كفكر إرهابي يجب محاربته و منعه و إيجاد آلية فعالة للإشراف المباشر على برامج التربية و البرامج الدينية و الفعاليات و المواعظ الدينية في المساجد و المراكز الدينية و وسائل الإعلام، بما فيها الفضائيات و مواقع الإنترنيت، في السعودية و الدول الخليجية الأخرى و في دول مثل مصر و السودان و باكستان و غيرها من الدول المحكومة من قبل قوى إسلاموية أو تواجد نفوذ إسلاموي فيها، لإنقاذ الأجيال القادمة من هذا الوباء الخبيث و تأمين مستقبل مزدهر للبشرية جمعاء.

إن النظام السعودي يهيمن و يتحكم بشكل كبير بإلإعلام العربي. ينفق النظام أموالاً طائلة من واردات البترول السعودي الذي يستحوذ عليها الأسرة السعودية، على وسائل الإعلام من فضائيات و صحافة و مواقع للإنترنيت و شراء ضمائر العديد من الكُتّاب و الصحفيين و السياسيين، لغرض تجميل وجهه القبيح و إخفاء مسئوليته عن إيجاد الإرهاب العالمي و مساهمته في تنفيذ العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، و خاصة في منطقة الشرق الأوسط، في بلدان مثل العراق و غيره، و التي تؤدي الى إزهاق أرواح الآلاف من الناس الأبرياء. المؤسف أن هناك أعداداً كبيرة من الكُتّاب الذين يدّعون الليبرالية و الديمقراطية، يخدمون النظام السعودي و يبتعدون في كتاباتهم عن التطرق الى آفة الفكر الوهابي و الدور الرئيسي للأسرة الحاكمة في السعودية في إنتشار الفكر الإرهابي (من غرائب الأمور أن دولة نجد و الحجاز تُسمّى بإسم هذه الأسرة الفاسدة). إن قسم من هؤلاء الكُتّاب الساكتين عن جرائم هذا النظام و تخلفه، قد تم شراؤهم من قبل النظام و قسم آخر يلوذ بالصمت تجاه النظام السعودي لقاء نشر مقالاتهم و دعواتهم الى برامج الفضائيات المملوكة للنظام السعودي، مبتغين من وراء ذلك الشهرة و الألقاب و قسم ثالث يقيمون في الدول الخليجية، حيث يعيشون على فتات موائد الخليجيين و يخدمون أسيادهم.

النظام السعودي بدأ بنشر الفكر الوهابي في كوردستان و العراق، و الذي بلغ ذروته بعد هزيمة النظام البعثي العراقي في الكويت في سنة 1991 و إطلاق الحكومة العراقية البعثية البائدة ما سُمّيت ب(الحملة الإيمانية) لجذب عطف و تأييد القوى الإسلاموية. بدأ النظام السعودي بإنفاق الملايين من دولارات البترول لشراء العملاء و إغراء العراقيين و الكورد و كسبهم و تبديل أديانهم و مذاهبهم الى المذهب الوهابي الإرهابي، لقاء حفنة من الدولارات و من ثم إخضاعهم لبرامج منظمة لغسل أدمغتهم و تلقينهم الفكر الوهابي المبني على الإرهاب و الكراهية و الإدعاء بإمتلاك الحقيقة المطلقة. خلال زياراتي لكوردستان في عام 2004 و 2005، صُعِقتُ عندما عرفتُ أن الحركة الوهابية المتخلفة إستطاعت كسب و تجنيد أعداد من الشيعة و من الأيزيديين و الكاكائيين الكورد بالإضافة الى الكثير من أصحاب المذهب السني، الى المذهب الوهابي الدموي. النظام السعودي ساهم في تأسيس جماعة أنصار الإسلام الإرهابية في كوردستان و مدها بالأموال لإفشال التجربة الكوردستانية في الإقليم الجنوبي الذي جعلت قوات التحالف جزء منه منطقة آمنة لشعب كوردستان بعد إنتهاء حرب الخليج الثانية في عام 1991. أسرة آل سعود تدعم الإتحاد الإسلامي الكوردستاني و الأحزاب الإسلاموية الأخرى في كوردستان مادياً و معنوياً لشق الصف الكوردستاني و نشر الفكر الإسلاموي الشمولي المتعفن في كوردستان و بالتالي إيجاد نفوذ فيها. في إعتقادي أن خروج الإتحاد الإسلامي الكوردستاني من صفوف التحالف الكوردستاني في الإنتخابات التشريعية العراقية الأخيرة، كان بإيعاز من السعوديين لإضعاف الصوت الكوردستاني في البرلمان العراقي. يتحتم على الكوردستانيين الجنوبيين الحذر من تغلغل الفكر الوهابي المتزمت في كوردستان و تفعيل قانون الإرهاب لوضع حد للأفكار و الأعمال الإرهابية و حماية الشعب من شرور الإرهابيين. كما أن أمن المواطنين الكوردستانيين يتطلب منع الأحزاب و الحركات الشمولية من العمل السياسي و من الأشطة الثقافية و الدعائية و عدم السماح بجعل المساجد و المراكز الدينية منبراً للأصوليين و الإرهابيين و ملاحقة تهديدات الإسلامويين للكُتّاب و الصحفيين العلمانيين قانونياً و وقف محاولاتهم في إرهاب الليبرليين و العلمانيين و خنق أصواتهم، لكي لا يصبح مصير الليبراليين كمصير الكاتب عبد الخالق معروف الذي أغتيل من قبل الإسلامويين بسبب الكتاب الذي ألفه عن المرأة في الإسلام، و ها يهدد الإسلامويون المتزمتون الآن حياة الكاتب مه ريوان هه له بجه يي بسبب كتاباته الليبرالية.

