الرئيسية » مقالات » يوميات ايرانية 23- نوروز عام 1965

يوميات ايرانية 23- نوروز عام 1965

احدثت التطورات الاخيرة في ايران والمتمثلة بإغتيال حسن علي منصور رئيس الوزراء، ومحاولة اغتيال الشاه في قصره في مركز العاصمة طهران قدراً من الانتعاش في روحية السجناء، بغض النظر عن موقفهم وتقييمهم لهذه الاساليب. فقد تراكمت عندهم عناصر من الامل بإحتمال قدر من التغيير في حياتهم. وعلى الرغم من التشديدات والتضييقات التي فرضت على السجناء بالاقتران مع هذين الحدثين، الا ان ذلك لم يؤثر على الروحية الايجابية الجديدة للسجناء عموماً، بل بالعكس. وكان من ابرز انعكاسات هذين الحدثين هو تردد الكثير من السجناء في المشاركة في المراسيم المخجلة للدعاء للشاه “شامگاه” والتي كانت تجرى في عصر كل يوم. وعلى اثرها تخلت ادارة السجن عن هذه “التقليعة” المهينة للسجناء تفادياً للاحراج بسبب قلة من اصبح يشارك فيها. كما بدأت تتداعى تلك الخشية والريبة في تعامل وحديث السجناء فيما بينهم وتداول همومهم وحتى اسرارهم. وشعرنا نحن السجناء العراقيون بتعامل اكثر ودي واختلاط اوسع وانفتاح من بقية السجناء، عدا البصاصين وكاتبي التقارير منهم بالطبع الذين اضحوا في عزلة ووضع لا يحسدون عليه.
وترافق هذا مع اقتراب اطلاق سراح العراقيين الثلاثة الذين سبق الحديث عنهم. فقد قدموا الى المحكمة العسكرية وحكم عليهم بأحكام خفيفة كان اقصاها الحكم على حسين المراياتي بالسجن لمدة سنتين، وقد قضى غالبية هذه المدة قبل اصدار الحكم عليه، ولم يبق الا القليل ليطلق سراحه. وبالفعل تحرر الثالاثة من القيد ولكنهم استقروا في طهران لكونهم يحملون كلا الجنسيتين العراقية والايرانية.
وكان من جملة من توثقت اواصر العلاقات الحميمة معهم، ثلاثة سجناء من اعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني. وهم الاصدقاء الاعزاء غفور ابراهيمي، من اهالي مدينة سردشت الحدودية مع العراق، ويوسف صنيعي واسماعيل زاده. وكان هؤلاء الاصدقاء الجدد يتحلون بالود والتواضع والادب الجم اضافة الى كونهم قد ابدوا التعاطف معنا. إن العزيز غفور ابراهيمي هو من اهالي مدينة سردشت كما اشرت، وهي مدينة ليست ببعيدة عن المدينة الحدودية العراقية الجميلة قلعة دزه التي حولها نظام صدام لاحقاً الى حجر على حجر و ركام في عملية الانفال السيئة الصيت. وكان غفور يتسلل شأنه شأن الكثير من اهالي القرى الحدودية الى المدن العراقية الحدودية وخاصة قلعة دزه سواء لاسباب تتعلق بالتعامل التجاري وتبادل البضائع او لاسباب سياسية. اما يوسف فكان من مدينة سنندج وهي من كبريات مدن كردستان. ان يوسف يتمتع بقدر كبير من الشفافية والبراءة وله عينان تنطقان ببراءة كبراءة الطفل. كما انه يتميز بطبع كدود في السعي من اجل غرف المعرفة والعمل وتقديم العون للآخرين على حد سواء. اما اسماعيل زاده فهو لولب الكومون ومدبره وراعي مخزن الآذوقة فيه. لقد كان بحق إدارياً ناجحاً لـ”مشاعتنا”. كان اسماعيل زاده لا يكل ايضاً من العمل في حياكة السلال واعمال يدوية اخرى لبيعها ايضاً، ولا يكف عن هذه المهنة الا عند اداء الصلاة في اوقاتها المحددة. أن طبع هؤلاء الاصدقاء الجدد هو طبع البسطاء الطيبين الكرماء من الكورد وهم بذلك لا يختلفون عن اقرانهم الكورد في العراق.
