الرئيسية » الآداب » القصة الكوردية .. البدايات.. الرواد.. التيارات

القصة الكوردية .. البدايات.. الرواد.. التيارات

لاشك في أن أي صنف من أصناف الأدب لأي أمة، مرّ بمراحل صعبة من النمو والتطور والرقي إلى المستوى المطلوب أو المأمول. وتاريخ فن القصة الكوردية حافل مثل غيره بعقبات وصعوبات اعترضت طريقه، خلال مسيرته للوصول إلى مصاف العالمية، أو القارية على مستوى شرق آسيا. و يبدو أن المعوقات التي اعترضت طريق نجاح القصة الكوردية، هي نفسها بالنسبة لباقي الأقوام، كون التأثيرات الجيوغرافية والسياسية والاقتصادية، تكاد تكون مماثلة، و بالنتيجة تكون المعوقات أيضاً مماثلة، ذلك لتحادد الحدود والمجاورة وتبادل التأثيرات المذكورة آنفاً، إلى جانب العادات والتقاليد المتوارثة جيلاً بعد جيل، التي هي الأخرى مماثلة من حيث المضمون.
وبما أن الأدب ظاهرة اجتماعية، وهو تعبير عن مجمل انفعالات الكاتب ومشاعره الوجدانية العاكسة لحالات من جروح المجتمع، فإن القصة هي أحد الفروع المهمة لأدبنا الكوردي، التي ظهرت ـ أي القصة الكوردية ـ في عشرينيات القرن المنصرم، وتماسكت كشكل فني في خمسينيات القرن ذاته، ثم بدأت تشق طريقها نحو بناء فني أفضل، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن من آفاق التطور الكتابي والفني، إما بفضل إبداعات شخصية أو تقليد أفضل ما في الفن الأوروبي.
في بداياتها، كانت القصة الكوردية عبارة عن تعبير بحت لحالة المجتمع السياسية والاجتماعية، وكانت البلاد تعيش تحت نير الحكم العثماني الذي أضفى هالة من الضباب الكثيف للجهل والتخلف على سائر العراق بشكل عام، والمجتمع الكوردي بشكل خاص، ما جعله يعيش في جملة من الانتكاسات وعدم التفاؤل بالمستقبل. ومن جهة أخرى، كانت الإمبريالية الغربية تدرس الشرق حسب خطة بعيدة المدى، وتحاول بناء موطئ قدم لها لتثبت عليه أركانها. وفي خضم هذا الصراع السياسي في المنطقة، ظهرت روح الانتفاضة والمشاعر القومية بين تيارات سياسية كوردية سعت للدفاع عن حقوق الكورد التي تُغتصب عنوة من قبل الأطراف السياسية المتصارعة للاستيلاء على المنطقة، ونهب ثرواتها، فظهرت حركة (الاتحاد والترقي) عام 1908 لتتسلم زمام الأمور وتلبي رغبات الكورد القومية، ولكنها لم تقدر على أن تفعل ذلك.
وتزامناً مع الحركات السياسية الكوردية، كانت هناك حركة ثقافية كوردية تلوح في الأفق أيام الحرب العالمية الأولى، وقد صدرت بعض المجلات والجرائد باللغة الكوردية، مثل: ( كورد/ روزى كورد/ هه تاوى كورد) التي مهدت إلى بناء أسس راسخة للثقافة الكوردية، وخاصة القصة الكوردية. كما صدرت في عهد حكمدارية الشيخ محمود الحفيد (1882ـ 1956) جرائد ومجلات كوردية، أوقدت بمضامينها حرارة الإحساس بالثورة والحقوق القومية، مثل: (بانكى كورد/ بيشكه وتن/ ئوميدى ئيستقلال/ زيانه وه)، إذ أن هذه المطبوعات حثت المثقفين على كتابة التاريخ والعلوم والفلكلور الكوردي، مع الاهتمام بالأدب بشكل خاص، لأنه السبيل الوحيد للمواصلة الثقافية والوجدانية مع الجماهير، لذا نستطيع القول إن انتشار المطبوعات الكوردية في تلك الفترة، كان له الدور الكبير والأساس في ظهور فن القصة الكوردية، إلى جانب أن عودة المثقفين الكورد المغتربين من الخارج إلى أرض الوطن، كان له تأثير وفعالية في تأجيج المشاعر والأحاسيس المرهفة بين أقرانهم من الداخل، كما أنهم عادوا وهم يحملون تجارب الثقافة الغربية المتطورة، كذلك وجود خميرة جيدة من مادة كتابة القصة، وهي القصص الفلكلورية والقطع النثرية، وأيضاً المسابقة التي نظمها الميجر(سون) في العام 1920 عن طريق جريدة(بيشكه وتن) والتي شارك فيها عدة أقلام معروفة في ذلك الوقت، وفازت بجوائز قيمة، كل هذه كانت أسباباً مباشرة لنمو وبناء القصة الكوردية.