حكام السعودية لهم نفوذ كبير على الطائفة السنية في العراق. كما أن للدكتور أياد علاوي، رئيس وزراء العراق الأسبق، علاقات و إرتباطات وثيقة مع العائلة المالكة في السعودية. السعوديون يدعمون أيضاً القوى العروبية العراقية و التي هي ضعيفة في الوقت الحاضر. من خلال العرب السنة و السيد أياد علاوي و الإتحاد الإسلامي الكوردستاني، المشاركين في السلطة السياسية في العراق، يحاول النظام السعودي تحريك هؤلاء الحلفاء العراقيين في مجلس النواب و الحكومة العراقية لعرقلة إقرار القوانين و إصدار القرارات التي تلبي طموحات شعب كوردستان. من جانب آخر، فأن الأحزاب الشيعية مرتبطة بالنظام الإيراني الذي يقف ضد الطموحات الكوردستانية. عليه، لدرء الأخطار المحيطة بشعب كوردستان من الأحزاب العراقية السنية و الشيعية، فأن أمام الكورد خيار واحد هو إيجاد تحالف إستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية و دعوتها لإقامة قواعد عسكرية في كوردستان و إشراك الشركات الغربية في الإستثمار و إعادة إعمار كوردستان، لتكون لهذه الدول مصالح حيوية في كوردستان و التي ستدافع عن هذه المصالح عند تعرضها لأي خطر. هذه الإستراتيجية، في رأيي، قادر على حماية كوردستان من أعداء الداخل و الخارج على السواء.

تحاول السعودية الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية للحد من حق شعب كوردستان في تقرير المصير. كما تتعاون السعودية مع الحكومة التركية و حتى مع عدوها اللدود، إيران، للتآمر على شعب كوردستان و حرمانه من حقوقه. من حُسن حظ شعب كوردستان أن الحكومات العروبية (ما عدا النظام البعثي العلوي السوري الذي هو حليف حميم للنظام الإيراني)، و على رأسها الحكومة السعودية ، منهمكة (بالخطر الإيراني و الشيعي) و أن (الخطر الكوردي) هو مشكلة تأتي بالمرتبة الثانية من حيث أهميته لها. النظام السعودي قلق جداً من التطورات في العراق و في المنطقة، حيث أصبح الشيعة يلعبون دوراً رئيساً في حكم العراق. لذلك فأن حكام السعودية يرتعدون خوفاً من إنتشار الثورة الشيعية في المنطقة و في داخل المملكة السعودية نفسها التي يعيش أكثر من مليونين مواطن شيعي في المنطقة الشرقية من المملكة و الطافية على بحار من النفط. تخشى حكام السعودية من ثورة هؤلاء الشيعة المظلومين و الذين فُصِلواا من طائفتهم الشيعية في ولاية البصرة بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية و إنسلخت منطقتهم عن البصرة و تم إنضمامها الى المملكة العربية السعودية التي خلقها الإنكليز. يخشى النظام السعودي من فقدان المنطقة الشرقية الشيعية في المملكة، التي تضم معظم آبار النفط السعودي، و إنفصال هذه المنطقة عن السعودية و إنضمامها من جديد الى البصرة و ظهور إتحاد شيعي عملاق في منطقة الشرق الأوسط. من هنا ندرك أن القضية الشيعية هي قضية مصيرية للنظام السعودي، لذلك يحاول إضعاف النفوذ الشيعي في العراق و يحبذ زوال النظام الإيراني الطائفي. غير أن من سوء حظ الأسرة السعودية، أن إنهيار النظام الإيراني أو سيطرة الشيعة على المنطقة، كلاهما يؤدي الى إختفاء الأسرة السعودية، حيث أنه في حالة إختفاء حكم آيات الله في إيران و تسلم مقاليد السلطة من قبل علمانيين، ستصبح إيران دولة فيدرالية ديمقراطية كالعراق و من ثم على حكام السعودية دفع إستحقاقات النظام العالمي الجديد و مشروع منطقة الشرق الأوسط الكبير..

تناولت في مقالتي هذه تأثير السياسة السعودية على القضية الكوردية، لأنها أكبر و أغنى دولة خليجية، و إلا فأن مواقف الحكومات الخليجية الأخرى لا تختلف كثيراً عن الموقف السعودي. أما النظامان المصري و الأردني، فأن موقفهما من شعب كوردستان هو موقف العروبيين الذين لا يعترفون بحقوق الشعب الكوردستاني و يؤمنون بصهره في القومية العربية، إلا أن هدفهم هذا أصبح من الأوهام البالية، حيث إنتهت الحرب الباردة و تخطينا زمن الشعارات و الصرخات العروبية العنصرية و أن نظاماً عالمياً جديداً يحكمنا و بذلك تم دفن الأحلام المريضة للطغاة و العنصريين و الى الأبد.