عاش الثلاثة في غرفة رقم 4 الكبيرة من قاطع رقم 3، والتي تتسع لحوالي 20 شخصاً. وكان هؤلاء الاعزاء الثلاثة اعضاء في “كومون” واحد، “مشاعة”، لتنظيم امر اكلهم وترتيب حياتهم اليومية. لقد إنتظم حوالي نصف السجناء في عدة “مشاعات” لتسهيل امر معيشتهم والتكافل الحياتي بينهم، خاصة وان غالبية منهم ليسوا من سكنة طهران بل من اقاليم بعيدة. وفي احد الايام اقترح علي العزيز غفور ابراهيمي الانتقال الى غرفتهم بسبب اطلاق سراح احد السجناء من غرفتهم، بعد ان اتفق مع ساكني الغرفة حول إنتقالي. ووافقت على مضض رغم ابتعدادي في غرفة أخرى عن اعزائي العراقيين، وذلك بأمل ان يتوفر لنا مكان افضل وينتقل الجميع تباعاً الى مكان واحد، وهذا ما جرى لاحقاً. في الواقع ان اقتراح العزيز غفور كان تعبيراً أيضاً عن الثقة والاطئنان في افراد المجموعة العراقية من الناحية السياسية والسلوكية والامانة، إذ أن السجن، كما اشرت سابقاً، لم يخلو من البصاصين وكتّاب التقارير الملفقة الى إدارة السجن.
وما ان انتقلت الى المكان الجديد حتى اقترح غفور على جميع المجموعة العراقية الانضمام اليهم في الـ”كومون”، اضافة الى الصديق العزيز الذي مر الحديث عنه وهو مجيد امين المؤيد،ووافق الجميع على ذلك. وهكذا ارتفع عدد اعضاء الكومون الى ما يزيد على عشرة انفار. وفرت هذه التشكيلة الوقت والوقود والمال، وحسنت من نوعية الطعام الذي شرعنا بالحصول عليها، الى جانب تداول الاخبار والمعلومات والكتب التي كنا نحصل عليها بصعوبة قبلئذ. كان على كل عضو في الكومون ان يتولى كل حسب نوبته مهمة تهيئة الطعام في ثلاث وجبات: الصباحية ووجبة الظهر والوجبة االمسائية، اضافة الى ترتيب السفرة وتنظيف الاواني وغسلها. هذا النظام في “الكومون” وفر لنا وقت اكثر من اجل الاستمرار في الدراسة والمطالعة ايضاً. كان كل سجين في الغرفة يمتلك “سماعة” و “كريستال” يسحب فقط ما تيثه اذاعة طهران المحلية بأخبارها وبرامجها المتنوعة، وهو ما كان مسموحاً به من قبل ادارة السجن. وقد تلطف غفور ابراهيمي واهدى لنا بضعاً من هذه السماعات.
ولكن في مساء احد الايام قرب غفور السماعة من اذني واذا بي استمع الى اذاعة صوت الشعب العراقي التي كان يبثها الحزب من بلغاريا بعد انقلاب شباط 1963. وسرعان ما تعرفت على صوت المذيع المألوف عندي وهو صوت الصديق العزيز المرحوم مهدي عبد الكريم (ابو كسرى). كانت مبادرة غفور مفاجأة عجيبة وذات دلالة ومشكورة وبالغة السعادة بالنسبة لي وللاخرين من العراقيين الذين بدأوا يحصلون على اخبار العراق أول بأول في داخل سجن الغربة، وعلى بعد مئات الكيلومترات من تراب الوطن العزيز. كانت هذه الاذاعة هي نفسها اذاعة “پيك ايران” التي كانت تبث برامج خاصة بحزب توده ايران بالتناوب مع برامج للحزب الشيوعي العراقي، الذي بث برامجه باللغتين العربية والكوردية. كنا نستمع الى البرامج من راديو مخبأ بشكل مناسب تحت بلاط جنب فراش العزيز غفور ابراهيمي تفادياً لانكشافه. فالراديو كان يعد من الممنوعات والمحضورات داخل السجن، وقد حصل غفور على هذا الراديو بعد ان قدم رشوة الى احد افراد الشرطة. وبقي الراديو قيد الكتمان حتى على افراد في الغرفة، ناهيك عن البصاصين. وبعد فترة بدأنا، بالتناوب، نستمع الى الراديو ونسجل اهم الاخبار من الوطن والتعليقات ونتداولها ونترجمها الى الفارسية بمساعدة من الاعزاء الايرانيين ونعرف السجناء الايرانيين على المحتويات المهمة منها.
