كشفت الأزمة الحالية في جنوبي كردستان، والناتجة عن حشد تركيا( العدو التقليدي والوجودي للكرد) لربع مليون من عساكرها على الحدود، بموازاة الحشود العسكرية الإيرانية. كشفت عن المسكوت عنه في شخصية المثقف الكردي الرابض خلف أنانية ونرجسية مريضة يتكور فيها بعيداً عن قومه وهمومهم. ففي الوقت الذي تستعد فيه ذئاب تركيا الرمادية الموغلة في دم الكرد الشماليين في الهجوم على قواعد مقاتلي قوات حماية الشعب( من الذين يدافعون عن شرف وكرامة الشعب الكردي الشمالي) في جنوب كردستان، وتقصف مدفعية الأتراك كل يوم القرى الآمنة لتقتل النساء وتروع الأطفال والآمنين، يتمرغ المثقف الكردي أكثر وأكثر في صمته المتواطئ، مٌشيحاً بوجهه عن مقدار الخطر الماحق الذي يهدد وجود حركة التحررالكردستانية في شمال كردستان، وتجربة التحرر في الجنوب.
حشد الأتراك، وجنرال حربهم المجرم يشار بويوكانيت، قاتل المدنيين في مدينة شمزينان، لربع مليون جندي، والحقد المنهمرعلى المدنيين في “كاني ماسي” وقرى “زاخو” و”خاكورك” لايؤثر في المثقف الكردي شيئاً، بحيث يجعله ينزل من عليائه ويكتب بضع أسطر أو قصيدة ـ ربما ـ مندداً بآلة الموت التي تقف على الحدود لقصف أعمار الشباب الكرد من ثوار حزب العمال الكردستاني، وتدمير المنجز الكردي الجنوبي “الخطر الإستراتيجي الأكبر على وجود الدولة التركية”، كما تكرر تقارير المجلس القومي التركي عقب كل إجتماع…
أي خطر هذا الذي يهدد الكرد الأن؟.
تركيا تريد القضاء على ثورة الكرد الشماليين الناهضة منذ ربع قرن، تلك الثورة التي أعادت الحياة من جديد في نسغ الكرد اليابس، بعد ان كان كرد الشمال قاب قوسين او أدنى من الأندثار، والذهاب في طوايا القرون الغوابر، مع عاد وثمود والهنود الحمر!.
تلك الثورة التي حشرت أنقرة وهي من هي، في زاوية ضيقة وكبدتها خسائر كبرى لاتحتمل، بجهود وأمكانات ذاتية جد متواضعة، وإعتماداً على الأوساط الفقيرة والكادحة في الشعب الكردي. ثمّة الأن إستعداد تركي للزحف على الجنوب الكردستاني وضرب عصفورين كرديين بحجر واحد: حزب العمال الكردستاني وإحتلال هولير، وإنزال العلم الكردستاني!. والمؤشرات كلها، وفي مقدمتها ضخامة عدد وعتاد العسكر التركي، تذهب في هذا الأتجاه…
أما على جبهة المثقف الكردي، فلا حياة لمن تنادي!.
المثقف الكردي منشغل بمعاركه الدونكيشوتية، مستعد أن يٌسوّد عشرات الصفحات ضد شخص طال مقامه الهيلماني العالي بكلمة طائشة. حاضر لدخول سلسلة من المواجهات العدميّة على صدر المواقع الألكترونية ضد شخص او اشخاص، لمجرد اختلاف هنا، أو وجهة نظر متعارضة هناك، أو تصفية لحساب شخصي بطرائق ثأرية/إنتقامية يصعب معها فك الأشتباك أو الوصول لهدنة فيها. لكنه في الحين نفسه ليس بمستعد أن يكتب حرفاً واحداً مدافعاً عما يحصل في كردستان. عن دماء الشبان الكرد التي تراق كل يوم دفاعاً عن كرامة الكرد، وإنتقاماً لفاتح تكين وعبدالله دوران، الطفلين اللذين قتلهما ذئاب الجيش التركي بالرصاص في إنتفاضة آمد الآذارية الأخيرة….
المثقف الكردي، مشغول و”غير فاضي”. هو يبحث ويكتب في الفن، في الشعر، في الدين، في النقد، في جماليات اللغة، في آثار الفراعنة، في علم الجمال والوصال. لكنه غير موجود حينما يتعلق الأمر بطوفان متحرك يزحف على صدر كردستان”ه”!.
