المصدر: موقع جريدة صباح الجديد
خانقين.. هذه المدينة الوديعة الغافية على نهر الوند الخالد والتي عانت على مر الزمن من هجمات الطواغيت التي حولت أيامها البيضاء الى ليل حالك وقراها الجميلة وسهولها المبنية الى دمار وخرائب بدءاً من عام 656 هـ وانتهاء بحملات التعريب والقتل والتهجير التي مارسها حكام القرية الاوباش الشرقيون ضدها.. آه يا خانقين.. ما الذي جنته يداك حتى استحققت هذا الشقاء والخراب والدمار ايام حكم اعداء الحرية والشعوب، ألستِ أنتِ التي كبّر تاريخك العظماء ومدحك عشرات الشعراء وزارك الملوك والسلاطين وأطنب في وصف جمالك وطيب أهلك المؤرخون والادباء، ألستِ التي كنت طوداً أشم تصدين الاعداء بصدرك الرحب عن عراقنا الكبير العظيم وعبر العصور انت بحق قيثارة الزمان ومدينة الذهب الاسود.. لقد وجد النفط في”نفطخانه “ في عهد ما قبل التاريخ هذا السائل الرهيب الذي جلب عليك وعلى العرب السخط والرضا والعوز والرخاء انه بحق”مستعبد الشعوب “ والذي بسببه تعرض العرب والعراق لغزو الاقوياء الطامعين وسيطرة المستعمرين الغادرين..
ان أصل تسمية خانقين”خانقون “ بكسر النون والذي هو طسوج من طياسج جلولاء وقد جاءت التسمية من سجن النعمان بن المنذر بها وخنقه فيها، وقيل ان السموأل بن عادياء خنق فيها وقيل انها من الخانق أي المضيق بين جبلين”معجم ما استعجم للبكري الاندلسي ص 485 ج2 “. وقيل ان أصل التسمية عربية”خان القين “ لأن بني القين العرب أول من سكن فيها، وقيل ان اصل التسمية”خان وقين “”خان “ مكان و”قين “ تجمع فيعني انها مكان التجمع. وقد ذكرها المنشئ البغدادي في رحلته عام 1822 حيث قال عنها: مدينة قديمة معروفة قبل الاسلام سجن بها النعمان بن المنذر. وذكرها البلاذري في كتابه المشهور”فتوح البلدان “ وقال:”خانقين تقع على ضفتي نهر الوند الذي يأتي من جبال”اللر “ جانب منه من جهة قزلباط”السعدية “ والجانب الاخر بجانب قره حاجي وفيها 1500 عائلة كلهم كرد يعملون في زراعة القطن والتبغ والارز والحنطة “”رحلة المنشئ البغدادي ص40 “.. كما ذكرها ياقوت الحموي ت 626 في معجمه”وفي خانقين قنطرة عظيمة على واديها متكونة من 14 طاقاً كل طاق”20 “ ذراعاً وعليها جادة خراسان الى بغداد تنتهي الى قصر شيرين “”معجم البلدان ج3 ص392 “.
ان قنطرة الوند اثر عظيم عانى الاهمال أيام النظام السابق. لقد بنيت هذه القنطرة بماء اللحم والنورة على اكثر الروايات أيام الشاه زاده محمد علي مرزا عندما كان والياً على كرمنشاه وقيل ان امرأة بنتها ولها قصة لطيفة لا مجال لذكرها وليس في العراق قنطرة تضارعها في الحسن والجمال.
لقد تعرضت خانقين الى طلائع الهجوم المغولي اول مرة في شوال 635 هـ حيث وقعت معارك طاحنة بين المغول الذي عسكر في خانقين وبين القائد شرف الدين اقبال الشرابي وهزمهم”الحوادث الجامعة لابن الفوطي ص113 “ كما تعرضت للهجوم الثاني للمغول عام 656 هـ. ومن معالم خانقين التاريخية المهمة خان جيد البناء بناه”حاجي علي كرمنشاه “ من كرد الزنكنة وهو الحاكم الاسبق على كرمنشاه، ومن المعالم الاخرى نهر الوند والذي يسمى قديماً نهر حلوان وقد عده ياقوت الحموي آخر حدود العراق ما يلي الجبل وكان في حكم ايران ايام محمد علي مرزا وفي حلوان القلعة التاريخية المندثرة”ناهين قلعة “ والتي كانت تسمى”در تنك “ او لواء زهاب البلدة المعروفة”زهاو “.
وفي خانقين عدة مدن تاريخية مندثرة يطول الحديث عنها من اشهرها”زنكباد “ والتي كانت قلعة ايام السلطان سليمان القانوني وكذلك مدينة”ماذروستان “ والتي كان فيها ايوان عظيم بناه”بهرام جور “ وزعموا ان الثلج يسقط عليه من جهة الجبل والقسم الثاني من الايوان الذي يلي العراق لا يسقط عليه ابداً”معجم البلدان ج 5 ص 345 “ وكذلك مدينة”ماسيذان “ وكانت منطقة فيها تجمع للفرس خرج لهم سعد بن ابي وقاص سنة 16 هـ في معركة القادسية وقتل عظيمهم”آذين “ وكذلك مدينة”ارجوخان “ وهي مدينة على عين حلوان للقاصد الى همدان في الصحراء كثيرة الاشجار والحمامات والاملاح وماؤها يخرج الى بندنيجين”مندلي “.
وفي خانقين آثار كثيرة ومزارات وفيها كثير من بقايا عهود الفرس اللخمينيين والساسانيين يطول الحديث عنها. ولقد كان لخانقين موقف مشرف في ثورة العشرين 1920 ضد الاحتلال الانجليزي وموقف بطولي في انتفاضة شعبان 1991. وقد سكن خانقين عشائر كردية وعربية وتركمانية من اشهرها: زركوش والباجلان والكروية ونيووليس والجبور وربيعة والطالبانية والشرف بيانية وقادر والبرزنجية والجاف والسيريميري والكائية والكهرير والبيات والاركوازي والعساكرة والزنكنة والروزبياني وغيرها.
ورحم الله الشاعر العباسي عتبة بن علي التغلبي حيث تغنى بخانقين وقال:
ويومٌ بأعلى خانقين شربته
وحلوان حلوان الجبال وتسترا

