عن صحيفة الصوت الاخر اللاكترونية
قبل اكثر من عقد من الزمان، وبعد انتفاضة الربيع في العراق وهروب مئات الالوف من الكرد نحو الحدودً، اشارت العديد من الصحف والمجلات الى ان (400000) من اللاجئين الكرد ينتشرون في انحاء روسيا بينهم 80% من اسيا الوسطى والقفقاز فيما البقية لاجئون من العراق وايران.(1)
لاشك ان الـ 80% هذه أو ما يعادل اكثر من الـ(300000) الموجودين في روسيا لا يمثل الرقم النهائي لكرد الاتحاد السوفيتي السابق، ففي ارمينيا يستقر اكثر من (70) ألف كردي، ويعيش عشرات الالوف في اذربيجان دون ان يجرأ أي منهم على الاعلان عن كرديته هذا عدا عشرات الالوف من الكرد الذين يتوزعون في جمهوريات (كورجستان، كازاخستان، قرغيزيا، تركمانستان) ومناطق اخرى من الاتحاد السوفيتي السابق.
ويعود تواجد الكرد في تلك المنطقة –حسب مينورسكي- الى القرن الحادي عشر ميلادي، فيما يعتقد بجيلينا ان اول وجود للكرد في تلك الاصقاع يمتد الى ما قبل القرن الخامس عشر والسادس عشر وحتى الحادي عشر بكثير.
ففي العام 200 للهجرة اندلعت هناك الانتفاضة الشعبية الثانية –بعد انتفاضة اتروبات ضد الاسكندر- بقيادة بابك الخرمي ضد العرب، وامتدت قرابة العشرين سنة، وقدكانت انتفاضة الخرمي امتداداً لانتفاضة ابي مسلم الخراساني، ويتفق كل المؤرخين على ان بابك الخرمي هو من احفاد ابي مسلم الخراساني (2) الذي ليس هناك ادنى شك في اصله الكردي، ويتجلى ذلك في القصيدة التي يهجوه فيها شاعر البلاط العباسي ابو دلامه حين يقول:
ابا مجرم ما غير الله نعمة
على عبده حتى يغيرها العبد
افي دولة المهدي حاولت غدره
الا ان اهل الغدر اباؤك الكرد(3)
ويقول الاستاذ جمال نه به ز عن الخرمي:
(.. وللشعب الكردي تراث اشتراكي زاخر يفتخر به، يبدأ ذلك من الزعيم الكردي الثائر بابك الخرمي، قبل اكثر من الف عام)(4).
وحول موضوع تواجد الكرد في الاصقاع تلك يقول فاسيلي نيكيتين،(5) يحلل (مار) القضية على الوجه التالي: (قبل ظهور الترك في اسيا القديمة بمدة طويلة، ظهرت حركة مذهبية خطيرة هددت كيان الكنسية الارمنية، وتجاوزت هذه الحركة حدود ارمينيا مجتاحة بيزنطة وصولاً الى المغرب، وفي مسيرتها الطويلة تمخضت عنها العديد من المذاهب هي بالترتيب:
الاوشيتي Euchytes والباوليسي Paulicies والتندراسي Tondraclens وغيرها. ويسترسل:
وامتدت جذور المذهب (الباوليسي) في ارمنستان واخذ يتأثر بالظروف المحيطة به في ارمنستان التي هي وطن الكرد ايضاً وتاثر بشكل خاص بذلك المذهب الشعبي الوثني الذي لا يزال محافظاً على استقلالية حتى يومنا هذا عند اليزيدية.
وفي كل الاحوال فان الكرد يتوزعون في تلك الاصقاع قبل ان يكتشف الامريكيون قارتهم بقرون.. ولا شك ان (القرون) تلك تمنح الكرد حق الحياة والتمتع بحقوق المواطنة على تلك الاراضي التي ترعرعوا فوقها، مثلهم مثل اقرانهم من اقوام اسيا الوسطى الذين حصلوا على استقلالهم اثر انحلال روسيا القيصرية.
لقد منح الاتحاد السوفيتي بعد ثورة اكتوبر، الاستقلال التام لكل من بولونيا وفنلندا وانفصلتا عن الاتحاد السوفيتي نهائياً، وتمتعت العديد من المناطق التي تضم تجمعات عرقية بالحكم الذاتي، يقول عالم الكردولوجيا السوفيتي (لازاريف): (لاشك ان الحكم الذاتي هو الانجح في احترام حقوق القوميات وهذا لا يعني انه يوصد الباب على الاستقلال، بل على العكس فانه سيفتح الباب اكثر(6).
وربما من هذا المنطلق جاء قرار لينين عام 1923 باستحداث اقليم للحكم الذاتي للكرد في البقعة الاكثر كثافة بالكرد بين جمهوريات الاتحاد السوفيتي، فكانت (كردستان الحمراء).
