تنتمي اللغة الكردية الى عائلة اللغات الهندو ايرانية و هي متشعبة الى لهجات كبيرة و لهجات اصغر متفرعة عنها و متوزعة على المناطق الكردستانية المختلفة.
و قد دونت العشرات من الآثار الادبية و الدينية بهذه اللغة التي شهدت مزاحمة كبرى من اللغة العربية بعد مجيء الاسلام ثم زاحمتها اللغتان الفارسية و التركية في العصور المتاخرة للاسلام بعد ان اقتسمت الامبراطوريتان الصفوية و العثمانية كرستان فيما بينهما.
و لقد انتعشت اللغة الكردية انتعاشا ملحوظا بعد دخول كثير من المفردات العربية و الفارسية اليها على يد رواد الشعر الكردي سواء الديني او العاطفي.
و قد انتبه الشاعر الكردي احمد خاني لأول مرة و قبل ثاثمئة عام إلى ضرورة قاموس عربي كردي لتعليم الأطفال الكرد اللغة العربية من منطلق كونها لغة القرآن و الدين الإسلامي الذي اعتنقه غالبية الاكراد, فألف قاموسه الشعري الصغير الذي سماه نوبهارا بجوكان(ربيع الأطفال الجديد) في نهاية القرن السابع عشر الميلادي تبعه في ذلك شاعر من السليمانية هو الشيخ معروف النودهي فألف على غراره قاموسا سماه أحمدي.
و في القرن التاسع عشر الميلادي و تحديدا في العام الف و ثمانمئة و اثنين و تسعين الموافق للعام الهجري الف و ثلاثمئة و عشرة بادر يوسف ضياء الدين باشا الخالدي المقدسي الى وضع أول معجم كردي عربي سماه الهدية الحميدية في اللغة الكردية في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني.
و اللافت للنظر أن القاموس المذكور قد لاقى صدى لدى الاوساط الكردية الثقافية فبادر المثقفون الى كتابة تقريظات شعرية لدى صدور طبعته الاولى في العاصمة العثمانية الاستاة أو اسطمبول مما يدل على رواج القاموس في حينه بين النخبة المثقفة, حيث يقول الشيخ عبد الرحمن بن ملا حسين مفتي مدينة سيرت او اسعرد:
و غدت مآثره الحميدة تكتب عن سيد سبق الكرام سليلا
أعني ضياء الدين يوسف من بقدومه اضحى البلا محلولا
شمس بأرض القدس شيم ضياؤها فتنورت منها البقاع شعولا
حق علينا شرح متن ثنائه في كل يوم بكرة و اصيلا
هذه الابيات في مدح المؤلف وردت في كتاب مشاهير الكرد و كردستان من تاليف المؤرخ محمد امين زكي الذي يورد في الكتاب ذاته ابياتا نسبها لمن سماه محمد امين زكي يوسف ضياء افندي بن الشيخ حسن بن مصطفى مفتي سيرت و اظنه نفس الشاعر صاحب الابيات السابقة و يقول مؤرخا لصدور القاموس:
أحلى كتاب في لغى الاكراد قد جمع الجميع و قد سما ترتيبا
و حوى الاصول الغر غير مغادر في الكشف إفرادا و لا تركيبا
مذ تم إملاء الهدية أرخت أملى الكتاب ابن الخليل اديبا
إن المصراع الثاني من البيت الاخير أملى الكتاب ابن الخليل اديبا , يوافق وفق حساب الجمل الابجدي تماما العام الف و ثلاثمئة و عشرة للهجرة, و هو العام الذي اكده الدكتور محمد مكري في مقدمة القاموس دون ان يحيل القارئ الى مصدر معين.
و إذا كان صاحب الابيات مفتي سيرت يمدح المؤلف و يقول إن قاموسه لم يغادر مفردة شاردة إلا ودونها في قاموسه, فإن القاموس حوى نواقص كثيرة ايضا.
فالمؤلف المقدسي كتب امام كثير من الكلمات التي لا يشك احد في كرديتها أحرف العين للدلالة على اصلها العربي و التاء للدلالة على الاصل التركي و الفاء للدلالة على اصل المفردة التركي.