المثقف الكردي، لكي يبقى مستقلاً، ولكي يظل مبتعداً عن السياسة ويحافظ على عذريته التي خال أن “الحزب” سينتهكها، يجانب اللاموقف. ويذهب في أبعد من ذلك، حينما يسكت عن الحق الصراح ويشيح بوجهه عن منظر دماء بني قومه وأشلاء مواطنيه وهم يتطايرون في كل زاوية من كردستان المختنقة بدخان آلة الحرب والحقد التركية والإيرانية…
المثقف الكردي، ثائر عندما يكتب في كل شيء، إلا في قضيته حيث يبدأ في الحساب وضرب الأخماس في الأسداس مراعاة لأجندة متشعبة معقدة لايعلم مداها سوى الله وهو…بإختصار، ثائر عنيد و”لايجيبها واطيّة لأحد”، لكنه، في حال الصمت أمام منظر أشلاء بني جلدته، ثائر بدون قضية…
في الحرب الأخيرة في لبنان، شاهدنا موقف المثقفين العرب من مقاتلي منظمة “حزب الله” الأصولية ضد الجيش الإسرائيلي: تأييد بالجملة وعمليات إستنهاض همم مدهشة أطلقها مثقفوا العرب “للشد من ظهر” مقاتلي الحزب ضد إسرائيل. ورغم أن العرب يمتلكون بدل الدولة أثنين وعشرين، والآلاف من المؤسسات والجرائد والتلفزيونات، إلا أنهم ركضوا وراء مقاتلي “حزب الله”. وراح بعضهم يطلب ويٌسبح “أن يكون نعلاً في حذاء” أحد الملتحين من أتباع حسن نصرالله. كل ذلك على أمل إنقاذ الكرامة المهدورة على يد رجالات إسرائيل في ستة حروب، ذاق فيها العرب الهزيمة مربعاً ومكعباً، ولم ينسوا ذلك، ولم ينسوا الكرامة المهدورة رغم الزعيق المعتاد بالنصر وسحق الأعادي و”شلفهم” في البحر…
يوسف شاهين، المخرج القبطي الشهير، يقول بحزب الله إنه “يمثل شرف الأسلام”…
نصر حامد أبو زيد، المفكر المٌكفّر المطرود من أرض العرب لمملكة هولندا، يلعن كل من يرفض السير وراء مغامرة نصرالله ومرجعه الطهراني، ويقول في مقال (العقلانية العوراء والليبرالية العرجاء) مخاطباً المثقف العربي المتردد، وبعد أن يبهدله، ويمسح به الأرض بالطبع “إنكم خائفون من فقدان مواقع هشة، ومن فقدان مُتَعٍ شخصية، أما مستقبل الأوطان فلا معني له عندكم. ألا ساءت عقلانياتكم، وسحقاً لليبراليتكم، والنصر للمقاومة.”.
أدونيس يجترح هو الآخر قصيدة طويلة على صفحات “الحياة” اللندينة(خمسة وعشرون يوماً) معلناً برائته من ماعلق به من أفكار خربانة، راغباً في العودة لركب الوطن وفي صفه، حيث حال المقاومة والرباط في وجه كل غاز: طبعاً على الطريقة الأدونيسية المميزة..
الشيخ يوسف القرضاوي، شيخ مشايخ الأرهاب، ومرجع قناة “الجزيرة” القطرية التحريضية، هو الآخر، ولكي يرى في الأسرائيليين يوم، قبل أن يأخذ صاحب الأمانة أمانته، عض على كل النصوص السنيّة وتراث الفقهاء من إبن تيمية الحراني إلى إبن جبرين النجدي، والذي يٌكفر الشيعة الروافض ويٌماثلهم باليهود والكفار، ليطلق فتواه في “وجوب وقوف الأمة مع {حزب الله} وامينه حسن نصر الله” في وجه “اليهود الكفار، أعداء الدين”. طبعاً القرضاوي فعل ذلك ليس حباً بعلي وإنما كرهاً بمعاوية. وكله من أجل قتل اليهود وتمريغ أنفهم بالتراب، يهون…
أرتال الفنانيين العرب، المشهورين، وأنصاف المشهورين، والمغمورين منهم ينضمون لصفوف الجماهير لإدانة العدوان الإسرائيلي على لبنان، ببضاعة “أضعف الإيمان” تلك. بل أن بعضهم تعدى في تضحيته حدود تلك البضاعة الكاسدة وفعلها بتقديم إستقالته من منظمات الأمم المتحدة إحتجاجاً على الموقف المتردد وغير المنصف للمنظمة الدولية تجاه لبنان والقضايا العربية…
