تطرقت في القسم الأول من هذا الموضوع الى التحدي الذي يواجهه شعب كوردستان بسبب تخلف المجتمع العراقي سياسياً و فكرياً و ثقافياً و إجتماعياً و تشبعه بثقافة العنف و الكراهية و العنصرية و الطائفية و إقصاء الآخر، نتيجة جمع شعوبه المتنوعة في ثقافاتها و مصالحها في دولة العراق، التي شُكّلت حسب إتفاقية سايكس-بيكو المبرمة بين بريطانيا و فرنسا بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، دون إحترام إرادة هذه الشعوب. إستلام الحكم في العراق، بعد تأسيسه من قِبل العرب السُنّة و إتباعهم سياسة عنصرية و طائفية تجاه الكورد و التركمان و الآشوريين و الكلدان و الأرمن و الشيعة، ساهم في زيادة التنافر و التباعد بين المكونات العراقية و عدم تكوين مصالح و أهداف و ثقافة مشتركة ترتبط بها هذه االمكونات . بالنظر الى إلحاق القسم الجنوبي من كوردستان الى الدولة العراقية التي تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى، أصبح مصير الشعب الكوردي في هذا الجزء من كوردستان مرتبطاً بالمكونات العراقية الأخرى التي وجدت نفسها شريكة في الكيان العراقي الجديد. لذلك، فأن خاصية و ظروف الأطياف العراقية الأخرى تؤثر على الشعب الكوردي بحكم شراكته و علاقاته و إرتباطه بهذه المكونات.
العرب السُنّة
العرب السُنّة في العراق كانوا يحكمون المنطقة منذ تأسيس الدولة الأموية و إستمروا في حكم العراق بعد تأسيسه لحين سقوط نظام حزب البعث في سنة 2003. نظراً لحكمهم للعراق و تحكمهم بخيراته منفردين، فأنهم يعتبرون العراق ملكاً خاصاً لهم و أن الأكراد و الشيعة هم شعوبيون غرباء، حيث يعتبرون الشعب الكوردي يعيش على أرض عربية و يجب تعريبهم و صهرهم في الشعب العربي. كما أنهم ينظرون الى الشيعة بأنهم مهاجرون من أصل إيراني، إستقروا في وسط و جنوب العراق. بسبب إنفرادهم في الحكم منذ تكوين الدولة العراقية و إستغلال وارداته من قِبلهم، فأنهم المكون الوحيد الذي لديه الشعور بالإنتماء الى العراق، بعكس الشيعة و الكورد الذين كانوا من المحكومين بالنار و الحديد و عاشوا كمواطنين من الدرجة الثانية، و الذي خلق عندهم إرتباطاً ضعيفاً جداً أو معدوماً بالعراق. لهذا السبب، يحس الإنسان السُني بإنتمائه القوي للعراق و لمذهبه الذي أهّله لحكم العراق، بينما المواطن الكوردي تطغى عليه روح الإنتماء القومي و تصويت 98٪ من شعب كوردستان لصالح الإستقلال في الإستفتاء غير الرسمي، الذي أُجري في عام 2005، يؤكد على ذلك. من جهة أخرى فأن المواطن الشيعي العراقي، يسود الإنتماء المذهبي عنده على الشعور الوطني. أعتقد بأن الأكثرية المطلقة من شيعة العراق يختارون تأسيس دولة خاصة بهم لو خُيّروا بين الإستقلال أو البقاء جزء من الشعوب العراقية.