وتزامن الاعلان عن منطقة الحكم الذاتي للكرد في اذربيجان مع اعلان الحكم الذاتي لمنطقة (قره باغ الجبلية) التي كانت مثاراً للعديد من النـزاعات الدموية بين اذربيجان وارمنستان.
فقد جاء في بروتوكول جلسة اللجنة المركزية التنفيذية الاذربيجانية في 7 تموز سنة 1923 ثمة اقتراح حول تسيير ذاتي لكردستان، اي تأسيس حكم ذاتي، وتمت الموافقة على هذا الحكم على ضوء الحكم الذاتي لـ(ناكورنو قره باغ= قره باغ الجبلية) وهكذا تم تأسيس منطقة الحكم الذاتي لكردستان وفي الوقت نفسه اسس الحكم الذاتي في منطقة ناكورنو قره باغ(7).
تأسيس كردستان السوفيتية
على الرغم من ندرة المعلومات المتوفرة عن (كردستان الحمراء) او كما كانت تسمى بالسوفيتية Kurdiisransk) ) فاننا سنحاول ان نرسم صورة قريبة للوضع هناك اواسط العقد الثالث من القرن العشرين -والذي تعرض للتعتيم الكامل فيما بعد- وذلك من خلال ما توفر لنا من مصادر متواضعة، علنا نساهم في القاء الضوء على صفحة مطوية من تاريخ الكرد المعاصر.
تتفق كل المصادر على ان تأسيس منطقة الحكم الذاتي للكرد جاء بناء على طلب لينين نفسه واثر التغييرات الكبيرة التي حصلت في روسيا بعد ثورة اكتوبر. فبعد الكثير من الاجتماعات والمحادثات المتواصلة بين الاطراف المعنية في اذربيجان وارمينية وروسيا، ارسل لينين برقية الى (نريمان نريمانوف) رئيس جمهورية اذربيجان في العام 1923 يحثه فيها على الاهتمام بشؤون الكرد في اذربيجان, فيقول: (ان حالة شعب كردستان سيئة جداً، وان الشعب هناك يفنى من الجوع ويندثر لذلك يجب ان تقدموا لهم يد المساعدة)(8).
ويتناول العالم الاركولوجي السوفيتي ي.بيجلينا الذي زار المنطقة عام 1924، الحالة التعيسة للكرد في اذربيجان آنذاك فيقول: (ان المهنة الرئيسية لكرد هذه المنطقة، خلال نصف قرن، هي الرعي والزراعة وليس للبستنة أو تربية النحل، أو صناعة السجاد التي يمكن ملاحظتها في هذه المنطقة، اهمية اقتصادية، والارض الجبيلة التي تفتقر الى تربة كثيفة لا تعطي ناتجاً ذا اهمية من الحبوب أو الاعشاب أو الزهور، لذلك يشتري اهل المنطقة الحبوب من سهول قره باغ بثمن المواشي (أو نتاجها) التي يبيعونها، كذلك فانهم يبادلون ما تصنعه أو تنتجه النساء في الصيف بالحنطة.
تتم حراثة الارض بابسط الوسائل واكثرها بدائية، لذلك يكون ناتجها قليلاً جداً، وبسبب كون الاراضي غير ديمية فانها اما تتعرض للكوارث الطبيعية كما يحدث في سنوات الجفاف أو غزارة المطر أو هطول المطر في
اشهر الصيف حيث يتلف ما تم زرعه).
ثم يضيف بجيلينا: (لا يبتعد الكرد، اينما كانوا سواء في ايران أو تركيا أو الاتحاد السوفيتي، عن المناطق الجبلية، وقلما يتواجدون في السهول، وحسب المعلومات التي توفرت لجولتنا في لاجين عام 1924 فان عدد الكرد في منطقة كردستان يبلغ حوالي 35-40 الف نسمة. وتوجد هناك ايضاً قرى الاتراك الاذربيجانية حيث يحتمل ان يصل تعدادهم الى 9 آلاف نسمة ولم يبق اثر للقرى الارمنية في هذه المنطقة اليوم مع العلم انهم سكنوها الى حيث وقوع الحرب الداخلية خلال سنتي 1918-1919 حيث تركوها وهاجروا الى منطقة (زنكزور) في ارمينيا وذلك بعد حدوث تعقيدات في العلاقات القومية هناك).
