تعلم الانسان القديم من محيطه أغلب احتياجاته اليومية، ومن تلك الحاجات الملحة لمواجهة تغيرات الحياة، كانت الحياكة، فبعد ان تعلم عملية غزل الاصواف وصبغها بالالوان الطبيعية والتي استمدها من بعض الاحجار أو النباتات ليلون الاصواف بدأ بحياكة البسط والسجاد.
وكانت نهاية منتصف القرن التاسع وحتى منتصف القرن العشرين افضل مدة زمنية تم خلالها حياكة المنتجات الصوفية الى الحد الذي نرى فيه بعض هذه المنتجات قد تم اختيار الصوف المستخرج لها من صغار الاغنام، كونه يعد من اجود انواع الصوف وذلك لنعومته اذ يشبه الى حد ما الحرير. ويطلق عليه تسمية (الكُرك) ويعد البساط المصنوع من هذا النوع من الاصواف افضلها نوعاً وسعراً.
اشتهرت البسط الكردية كونها ذات نقوش بدائية مستوحاة من طبيعة المنطقة الجبلية، اذ لا نرى فيها هذا التعقيد الموجود حالياً في نقوش السجاد أو البسط بل حتى (عدد) الالوان المستخدمة لا يتجاوز الخمسة، وهو عدد قليل اذا قورنت اليوم بعدد الالوان الداخلة في السجاد الحديث واستخدم الحائك الكردي ايضاً الالوان الطبيعية مما اضفى لها تناغماً جعلها بالتالي افضل انواع المنسوجات، وفي المقابل ازداد الطلب عليها، فأغلب السياح والاجانب يفضلون هذا النوع من البسط كونها تعد من اقدم انواع الحياكة.. لذلك عُد بساط زاخو افضل انواع البسط واغلاها ثمناً، اذ يتميز بدقة عمله وكثرة نقوشه والتي ميزته عن باقي البسط، ويحاك في الاغلب على شكل (فجتين) تربط الواحدة بالاخرى، وفي الغالب لا تتطابق (الفجتان) نرى احداها اطول من الاخرى.
اما اشهر بسط منطقة كردستان العراق فهو (الدزه ئي) اذ تنتجه أغلب قرى كردستان، وهو الآخر له ألوانه الخاصة به وكذلك نقوشه البسيطة والتي تمثل فلكلوراً كردياً.. وقد اصبح هذا النوع شحيحاً بسبب الطلب المتزايد عليه من الزائرين الاجانب فهم يشترونه باسعار مرتفعة قياساً بسعره المحلي، كون السوق العراقية لا تعرف قيمته وكان اغلب اصحاب المحال يركنونه في زوايا المحل ويعرضون انواعاً اخرى.. ولاحظ أغلبهم ان معظم المهتمين باقتناء البسط يبحثون عن هذا النوع والذي كان رخيصاً، اذ لا يتجاوز سعره 20- 100 ألف دينار عراقي، وهو ايضاً يتكون من (فجتين) واحياناً فجة واحدة، وتربط (الفجتان) من الوسط بخيوط ملونة وهما في الاغلب غير متساويتين في الطول كونهما تحاكان كل على حده، لهذا نرى اختلافات في النقوش بين (الفجة) والاخرى، لان المفترض ان تكونا متشابهتين .. والذي عُد في السنوات السابقة عيباً بحق البساط، اذ عمد كثير من اصحاب المحال الى تصليح الاختلافات حتى اكتشفوا ان عملهم خطأ كبير، حيث عُدّ الاختلاف ميزة جمالية وهوية لهذا البساط أو ذاك وبالمقابل اصبح يباع اغلى من مثيلاته.
ومن البسط المعروفة بشكل واسع، البساط الذي يسمى نسبة للاكراد (البساط الكردي) ويختلف من مدينة الى اخرى ولكنها اختلافات بسيطة ويبقى المضمون يحمل معظم صفات البسط المنتجة في كردستان العراق، ويلاحظ ان البسط الكردية قد حملت اسماء القرى أو اسماء العشائر في الغالب، ومع ان الاطار العام للانتاج وادوات العمل واحدة، الا ان هناك تباينات طفيفة بين هذه العشيرة أو تلك، سواء من حيث النقشات ام الحجم ام الشراشيب ام تغليب لون على الالوان الاخرى، كما يلاحظ بان المرأة الكردية كان لها نصيب واضح في عملية النسيج والحياكة لان هذه الحرفة اليدوية كانت احدى عناصر العمل الرئيسة التي تحقق الاكتفاء ذاتياً ومادياً لمئات العوائل وخاصة في الريف. ومن المعلوم بان اربيل تمتلك واحداً من افضل معامل النسيج اليدوي في العراق ويعد انتاجها من السجاد علامة مميزة بسبب الخبرة والمهارة والدقة التي تتصف بها انامل العاملين ومما زاد المنسوجات أهمية، انها حملت خصوصية المنطقة. وقد اشتهرت المنطقة المحصورة ما بين العراق وايران وروسيا (أي التي يسكنها الاكراد تحديداً) بانتاج افضل انواع البسط واندرها. وقد استغل منتجو الصناعات الصوفية طبيعة منطقتهم فبعد استخراج الالوان من بعض الاحجار والنباتات وصبغ الاصواف بها راحوا يضعون الصوف المصبوغ في مجرى مياه الينابيع والشلالات لايام وذلك ليكتسب تماسكاً في الوانه وينظف من ذرات الصبغ غير الذائبة، ثم يحكون البسط التي حافظت على الوانها لسنوات طويلة اذ نرى بعضاً منها مر عليه اكثر من 150 عاماً.
ان هذا الفن الخاص والذي مثلته مجموعة من البسط الكردية القديمة والحديثة بدأ يقل بشكل واضح –وخاصة القديم منه- في أغلب الاسواق المختصة بالحياكة اليدوية مما يجعلنا نشعر بالحزن ونحن نرى أغلب فلكلور البلد جرى تهريبه الى الخارج وخاصة هذا النوع من الفلكلور.
المصدر- الصوت الاخر