العرب السُنّة، الذين يعيشون في غرب العراق، يتكونون من قبائل بدائية متأخرة يدينون بالمذهب الوهابي المتزمت، الذي يعتبرونه هو الإسلام الصحيح و يجب إجبار أصحاب المذاهب الأخرى على إعتناق مذهبهم الوهابي بإتباع وسائل الإرهاب و العنف و الإقصاء. إنهم يجمعون بين التقاليد القبلية البدوية البدائية و المذهب الديني الوهابي المتخلف و الفكرة العروبية العنصرية. لذلك توزعت إنتماءات هذه الطائفة بين الحركات السياسية الدينية، مثل الإخوان المسلمين، و العروبية مثل الأحزاب الناصرية و حزب البعث العربي الإشتراكي، مع التمسك بالولاءات القبلية. من هنا ندرك الأسباب التي دفعت العرب السُنّة الى الإنتماء الى الأحزاب العروبية الحاكمة في العراق،حيث أن تلك الأحزاب تُمثّل طائفتهم في العراق، و التي عن طريقها، إحتكروا السلطة و حكموا الكورد و الشيعة بالحديد و النار. نظرة على خارطة القوى و الأحزاب العربية السُنّية على الساحة العراقية، التي ظهرت بعد تحرير العراق، تكشف لنا إنعكاس هذه الولاءات المذهبية و العروبية و القبلية في تشكيلها. بعد سقوط نظام البعث و الذي كان نهاية لحكم العرب السُنّة في العراق أيضاً، أدركت هذه الطائفة حقيقة زوال هيمنتها و تفردها بالحكم، فبدأت بتنظيم نفسها بسرعة و نجحت في ذلك نتيجة خبرتها الطويلة في الحكم و بمساعدة الأنظمة العروبية القلقة من التحولات الديمقراطية في العراق و ظهور الدور المحوري للشيعة و الكورد. بدأ العرب السُنّة بوضع خطط و تحديد وسائل عمل لإعادة سلطتهم المفقودة بإتباع وسائل العنف، و ذلك بالقيام بالأعمال الإرهابية، و بتأسيس أحزاب و تنظيمات سياسية في إستراتيجة متكاملة لتحقيق عودتهم الى الحكم من جديد. بتكثيف عملياتهم الإرهابية، ينجحون في إبتزاز الشيعة و الكورد و الحصول على المزيد من التنازلات منهم، التي تبدو أنها إستراتيجة ناجحة لتحقيق هدفهم. إن العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية و ايران و تخوف الإدارة الأمريكية من إنتفاضة شيعة العراق ضد قواتها في هذا البلد، في حالة إندلاع حرب بينها و بين إيران، قد دفعتها الى تغيير خططها التكتيكية في العراق بخلق توازن في السلطة في العراق و إشراك السُنّة في الحكم بالإضافة الى الكورد، لترتيب بيت آمن للقوات الأمريكية في العراق في حالة حدوث حرب بين أمريكا و إيران. هذا التغيير التكتيكي الأمريكي يخدم الطائفة السُنّية و ينعش آمالهم في تحقيق حلم العودة الى الحكم من جديد.
بعد إنهيار الحكم الحكم البعثي، سارعت الطائفة السُنّية بإنشاء هيئة علماء المسلمين، كمرجعية دينية للطائفة في العراق، و التي يرأسها الشيخ حارث الضاري. فكرة التأسيس لمثل هذه المرجعية، كانت خطوة ذكية من العرب السُنّة للإدعاء بوجود هيئة غير مُسيّسة لهم، تستخدم الدين كواجهة للوصول الى أهدافهم السياسية. هكذا ظهر الحزب الإسلامي العراقي الذي يمثل الإخوان المسلمين، الذي يشغل سكرتاريته البعثي السابق السيد طارق الهاشمي، و جبهة التوافق العراقية برئاسة السيد عدنان الدليمي، و مجلس الحوار الوطني العراقي برئاسة القيادي البعثي السابق الدكتور صالح المطلك، بالإضافة الى تكوين قوى و ميليشيات سُنّية التي هي من بقايا أيتام صدام. كل هذه الأحزاب و الحركات السياسية السُنّية هي واجهات سياسية لحزب البعث المنحل و لها إرتباطات وثيقة بالقوى الإرهابية في العراق و المؤلفة بشكل رئيس، من بقايا أجهزة الأمن و المخابرات البعثية و فدائيي صدام و أفراد الحرس الخاص و الحرس الجمهوري و رجال القبائل السُنّية المتعاونة مع الأجهزة المخابراتية للأنظمة العروبية و جناح حزب البعث السوري، بالإضافة الى تنظيم القاعدة الإرهابي. موقف الطائفة السُنّية تجاه القضية الكوردية، هو نفس الموقف الذي إتخذته الحكومات السُنّية المتعاقبة على حكم العراق منذ تأسيسه بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى. عمليات الأنفال و مأساة حلبجة و المقابر الجماعية و تعريب كوردستان و تدميرها هي ترجمة حقيقية لموقف هذه الطائفة من شعب كوردستان. تقَرُّبهم و حوارهم الحالي مع الكورد هي نتيجة ضعفهم في الوقت الحاضر، وهو تكتيك مرحلي يريدون التخلص من الشيعة أولاً، الذين يُشكّلون حجر عثرة أمام إستلامهم الحكم في العراق من جديد ، و بعد ذلك سيكون الكورد لقمة سائغة سهلة لهم، مستعملين نفس التكتيك السابق الذي إتبعوه، حينما كان البعثيون ضعفاء، حديثي العهد في الحكم، فأبرموا إتفاقية آذار في سنة 1970 مع الكورد ،كتكتيك مرحلي لفسح المجال أمامهم لتشديد قبضتهم على الحكم و بعد ذلك سيتفرغون للكورد، و هكذا نجحوا في خطتهم و أعلنوا الحرب على الشعب الكوردستاني بعد مرور أربع سنوات على تلك الإتفاقية و التي كانت المدة المحددة لتنفيذ بنودها.