اذن فان ايعاز لينين لنريمان نريمانوف بتأسيس منطقة حكم ذاتي للكرد في اذربيجان لم يأت من منطلق انساني فحسب بل لابد انه اخذ بنظر الاعتبار الكثير من العوامل التاريخية والجغرافية للمنطقة التي كان الكرد فيها يشكلون نسبة كبيرة من مجموع الكرد الموجودين في الاتحاد السوفيتي السابق. وعلى ضوء برقية لينين قرر برلمان اذربيجان توحيد ست مقاطعات من مناطق اذربيجان التي كان سكانها من الكرد باسم منطقة الحكم الذاتي للكرد وتسمى بكردستان السوفيتية والمناطق الكردية الست هي:
قره قشلاق، كل بازير، كوتوله، كوباتلين، كرد كارص ومراد خانلي. ووقع رئيس الجمهورية نريمانوف على القرار وبذلك تأسست منطقة الحكم الذاتي اعتباراًَ من 7 تموز 1923 وشملت تلك المنطقة الضيقة الممتدة من قره باغ الى نهر اراس(9) ويبدو ان منطقة الحكم الذاتي الفتية قد استأثرت باهتمام لينين، فها هو يكتب لنريمان نريمانوف ويقول: (آمل ان يكون بنك اذربيجان الوليد اساساً متيناً للسياسة الاقتصادية الجديدة بيد عمال وفلاحي الجمهورية السوفيتية … وتقديم (40) مليون كمساعدة للجياع جنوب الفولكه وكردستان لهُ خير دليل على المضي قدماً تحت راية اممية الكادحين الحمراء)(10) .
وتحسنت اوضاع الكرد في اذربيجان بعد اعلان منطقة الحكم الذاتي وانتقلت العاصمة من شوشه الى لاجين بعد اشهر من الاعلان عن تأسيس المنطقة، وتشكلت المؤسسات الادارية للدولة والنظام البرلماني في كردستان وانتخب (كوسي حجييف) وهو من سكان المنطقة كأول رئيس للبرلمان وكأول رئيس لكردستان السوفيتية.
وتحققت الكثير من الانجازات في ظل الحكومة الفتية وضمنت احتياجات الكرد هناك تدريجياً فافتتحت المدارس الكردية بمراحلها الثلاث وطبعت العديد من الكتب المدرسية والعلمية والثقافية باللغة الكردية.
يقو ل الشاعر والصحفي الكردي المعروف علي عبد الرحمن (1920-1994)(11): (دخلت المدرسة في منطقة شاوريكا في اذربيجان ودرست فيها باللغة الكردية)(12).
ومنح الكرد كل ما يتطلبه الحكم الذاتي، فظهرت جريدة باسم (كردستان السوفيتية) باللغة الكردية(13) .
وكانت تبث برامج اذاعية باللغة الكردية وافتتحت في شوش دار المعلمين الكردية، وتأسس المسرح الكردي هناك وتطور واستطاع الكتاب الكرد ان ينشروا كتاباتهم بلغتهم الامر الذي اسعد كثيراً كرد الاتحاد السوفيتي (14)، وهكذا ظهرت الى الوجود شبه دولة كردية واديرت بانتظام وتحققت امال الكرد في هذا الجزء من كردستان(15).
جغرافية كردستان السوفيتية وحدودها:
تقول موسوعة (كييه) الفرنسية عن كردستان انها (مقاطعة في جمهورية اذربيجان السوفيتية مساحتها (35340) كيلو متراً مربعاً يقطنها 51.500 شخصً، العاصمة قرية لاتشين(16) وحدود منطقة كردستان السوفيتية من الشمال الى الجنوب تمر بالمناطق التالية (كل بازار، لاجين، كوباتلين وقسم من اقليم دجرنزار). وحدود شمال كردستان عبارة عن سلسلة جبال مورفداكس وتتحد في منطقة كاندرانسكي ومحاذاة جبال كانكورو وألانكرزسكي، ومنطقة (نور بايزه) في ارمينيا السوفيتية هي حدود كردستان. وفي الجنوب الغربي تمتد حدود كردستان من منطقة ارورود رلكسكي وزنكزور في ارمينيا السوفيتية وتستمر هذه الحدود في الجنوب الغربي بمحاذاة نهر (اكه را) الى ان يصب فرع نهر ميخالييف في نهر (اكه را). وحدود كردستان من الجنوب الشرقي، ناكورنو قره باغ وبالذات في المناطق التي يصب فيها نهر ميخالييف في نهر (اكه را) قرب جبل موروفدكسلس. اما الاقسام الجنوبية من كردستان فهي عبارة عن منطقة كوباتكسي على حدود منطقة (نزمين) وتستمر بمحاذاة نهر اراس(17).
يقسم ي. بجيلينا منطقة كردستان السوفيتية الى ثلاث مناطق جغرافية(18):
القسم الاول: اطراف نهر اراس، وهي منطقة سهلية ذات انتاج زراعي جيد مثل الرز والقطن وتصلح في الشتاء كمراع للمواشي التي تنحدر من المشاتي القرية.
القسم الثاني: سفوح الجبال وتشمل العديد من المراعي والمراتع الى جانب الاراضي الصالحة للزراعة.