ما ان مرت فترة قصيرة حتى تعطل الراديو، وعندها خسرنا مصدراً هاماً من مصادر المعلومات والاخبار. ما العمل؟ فإن امكانية دفع رشوة من جديد الى احد الشرطة اصبح من باب المستحيلات بسبب التوتر في الوضع السياسي والتضييقات على السجناء التي تصاعدت جراء التطورات الاخيرة في البلاد، مما ادى الى تردد اي من الحراس الخوض في مغامرة كهذه. ولم يكن هناك امكانية لادخال الراديو من خلال الزيارات والمواجهات، إذ ليس هناك من يزور اعضاء الكومون في الايام العادية لبعد مسافات المدن التي يسكن فيها اهاليهم. ولم يبق الا ان نفكر بمن يزورني. فالخال العزيز الحاج مصطفى الصفار كان يزورني كل اسبوع تقريباً في السجن ويجلب ما يتيسر من متاع. ولكن ما كان من الممكن ان افكر بإقحام الخال الكهل في مغامرة تسريب الراديو خوفاً عليه من ملاحقة الشرطة وبطشها. كانت تزورني في السجن ايضاً العزيزة بنت خالي المرحومة سهام حسن الصفار، وهي التي ابدت الكثير من العناية والتعاطف معنا اثناء وجودنا في السجن. في يوم الزيارة تحدثت معها باللغة العربية بسرعة، كي لا يعرف الحرس كنه ما يدور بيننا من حديث، وأخبرتها بمشكلة الراديو وحاجتنا اليه. بعد تفكير وعلى حين غرة تطوعت العزيزة سهام بتأمين الراديو وإيصاله الى داخل السجن؟؟ كيف ؟.. لم يدور في خلدي اي تصور عن خطتها. وعلى الرغم من انني على معرفة بقدرتها على المغامرة وحبك الخطط التي لا تخطر على بال احد، وانها لا تحسب الحساب للمخاطر، الا انني حذرتها من مغبة الاقدام على هذا الفعل، وتجاهلت الامر. في الاسبوع التالي وفي يوم الزيارات والمواجهة فاجأني علي پاپاخ ، وهو المسؤول عن ادخال ما يجلبه الزوار من متاع الى داخل السجن، بقدر كبير غير عادي من الرز وقدر آخر اصغر حجماً من مرق “القيمة” اللذيذة. وفي خضم التعبير عن تذمره من الحمل الثقيل غير العادي الذي يحمله، اخبرني بأن بنت الخال في غرفة المواجهة بإنتظارك، وهي غرفة يتم فيها تبادل الزيارات، وقد ثبت فيها سياج حديدي مشبك ليفصل السجين عن زواره. وحالما رأتني العزيزة بنت الخال حتى اخبرتني بكلمات عربية سريعة عن ان الراديو مدفون داخل الرز، وهي قد دفعت رشوة يعتد بها الى الحرس كي لا يفتشوا الرز ولا يعبثوا به. أكملت المواجهة معها على عجل، وعدت الى الغرفة خوفاً من افتضاح الامر. انتظرنا الفرصة المناسبة واخرجنا الراديو، وكان جديداً وممتازاً. كان الراديو في تلك اللحظات اشبه بالنسبة لنا بمصباح علاء الدين السحري.