كما نجد أن المؤلف يتهم الكرد بأنهم متوحشون, فلدى ترجمته كلمة صورافك التي تعني نوعا من الاصباغ التي استعملته نساء كردستان لجلب النضارة الى الوجه يقول: صورافك دواء تضمد به النساء وجوههن لجلب الحسن و احمرار الوجه. ثم يعلق مستغربا: حتى عند المتوحشين يوجد التمدن المغشوش!!
ربما كان المؤلف قد اصطدم لدى وجوده في كردستان بمجموعات كردية بدوية و البدو اينما كانوا و كما هو معروف بعيدون عن الحضارة دون ان يعني ذلك انهم لا يعرفون المثل و الاخلاقو و ربما كان استغراب المؤلف ناتجا عن رفضه لما تقوم به النساء من تجميل للوجه بشكل عام. و لا يعني ذلك ان الاكراد البدويين وحدهم يعرفون الصورافك فالقاموس قاموس لغة كردية لا مفردات بدوية و ان كان الطاغي على عمله هو ايراد مفردات البداوة بكثرة. و لقد نوه المؤلف مرارا الى وجود علماء بارزين بين الكرد منهم من ساعد المؤلف في وضع قاموسه.
و بما أن القاموس كتب بالاحرف العربية فقد اعتمد المؤلف ضياء الدين يوسف باشا الخالدي المقدسي الالفباء العربية في تبويب القاموس, لهذا يجد القارئ فيه ابوابا لا يجدها في القواميس المعاصرة التي تعتمد الحرف اللاتيني أو التي تعتمد الابجدية العربية التي حذفت منها الاحرف العربية الخالصة مثل الصاد و الضاد و الطاء و الظاء و العين و الحاء.
و بالرغم من ذلك فإن هذا القاموس قد حفظ لنا كلمات كردية أصيلة لم ينتبه اليها الكتاب المعاصرون للاسف فلم يستعملوها في كتاباتهم.
و تأتي أهمية القاموس من كون مؤلفه المقدسي ملتزما بجمع المفردات و شوارد الكلمات دون أن يضيف باجتهاده الخاص شيئا من عنده كما يفعل الكثيرون من المشتغلين على الصناعة المعجمية الكردية هذه السنوات.
إن آفة الاجتهادات الشخصية التي ابتلي بها المعنيون بوضع القواميس, لهي آفة تضر باللغة الكردية أيما ضرر, و هؤلاء يظنون أنهم يضيفون لبنات جديدة الى البناء اللغوي الكردي غافلين عن أن من حق علماء اللغة المتبحرين و المجامع اللغوية وحدها ابتكار تراكيب لغوية او مفردات تفي بحاجة المجتمع الى تجديد اللغة و لا ينبغي بأي حال من الأحوال ترك الأمر في يد الهواة.
يبقى أن نشير الى أن هذا القاموس الكلاسيكي طبع سنة ألف و تسعمئة و خمسة و سبعين في لبنان طبعة اولى عن مكتبة لبنان المهتمة بنشر القواميس و قد اعتنى بطبعه و تحقيقه الدكتور محمد مكري استاذ التتبعات العلمية الفرنسوية في باريس وقتذاك, و قد بادرت مكتبة لبنان الى إعادة طبعه و نشره سنة 1987 و كتب الدكتور محمد مكري مقدمة باللغتين الانكليزية و الفرنسية تضمنت دراسات في مباحث اللغة الكردية اللهجة الكرمانجية التي كتب بها القاموس, و عن المؤلف يقول د. محمد مكري: هو يوسف ضياء الدين باشا الخالدي المقدسي من اسرة دينية مشهورة في فلسطين و كان واليا في منطقة الموتكي في ولاية بدليس الكردية حيث عمل خلال تلك الفترة على تأليف هذا القاموس, و كان يعرف كما يقول مكري اللغات العربية والفارسية و التركية الى جانب اللغة الكردية.
ملاحظة:
بثت فضائية ميديا تي في, في قسمها العربي هذه القراءة ضمن برنامج كتاب تحت الضوء.