ويرجح الباحثون في مجال القصة، أن أول قصة كوردية بشكلها الفني هي قصة (له خه وما ـ في حلمي) التي نشرت أول مرة في جريدة (زيانه وه) العدد الصادر يوم 1/7/ 1925، حيث نشرت الحلقة الأولى منها دون ذكر اسم كاتبها، لكن في الحقيقة، فإن صاحب القصة هو رئيس تحرير الجريدة (جميل صائب)، بعد ذلك نشرت منها (23) حلقة، وتركت دون اكتمال نشرها. ومثلما أسلفنا، فإن مضمون القصة هو بمثابة حل عقدة سياسية كانت قائمة في تلك الفترة أيام حكم الشيخ محمود الحفيد. وتدخل قصة (له خه وما) من الناحية الموضوعية في خانة (النقد الريالزمي)، لأنها أخذت ملامح تاريخية لمرحلة معينة، لذا نستطيع القول إن القصة الكوردية بدأت بهذا المذهب.
بعد قصة الكاتب جميل صائب، تشجع الكتاب الآخرون لكتابة القصص، وبالأخص في عامي 1927ـ 1928، إذ قام الشاعر (أحمد مختار الجاف) بمحاولة لكتابة القصة الفنية، وكتب قصته الشهيرة (مه سه له ى ويجدان ـ مسألة الضمير) في إطار المذهب الواقعي النقدي، وبخصوصها يقول الكاتب (معروف عمر البرزنجي) في كتابه (دراسة وبيبلوغرافيا القصة الكوردية): ((لاشك في أنها شغلت لنفسها حيزاً في مجال الأدب، وبما أنها لم تنشر في حينها، لذا لم تؤثر في إزاحة المعرقلات التي تعترض سبيل التطور الاجتماعي وفن كتابة القصة، وحتى لو كانت قد نشرت على حلقات كقصة (في حلمي) في جرائد ذلك العصر، لأثرت أبلغ تأثير في تطور هذا الفن (رغم أن قراء ومثقفي ذلك العصر قاموا بأخذ هذا النتاج من الشاعر وقراءته في ندوة خاصة) إلا أنه تداول في أيد محدودة، ولم يصل إلى أيدي شريحة واسعة من المثقفين الكورد للاستفادة منه)).
بعد ذلك توالت كتابة القصة، ونشرها في الإصدارات الكوردية، نذكر على سبيل المثال: قصة (فرسان مريوان الاثني عشر)، لكاتبه الشاعر الكبير (بيره ميرد) الذي أخذ فكرتها من الفلكلور الكوردي. وقصة (بعد الثمالة جنون) لكاتبها (محمد علي كوردي) التي نشرها في العام 1934 ويتطرق فيها إلى قضية اجتماعية تمس أخلاقيات الفرد وتصرفاته داخل المجتمع. وقصته الطويلة (نازدار.. أو المرأة الكوردية في الريف). وأيضاً كتبت قصص قصيرة طريفة بعضها يخص الأطفال، مثل قصة (العنزة والخروف) لكاتبها (حسين حزني موكرياني) (1886ــ1947). وهكذا دواليك، اجتاز هذا الفن عدة مراحل تاريخية، إلى أن وصل إلى أيادينا جاهزاً، ننظر إليه الآن كمادة أولية وبداية راسخة لتاريخ فن رفيع، أثر بشكل كبير في تغيير مسار الكثير من الأحداث والأفعال غير اللائقة في المجتمع، وإعادتها إلى الطريق السليم، كما أثر على رسوخ الحس القومي وتأجيج الضمير الحي للفرد تجاه أمته ومجتمعه، لأن فن القصة لا يمكن أن يدخل في باب (الفن للفن)، بل يدخل في صميم باب (الفن للمجتمع).
* هذه المقالة استفادت من كتاب (دراسة وبيبلوغرافيا القصة الكوردية) لمؤلفه (عمر برزنجي)، باللغة الكوردية

المصدر:/www.almadapaper.com/