طبعاً لم يتهم احد هؤلاء بأنهم من “أتباع حسن نصر الله الشيعي” أو انه “مع المقاومة” ضد الأسرائيليين واليهود. وهم يفتخرون بذلك الأتهام لاشك. لكنه الموقف القومي الذي صدر في لحظةً، رأى هؤلاء أنها إستجوبت إطلاق هذا الموقف..مهما قلنا عن أجندتهم أو خلفياتهم الأيديولوجية واتفقنا معها أولا، فإنه يظل موقف قوي يصب في إتجاه المقاومة ضد من يعتبرونه احتل أراضيهم ومرغ أنوف جيوشهم بالتراب…
تختلف أسباب نكوص المثقف الكردي عن إبداء موقف مشرف من هذه القضية. ثمّة البعض منهم مختلف مع حزب العمال الكردستاني. والإختلاف لايفسد للود قضية إلا إذا كان كردياً…لأن الإختلاف الأيديولوجي والسياسي وحتى المذهبي/التكفيري مع “حزب الله” لم يقف حائلاً أمام قول كلمة الحق العربية ومجانبة مقاتلي نصر الله في حربهم مع العسكر الإسرائيلي. البعض منهم كان في صفوف حزب العمال الكردستاني في الماضي، وكان مشاركاً في “كومة الأخطاء” التي ينتقدها الأن هو نفسه، لابل أن بعض من يتشدقون بالحرية والتسامح كانوا في الماضي من الصقور وأصدروا العديد من القرارات الخاطئة، وأسسوا للخطأ ونظرّوا له، وألفّ بعضهم كتباً في التمجيد والمدح، تعتبر من أهم مصادر فنون الردح وكيل المديح المكشوف في الثقافة الكردية. وحدث الإختلاف بعد زمن، فتحول هؤلاء لرأس حربة ضد الحزب، يرفضون كل مايمت للحزب بصلة وينتقدون كل شيء، بسبب أو بدون سبب، بهدف الأنتقام وتسويد صفحة الحزب في الأعلام الكردي، والعالمي إن إستطاعوا..
البعض الآخر كان متحمساً في البداية. شلعة نشاط و”ثوروية” قبل أن يقبض عليه من جانب السلطات التركية ويٌودع السجن، فيٌختبر عندئذ الأختبار الصعب ليٌكشف عن معدنه الهش وشخصيته المهزوزة، حيث ذهبت سكرته وجاءت فكرته: فتراجع عن “خط الثورة” وبدأ في كيل الأتهامات والسباب لها في الطالع والنازل. وأنا أعرف متثيقفاً كردياً، كان بين صفوف حزب العمال الكردستاني وسٌجن عشرة أعوام في سجن دياربكر، فخرج بعد أن دفع الثمن من أيام شبابه حاقداً على الحزب يريد الثأر بأي شكل من الأشكال. ولايمر إسبوع ومنذ سنين طويلة، إلا ويكتب فيه هذا الشخص تفاهات وبذائات شتائمية رخيصة يصفها بالمقالات، ليتطاول فيها على الحزب ورموزه…هذا دأبه وديدنه منذ أن خرج من السجن وفرّ من كردستان ميمماً شطر السويد في بداية التسعينيات…
ثمّة من يبرر “هريبته” من الموضوع بأن الحزب ماركسي لينيني، لذا فإن الولايات المتحدة تعاديه، وعليه فلا فائدة من الدفاع عن نضاله في وجه العسكرتارية التركية. لأن مثقفنا المتأمرك( الذي تشكل أفكاره مرجعية كبرى للمحافظين الجدد، ماشاء الله!) ليس بمستعد أن يغضب ويستدعي واشنطن بدفاعه عن الثوار الكرد ضد القتل التركي الممنهج. وهذه طبعاً كذبة كبرى. فلا حزب العمال الكردستاني بقي ماركسياً كما يصف، ولاواشنطن تستعديه لمجرد أصوله وأسسه الإيديولوجية. الأمر ببساطة شديدة ـ وبدون الغور في بحور السياسة ودهاليزهاـ أن حاجة واشنطن ومصلحتها مع أنقرة تفوق حاجتها ومصلحتها مع كرد تركيا، وإلا فلماذا لاتعترف بحزب المجتمع الديمقراطي، ممثل الكرد في الساحة السياسية التركية الرسمية؟. ولماذا ترفض خوض القضية مع أحمد ترك، أو ليلى زانا، أو خطيب دجلة، أو عثمان بايدمير وهم المنتخبون من الشعب الكردي مباشرةً؟.