الأحزاب الشيعية
حزب الدعوة الإسلامي، برئاسة الدكتور ابراهيم الجعفري، يحمل ايديلوجية مذهبية عروبية هجينة، لذلك ينظر الى المسألة الكوردية من منطلق عروبي من جهة، و منطلق مصالح الشيعة التي يربطها الحزب بمصالح النظام الإيراني. من خلال دراسة شخصية السيد الجعفري، نتوصل الى أنه يملك شخصية تجمع بين الغطرسة، و الإستبداد بالرأي و الجنوح الى الدكتاتورية و النرجسية و سيطرة شهوة الحكم عليه، و نقص في الخبرة السياسية و الدبلوماسية، لذلك على القوى السياسية العراقية أن تعمل منذ الآن على إزاحته عن السلطة، و الا سيصبح دكتاتور العراق الجديد و يقود العراق الى حرب أهلية مدمرة. المجلس الأعلى لثورة العراق بقيادة السيد عبد العزيز الحكيم،هو تنظيم سياسي مذهبي يحاول خلق نوع من التوازن في علاقاته مع كل من الشعب الكوردستاني و الحكومة الإيرانية، الا أنه في حالة بروز ظروف تتطلب الإصطفاف الى جانب أحد الفريقين، فأنه سيختار الجانب الإيراني، نظراً لقوة الروح المذهبية عند الشيعة و للمصالح الكبيرة التي تربطهما مع بعضهما. أما التيار الصدري، حسب المعلومات المتوفرة، فأن معظم المنتمين الى هذا التيار هم من الطائفة الشيعية الذين كانوا من فدائيي صدام و رجال مخابراته و أمنه و البعثيين. ليست لدي معلومات، فيما لو كان السيد مقتدى الصدر نفسه بعثياً أيام حكم صدام حسين، الا أن هذا الشيئ لا يُغيّر من الواقع شيئاً، حيث يجمع السيد مقتدى مرتزقة صدام و حفنة من المجرمين بحق الشيعة و الكورد خلفه وهم يحتمون به. بدلاً من تقديم هؤلاء المجرمين الى المحاكم لينالوا جزاءهم العادل، فأنهم أصبحوا أفراداً لميليشيات جيش المهدي و يتحكمون برقاب الشعوب العراقية كما كانوا يفعلونها أيام سيدهم صدام حسين. كما أنه ليس مستبعداً من قيام ما يسمى بجيش المهدي بعمليات إرهابية ضد العراقيين بالتنسيق مع القوى البعثية السنية أو لوحده، حيث يستطيعون بكل سهولة من القيام بعمليات ارهابية في الوسط و الجنوب الشيعي و حتى في محافظة ديلى و كركوك و الموصل. لقد ظلم التأريخ الشيعة و الكورد معاً، حيث تم تقسيم بلديهما و تشتيت شعبيهما و أُجبروا على العيش تحت حكم العنصريين و الطائفيين الطغاة، لذلك يجمعهم مصير مشترك، الا أن وجود حكم مذهبي في إيران، الذي يغتصب القسم الشرقي من كوردستان و مسألة كركوك الذي قام نظام البعث بتعريبه من خلال إستقدام العرب الشيعة و توطينهم فيه، تُمثّلان نقطتي خلاف و تنافر بين الكورد و الشيعة.