القسم الثالث: الجبال التي يبقى فيها القليل من السكان اثناء الشتاء لكنها تتحول الى مصايف ومراع لماشية المنطقة كلها في الصيف. ويتحدث بجيلينا عن سفوح الجبال التي قصدتها البعثة الاركولوجية في رحلتها لكردستان السوفيتية عام 1924 فيقول: انها منطقة ذات جبال جافة وجرداء تتخللها كهوف كثيرة متصلة أو منفردة ذات مداخل مظلمة وكثيرة. بعض الكهوف تستخدم كسكن وبعضها الآخر يستخدم لايواء الماشية ويقسم الكهوف التي تستخدم لسكن المواطنين في كردستان السوفيتية الى نوعين:
1- البيوت الكهفية، وتشمل:
أ)- تلك الكهوف السكنية المبنية عن طريق حفر الصخور الهشة مثل تلك التي تنتشر في قرى عبداليان، كاريكاس، سندليار، مينكند، وعادة ما تكون هذه الكهوف صغيرة يعيش فيها الناس أو تحشر فيها المواشي، ويقول بجيلينا (انه لم يلاحظ ابداً ان تعيش العوائل وحيواناتها معاً في كهف واحد).
ب)- النوع الثاني هو تلك التي يتم فيها حفر التراب الاصفر بشكل دائري ثم تغطى الجدران بطبقة من الطين وبعدها بصفوف من الحجارة، الواحد فوق الاخرى أو يبنى جدار حجري سميك بجانبه ويترك المجال لفتحة ضيقة وتؤطر باطار خشبي حيث يثبت فيها الباب، كما يترك المجال لعدد من الفجوات الصغيرة تستخدم كنوافذ.
2- البيوت الكهفية الطبيعية: وتقسم الى نوعين ايضاً:
أ- الشرخي، ويظهر على شكل شق عميق في الجبال، ارتفاعه مساو لقامة الانسان وتستخدم هذه الكهوف كاسطبلات لايواء المواشي في الشتاء وتتسع في حدود (1000-3000) رأس، تنتشر هذه الكهوف في قرى فيزيليا بيرجاني، واشلو، مينكند، ملا احمدلو، وبوزلو.
ب- الكهوف الواسعة، ولا تستخدم هذه الكهوف لايواء الحيوانات لسعتها وبرودتها وتكثر هذه الكهوف بالقرب من قرى ملا احمدلو، بوزلو، قرقشلاق.
بالاضافة الى الكهوف، يستخدم كرد هذه المنطقة نوعاً آخر من المنازل تسمى (قوردام) يتم حفرها في الارض وتستعمل كمسكن للافراد، كما هناك نوع اخر من البيوت قليلة الشيوع على غرار البيوت القفقاسية تسمى (ساكلا) ولا تختلف الـ(ساكلا) و(القوردام) والكهوف كثيراً من ناحية التنظيم والتهوية، ونلاحظ بيوت الـ(ساكلا) في قرى بيرجان ومينكند.
الهوامش والمصادر
1- جريدة رسالت (الايرانية) في 27/1/1994 ومجلة Roja nu 1994-38 صفحة5 ومجلة متين العدد5 في 1993 صفحة43.
2- اذربيجان ونغمه هاى تازه استعماركران، نوشته مهرداد اذري 1631، صفحة26 و27.
3- ابو مسلم سردار خراسان، دكتر غلامحسين يوسفي، 1354، صفحة193.
4- نشرة كوردنامه- العدد 23/1993.
5- كرد وكردستان/ نيكيتين/ ترجمه (الى الفارسية) محمد قاضي، صفحة 483-484.
6- ماموستاى كرد/العدد 6، صفحة 16.
7- القافلة العدد2/1993 صفحة34.
8- المصدر السابق.
9- ماموستاى كورد/ العدد 7 ربيع 1989 ص42.
10- المصدر السابق ص59(انظر لينين الاعمال الكاملة، الجزء الرابع ص100).
11- جريدة كه ل- الشعب العدد19/اواخر تشرين الاول 1985.
12- يقول البريفسور شكري خدوي ان جريدة كردستان السوفيتية كانت تصدر باللغة الاذرية واستمرت بالصدور حتى عام 1961(صفحة 48 مجلة ئاوينه العدد 13).
13-ماموستاى كورد العدد 7 صفحة59 ربيع 1989.
14- حياة كردي في الاتحاد السوفيتي- نادروف. مجلة دراسات كردية (باريس) العدد4 (8) السنة التاسعة 1993.
15- مجلة القافلة العدد2/1993 صفحة37.
16- الاكراد… من هم والى اين- كاظم حيدر، صفحة11.
17- المصدر الـ(15).
18- كه ل- الشعب العدد37 اوائل اذار سنة 1990