وهناك صنف أخير، يتوارى عن الأنظار خوفاً من أن تحسب عليه كلمة تأييد يطلقها في حزب العمال الكردستاني وكرد تركيا، على علاقاته المناسباتية مع الحكومة الكردستانية الجنوبية!. هذا طبعاً رغم أن هذه الحكومة نفسها تدافع بشكل أو بآخر عن حزب العمال الكردستاني، وتعمل في الخفاء لنصرته وفك الحصار عليه..
فالسيد رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، صرحّ أكثر من مرة بوجوب حل القضية الكردية في كردستان تركيا بالحوار، وإنه يقف ضد العمل العسكري، ويرفض رفضاً قاطعاً مشاركة قوات البيشمركة الكردية فيه، لأن “زمن القتال الكردي قد إنتهي، وللأبد” كما قال صراحةّ ذات مرة…
رئيس الحكومة الكردستانية نيجيرفان البارزاني، توسطّ بين قيادات حركة التحرر الكردستانية من جهة والدولة التركية من جهة اخرى. لكن تركيا رفضت وأصرّ مجرم الحرب البلطجي يشار بويوكانيت الذي رفعّته المؤسسة العسكرية لهرم القيادة، على الحرب وسفك دماء الكرد الشماليين، والإستعداد لتخريب المنجز الكردي الجنوبي.
كما كان للسياسي الكردي المخضرم محمود عثمان الدور الأكبر في التقريب بين القوى الكردستانية، وهو عارضّ بشدة مشاركة الكرد الجنوبيين في التضييق على حركة التحرر الكردستانية، وقال بأن ذلك “سيؤدي إلى إضعاف حركة تحرر الشعب الكردي في شمالي كردستان، في وجه الآلة العسكرية التركية”. فمن يزايد على محمود عثمان ياترى؟.
يفوت المثقف الكردي كذلك، أن قواعد حزب العمال الكردستاني موجودة في أراضي أقليم جنوبي كردستان، وأن من يرغب في زيارتها يجب أن يسافر جواً إلى مطار هولير، ليٌستقبل من هناك، على الرحب والساعة، قبل أن يحزم أغراضه ويتجه صوب قنديل، آمناً مطمئناً…
لماذا السكوت أذاً؟.
هناك الأسواء من السكوت، وهو التحريض الذي تبثه بعض الأقلام الكردية على أمل المساهمة في إندلاع مواجهات كردية كردية. ثمّة من يجلس في الغرب ويكتب كل يوم محرضاً البيشمركة على قتل الكريلا. بينما هو يعيش البحبوحة في الغرب ويرسل أولاده للمدارس يٌطالب بأن يتقاتل شباب الكرد في الجبال، ويٌقتل الأخ بيد أخيه، علّ ذلك يٌسارع بالقضاء على حزب العمال الكردستاني، ليشفي كل ذلك غليل حقده البهائمي…
وهنا نتسائل مع الباحث الكردي إبراهيم محمود” من الذي يدفع بالكردي كاتباً، لكي يساوم على الكلمة التي يُفترَض فيه أنه يعرفها، باعتبارها يعرّف بنفسه حراً، لا يقيده فيما يقول ويكتب، يحلم ويخطط سوى حريته ذاتها، طالما أن ضرورة الكتابة، كما يريد تقديم نفسه لمحيطه، هي من ضرورة الحياة التي أبصر نفسه فيها، ويريد بناءها لإبراز من يكون شخصية لها قوامها ومقامها؟ لا مجال للتحاور حول مسلك الكردي هذا، إلا بصفته أجير الكلمة ومستأجرها، إلا باعتبارها مائدة يحلم أن تكون معمرة بأطايب الطعام، ولو خسر نفسه، ليس لديه فيما يتأمله إلا في أن يكون مرتزقاً وهو يناور ويراوغ هنا وهناك؟”
موقف مثقفي جنوب كردستان أفضل بكثير من موقف مثقفي غرب وشمالي كردستان. ففي الوقت الذي تجد فيه كتاباً كرد من جنوبي كردستان يكتبون يومياً ضد التدخل والحشد التركي في كردستان، ويدافعون عن حركة التحرر الكردية، مطالبين حكومة الجنوب بإستخدام علاقاتها الدولية في لجم الأتراك والمساهة في حل القضية سلمياً، يتوارى بعض مثقفي كرد سوريا وتركيا في مزايدة مكشوفة للخلف، لكي لايطلقوا كلمة، يظنون انهم سيحاسبون على قولها…
نزار جاف، محسن جوامير، قيس قره داغي، مصطفى جوارتايي، محمود الوندي،أحمد رجب، فينوس فائق، هشام عقراوي، ناجي عقراوي، نبيل أربيل أوغلو(الكاتب التركماني الكردستاني)، شمال عادل، دانا جلال ، كوردة أمين، عوني الداوودي.. وغيرهم من الذين لاتحضرني أسمائهم الأن يكتبون بشكل دائم في الصحافة الكردية والعربية مطاليبن بحل القضية حلاً ديمقراطياً عادلاً. ويٌجاهرون بمواقفهم التي تجانب حق شعبهم المظلوم في نضاله ضد طغمة العسكر في أنقرة.