اقترن تسريب الراديو الجديد الى داخل السجن بمهارة بنت الخال، مع الاستعدادت للاحتفال بأهم عيد لدى الايرانيين وهو عيد النوروز. وامر مدير السجن تيموري بصبغ وترميم الغرف والرواق على أن توفر إدارة السجن كل المستلزمات، وان يقوم السجناء بمهمة الصبغ والترميم. كانت هذه المبادرة فرصة ذهبية لنا كي نعمل اخاديد في الحائط ونمد شبكة انصات يتمكن فيه عدد اكثر من اعضاء الكومون الانصات الى الراديو. وتم التخطيط لاخفاء الراديو في مكان اكثر أمناً وبعيداً عن مرأى الفضوليين وحرس السجن، وحفرنا حفرة تحت احد البلاطات بحيث يتم بسهولة رفعها عند الانصان مع تدبير مكان مناسب لهوائية الراديو. انتهت عملية الترميم وصبغ الغرفة ومد الاسلاك بسلام دون ان تثير انتباه احد، وعدنا من جديد نستقبل برامج الراديو بنحو افضل من السابق.
دبت الحركة بشكل اكثر مع اقتراب عيد رأس السنة الهجرية الشمسية الايرانية اي عيد النوروز، عيد الربيع وعيد الخصب ويوم تساوي الليل والنهار المصادف 21 آذار في التاريخ الميلادي. وحول هذا العيد نسجت اساطير واساطير. احد هذه الاساطيرالمشهورة تحكي عن شاه كان اسمه “جم” او “جم شاه”. وحدث ان خرج قبل الالاف السنين هذا الشاه من قصره في اول يوم من ايام الربيع وجلس على عرشه المرصع بالمجوهرات. وما ان بانت الشمس وسقطت اشعتها على العرش حتى انعكس نوره على وجه الشاه الذي تحول الى نور ساطع. عندها تعالى تهليل الناس وصاحوا:” شيد…شيد”اي “خورشيد وتعني الشمس”. وهنا اطلق الناس اسم “جمشيد” على هذا الشاه. ويشار الى ان شاه ايران القديم داريوش الكبير (421-486م)، كان يذهب الى معبد الاله مردوخ، اله البابليين القدامى، ليقدم القرابين والهدايا لهذا الاله مع وافر التعظيم له.
شرع السجناء بزرع الحنطة في الاواني حسب عادات الايرانيين. واشترى نفر آخر السمكات الذهبية الجميلة كي يرميها في الحوض الصغير الموجود في باحة السجن، هذه السمكات الذهبية هي جزء هام من المراسيم التقليدية لاستقبال السنة الجديدة،هذا شراء ما تحتاجه سفرة العيد. وتوجه من يملك موهبة الرسم بتهيئة كارتات العيد ورسمها لارسالها الى الاحبة والاصدقاء. وكان الاهتمام اكثر بقدوم هذا العيد من قبل سكنة المحافظات البعيدة الذين لا يلتقون بأحبتهم الا مرة واحدة في السنة، وفي هذا العيد بالذات. وشرع العديد من السجناء بتنظيف ملابسهم وكيّها، وراح الآخرون يتسابقون على حلق رؤوسهم استعداداً للقاء الزوجة والابناء والام والاب، بينما اهتــــم نفر آخر من السجناء بالتمرين على بعض الوصلات الفنية من أغاني ورقص ودبكات بألوان قومية متنوعة كي تقدم في يوم دورة السنة.

سفرة العيد – “هفت سين”، اي سبع سينات
ومما لفت نظرنا هو ذلك النشاط الذي دب بين السجناء الآذريين الذين كانوا أكثر مهارة في العزف على الآلات الوترية الشعبية”سه تار” والدفوف، اضافة الى اتقانهم الرقص والدبكات القوقازية الشهيرة المعروفة بـ”اللزگي”.