حركة الوفاق الوطني العراقي
إن هذه الحركة يرأسها القيادي البعثي السابق الدكتور أياد علاوي. غالبية المنتمين الى هذه الحركة، هم من البعثيين القدامى. يستدل المرء من خلال تَرحُّم رئيس الحركة على ميشيل عفلق و محاولته تبرئة حزب البعث من جرائمه من خلال الفصل بين الحزب المذكور و صدام حسين، بأنه لا زال يؤمن بالمبادئ الفاشية لحزب البعث و أنه يريد كسب البعثيين و تنظيمهم من جديد، بعد إختفاء غريمه صدام حسين عن الساحة السياسية، تحت يافطة حركة الوفاق الوطني العراقي. هذه الحركة لا تحظى بشعبية كبيرة في العراق، إلا أن رئيسها السيد علاوي له إرتباطات قوية بالأنظمة العروبية في المنطقة مثل السعودية و الأردن و مصر، التي لا تبخل عليه بمساعدات مادية و معنوية هائلة. كما أنه خيار سياسي مقبول لدى الإدارة الأمريكية الحالية لحكم العراق. لو نجح الدكتور علاوي في إستلام السلطة، فأنه سيصبح دكتاتوراً مصغراً لصدام حسين. إنه عروبي النزعة و بعثي النشئة و في حالة إنفراده بالحكم أو زيادة نفوذه، فأن نظرته للقضية الكوردية، سوف لا تختلف عن نظرة أي مسئول عروبي عنصري.
أما الحزب الشيوعي، فأنه حليف طبيعي لشعب كوردستان و أعتقد أنه لو قام بتطوير برنامجه و تأقلم مع الواقع العالمي الجديد، يستطيع أن يكسب شعبية كبيرة و يلعب دوراً مهماً في الحياة السياسية العراقية. الا أنه يبدو أن الحزب لا زال أسير ايديولوجيته و تكتيكاته و استراتيجيته القديمة التي عفى عليها الزمن، و الا لم يكن الحزب الشيوعي يقرر الدخول في جبهة الدكتور علاوي و يعيد نفس الخطأ السابق في تحالفه مع حزب البعث في الجبهة القومية و الوطنية، بالرغم من الإختلاف في الظروف بين الحالتين. لو خاض الحزب الشيوعي الإنتخابات التشريعية كقائمة مستقلة، أعتقد بأنه كان يحصل على عدد مقاعد يفوق الذي كان الوفاق الوطني يحصل عليه. بالنسبة الى التركمان، فأنهم يعيشون مع الكورد منذ مئات السنين، حيث تربطهم علاقات الجيرة و التزاوج و التزاور و الإختلاط. إن كلا الطرفين تعرض الى الظلم و التعريب و التهجير و تعرض لغتهما و ثقافتهما للتشويه و محاولات الإلغاء. لذلك، فأن القوميتين تربطهما مصالح و أهداف مشتركة، تحتاج الى مزيد من العمل و التصميم لتعميق الروابط بينهما. الجبهة التركمانية، التي قامت الحكومة التركية بإنشائها و تتمتع بدعمها، تنفذ المخططات التركية المعادية لطموحات الشعب الكوردستاني، و بذالك تتخذ هذه الجبهة موقفاً عدائياً من القضية الكوردية. كما أن التركمان الشيعة، و خاصة المنضوين منهم تحت لواء التيار الصدري، تتسم علاقاتهم مع الكورد بشيئ من العداء. علاقات الكلدان و الآشوريين و الأرمن مع الكورد، هي علاقات تأريخية و عانوا جميعاً من الإستبداد وتهميش لغاتهم و ثقافاتهم.
الرئيسية » مقالات » التحديات التي تواجه شعب كوردستان و خيارات التصدي لها – القسم الثاني-الأطياف و القوى العراقية