هناك مثقفون عرب مرموقون مثل القاضي زهير كاظم عبود( الذي أبدى إستعداده للدفاع عن قائد الثورة الكردية الأسير عبدالله أوجلان) ود.كاظم حبيب ود.أحمد أبو مطر، د.تيسير الآلوسي وغيرهم المئات ممن يكتبون مدافعين عن حق الكرد الشماليين في النضال والمقاومة والحياة، ويدينون الحشود والتهديدات التركية مطالبين بموقف كردستاني موحد. في الحين الذي يختار فيه المثقف الكردي الصمت والإنزواء لحسابات شخصية/مصالحّية أو لأحقاد صغيرة أمام حجم التهديد الذي يٌحيق بأمته: وكل ذلك بتسويق حجج واهية عن “الإستقلالية” و”الأبتعاد عن السياسة والحزب” و”إقتصار اختصاصه” في الأدب أو الشعر أو الرواية، وما شابه ذلك من معزوفات الأسطوانة المشروخة تلك..
حامل جائزة نوبل المسرحي العالمي هارولد بنتر والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي( والذي نسمح لأنفسنا بالأختلاف معه في بعض تحليلاته) يساندون حق الكرد في المقاومة حتى إنتزاع حقوقهم. وقد تعرضوا لحملات كبيرة من جانب الدولة التركية ومؤسساتها، لكنهم ظلوا ثابتين على مواقفهم التي يتشرف بها الكرد..
وبنتر سبق وأن كتبّ مسرحية (لغة الجبل) وذلك عقب جولة لتركيا، صاحبه فيها صديقة الكاتب الراحل آثر ميلر. حيث أثارّ كلمة القائها بنتر في حفل للسفارة التركية غضب الأتراك و..السفير الأميركي، الذي أمر بطرده من الحفل، ولحقه صديقه ميلر متضامناً…
يقول بنتر بشأن تلك الرحلة:”إن ما إكتشفته هناك كان معضلة حقيقية، فقد عرفت وعن كثب أن كرد تركيا كانوا ببساطة جداً، غير مسموح لهم بالوجود أصلاً، ومن ثم غير مسموح لهم بالطبع التحدث بلغتهم الأم. أتذكر أنني حين عدت من تركيا كنت قد كتبت ثلاث أو اربع صفحات بهذا الشأن، إلا أنني لم أكن واثقاً أو متأكداً منها تماماً، فرميتها يومها في سلة المهملات، إلا إن أنتونيا زوجتي، أخرجتها فوراً من السلة وقرأتها، وطلبت مني وبإلحاح أن أحتفظ بها، فوضعتها حينها في أحد الأدراج. وفي أحد الأيام وبعد مرور ثلاث سنوات، وبالصدفة، أخرجت تلك الأوراق من الدرج وأكملت كتابة النص بسرعة لاتصدق..” .
لانطلب المستحيل من المثقف الكردي. فهو بوقوفه في صف شعبه وثورته التحررية( حتى وأن ظل مختلفاً معها) إنما يقوم بجزء من مسؤلياته الأخلاقية والتاريخية. فلو تحققت أهداف الأعداء في ضرب الثورة الكردية الشمالية في مقتل، فإن ذلك يعني ضياع كردستان المركزية للأبد. ووقوع التجربة الكردستانية الجنوبية تحت مرمى النيران التركية مباشرةً: فالمقاتل الذي يٌحارب في ديرسم، هو حقاً يقوم بالدفاع عن كركوك..
فأين المثقف الكردي، من ذلك المقاتل، والحال هذه؟.
_______
إبراهيم محمود: تجذير الأرتزاق في الشخصية الكرديةـ موقع عفرين نت12/6/2006
هارولد بنتر ـ من مقدمة مسرحية(لغة الجبل) التي ترجمها للعربية الكاتب علي كامل ترجمة ممتازة
المصدر: شبكة knntv.net