ولم يتخل السجناء الكورد الايرانيين عن باقي السجناء بالاستعداد للاحتفال بهذا العيد. وبدأت تفتح الشنط لتظهر منها تلك الاطقم الزاهية من الالبسة الكوردية التي تتناسب مع الاجواء المناخية في كوردستان، ومع ذلك الانسياب الجميل لممارسي الدبكة الكردية والرقص الجماعي المتميز. وعلى حين غرة طرق سمعي صوت غناءً كوردياً رخيماً لم يسبق لي ان سمعته من قبل من حيث نقاوة الصوت وقوته ورنينه وعذوبته. كنت قد استمعت الى الاغنية الكوردية في السابق عندما كنت طالباً في كلية العلوم في بغداد، واثناء السفرات التي كانت تنظمها الكلية او السفرات التي ينظمها اتحاد الطلبة العراقي العام، اضافة الى ما كان يذاع من الاغاني الكوردية القليلة في اذاعة بغداد، او ما كنت اسمعه من حناجرالرعاة والفلاحين الكورد عندما كنت اساهم مع بعثة التنقيب الجيولوجية التشيكوسلوفاكية في كردستان العراق بعد ثورة تموز عام 1958. ولكن ما سمعته في السجن يتميز ويتفوق على كل تلك الحناجر والاغاني على الاطلاق. ولم يكن هذا الصوت العذب الا صوت المغني الجميل عزيز شاهرخ الذي كان يمضي مدة محكوميته البالغة خمس سنوات بسبب من نشاطه ضمن الحزب الديمقراطي الكوردستاني الايراني. كانت الانشودة الاولى التي بدأ يتدرب عليها هي انشودة نوروز التي ألفها الشاعر العراقي المبدع “پيره مرد” إثر وثبة كانون الثاني عام 1948 ضد معاهدة بورتسموث، وأرخ فيها دور المرأة البطولي في تلك الاحداث العاصفة، اضافة الى تغنيه بالعيد القومي الكوردي نوروز حيث انشد قائلاً:

عزيز شاهرخ – صورة حديثة وهو يغني في أحدى القنوات التلفزيونية الكوردية العراقية
ئه‌مڕۆژی ساڵی تازه‌یا نه‌ورۆزه‌ هاته‌وه‌
جه‌ژنێکی کۆنی کورده‌ به‌خۆشی و به‌هاته‌وه‌
تائێستا ڕووی نه‌داوه‌ له‌ته‌ئریخی میلله‌تا
قه‌ڵغانی گوله سینگی کچان بێ له‌ هه‌ڵمه‌تا

وتحكي هذه الانشودة الجميلة، التي انتشرت على نطاق واسع في بقاع أخرى خارج كردستان العراق واصبحت انشودة قومية، عن استقبال السنة الجديدة والاحتفال بها، والامنيات ان تعود بالخير على الكورد. كما اشار پيره مرد في انشودته الى انه لم يحدث في تاريخ البشر ان تتحول صدور الصبايا الى دروع تتلقى رصاص الطغاة. ولم يتوقف عزيز شاهرخ عند تلك الانشودة فسرعان ما تحول الى المقامات الكلاسيكية كمقام كرد وسيگاه وغيرها من المقامات متأثراً في ذلك الى حد بعيد بالمقامات الايرانية التقليدية. ولم يكف هذه الشاب اللامع عن الغناء في رواق السجن حتى عندما يتوجه السجناء الى غرفهم في ساعات الخلود الى النوم عند الساعة العاشرة مساء طبقاً لأوامر من ادارة السجن. إنني ما زالت الى الآن وفي بلد الغربة، اتابع غناء وابداعات هذا الفنان الموهوب عندما يطل من على شاشات القنوات الفضائية.
وأخيراً حل العيد وتغيرت أمزجة السجناء وحتى السجانين وتعاملهم، وربما كان هذا العيد هو الشئ الوحيد الذي يوحد السجان مع مسجونيه. كنت تسمع في المواجهات صياح الاطفال وصراخهم، وهو ما كنا نفتقر اليه في الايام الاعتيادية. وتوالت الهدايا والاطعمة النوروزية على السجن مما ترك مسحة من الابتسامات على وجوه جميع السجناء الا قلة قليلة ممن حرموا من رؤية الاهل والاحبة لاسباب عديدة ومنهم افراد المجموعة العراقية. كنت ارى الحسرة على وجوه احبائي من العراقيين خاصة اؤلئك الذين حرموا من لقاء الزوجة الحبيبة والابناء وهم كل من محمد حسن عيدان وكاظم المالكي ومحمد الحمداني ومحمد علي سيادت. اما انا وسعيد المسعودي فقضيتنا اهون لكوننا من معشر العزاب، اضافة الى ان الزيارات كانت تشملني ايضاً نظراً لتردد الخال الحبيب والعزيزة سهام مما سد جزءا من فراغ بعد الاحبة وبعدهم عني.