الاوقات عصيبة لم يمروا بمثلها منذ قرون، الرجال اخذت العوائل وأمنتهم عند الاقارب في زرباطية وبدرة.ثم عادوا ليلتجأوا الى الجبال يحملون، اسلحتهم التي لن تكن تتعدى، بندقيات مستخدمة في الصيد، ولكنهم كانوا يعتزون بها اعتزازاً كبيراً، حتى ظنوا انهم بهذه الاسلحة يستطيعون مواجهة جيش رضا خان ،الذي قرر ان يبسط نفوذه على كل ارجاء ايران*(1).
كانت القوى العظمى قد انتهت من تقسيم تركة الدولة العثمانية. وتقسيم ارض كوردستان، والتي ادت الى تمزق أبناء العائلة الواحدة بين اكثر من حدود. كان القبول بذلك أمراً صعباً، لم يكن ليستوعبوا كيف، يمكن ان تجزء ارض العشيرة الواحدة بين بلدين، دون جريرة تبرر ذلك، لذا قرروا المقاومة.
هرب والي پشتكو الى اراضي الكوردية في شرق دجلة والتي ضمت الى العراق بمعية اهله والمقربين اليه، فأقام في مدينة الكوت على ضفاف دجلة، قبل ان يدعوه ملك فيصل الاول، للقدوم الى بغداد، ليموت فيها، ويدفن في وادي السلام، النجف، في مقبرة مازالت شاخصة وتسمى بأسمه. كانت ولاية پشتكو شأنها كبقية الولايات الكوردية، لها استقلاليتها التامة، ويحكمها والي من ابنائها*(2).. مع محافظتها على الولاء للدولة العثمانية، وارسال جزء من موارد الولاية الى المركز في استنبول. كانت حدود الشرقية للولاية هي جبال پشتكو ( الشريط الجنوبي من جبال زاكروس الموطن الاصلي للكورد) وغرباُ الى شرق نهر دجلة وشمالا الى حدود التي تسكنها قبائل الجاف الكوردية *(3) ،وجنوباً الى حدود ولايتي عربستان والبصرة. كانت هناك علاقة وطيدة تربط بين والي پشتكو وولات بغداد. ومن الاحاديث التي سمعتها عن جدي، الذي توفي في سنة1973 عن عمر يناهز 118 عاماً. حسب سجل النفوس، حيث كان من مواليد1854 . والذي كان يصر ان ذلك التاريخ المدون في النفوس خطأ وان عمره يتجاوز 134 عاماً، لما كان يتذكره من حوادث تاريخية تخص فترة حكم مدحت باشا في بغداد*(4)، حيث كان يذكر انه قاد قافلة محملة بالهدايا لوالي بغداد من والي پشتكو، ومن ضمن تلك الهدايا، أحمالا من الثلج (وه فر) كان يحافظ عليها من الذوبان، بلفها جيداً بقماش مصنوع من اللباد. وعن رحلته تلك، ذكر، انهم استقبلوا لدى وصولهم بغداد استقبالا حاراً، وتم دعوتهم الى وليمة غداء ، تخللته مبارزاة بين ابطال وخيول وحشية يسعون لايقافها. وذكر انه شارك بالمبارزة وحقق فوزاً، فاهداه الوالي مدحت باشا سجادة صغيرة كان يحتفظ بها ويستخدمها في صلاته. تلك السجادة بيعت بعد وفاة جدي بمبلغ 150 ديناراً عراقياً،لاصابتها بالارضة وتآكل اجزاء منها، وكان هذا المبلغ يعد كبيراً في ذلك الوقت وخاصة لسجادة في ذلك الحجم. بعد هروب الخان (الوالي)، انتخبت العشائر رئيساً، ليقود نضالهم، وكان اسمه (شامگه)، وحسب اعتقادي انه تصغير لاسم (شاه محمد) ، فكانت هتافاتهم تقول ” ئه نار له باخان شامگه له جي رزا خان” اي الرمان من بستاننا وشاهمحمد نريده بديلاً عن رضا خان،اي بمعنى آخر انهم كانوا يرفضون ان يحكمهم شخصاً لا ينتمي اليهم، كما تعودوا على مر قرون، وكانوا يرفضون ان ينضموا قسراً الى الحكم في ايران. كان الثوار قد قاموا بأتلاف خطوط البرق، ووضعوا كمائن على الطرق الوعرة التي تؤدي الى قراهم. ولكن مصيرثورتهم لم تكن افضل من مصير كثير من الثورات التي اجتاحت كل مناطق كوردستان في ذلك الوقت. فشلت الثورة، بمعاونة من القوى البريطانية حيث كانت طائراتها تقصف الاماكن التي تختبأ فيها الثوار، فكانوا يتندرون على تلك الطائرات وقنابلها، ” قلى هات ريتق كِرْدْ” ، اي “جاء غراباً ورمى بفضلاته”، استهزاءاً بالعدو، وتمعناً في التعبير، عن اصرارهم في الاستمرار في القتال لأيمانهم بصدق قضيتهم. فشلت ثورة پشتكو في ذات الوقت الذي اغتيل فيه، سمكوالقائد الكوردي المعروف الذي قاد ثورة ايضاً ضد رضا خان في الاجزاء الشمالية من كوردستان التي ضمت ايضاً الى ايران.
لجأ كثير من المحاربين الى داخل اراضي العشيرة، في ذلك الجزء الذي ضم الى العراق بعد فشل ثورتهم و صدور احكام بالاعدام، بحقهم. ولكن ذلك الحكم لم يثنيهم من العودة الى قراهم، لانهم كانوا متأكدين ان السلطات الايرانية لا يمكن لها الوصول اليهم*(5).
*1. قاد “رضا خان” انقلاباً، أطاح بآخر شاه من اسرة قاجار التي حكمت بلاد فارس. وهو ضابط نصف أمى من فرقة القوزاق القديمة, التى شكلتها روسيا القيصرية من الضباط الروس لحماية حكم أسرة قاجار والمصالح الروسية معا. فقدت الفرقة ضباطها الروس, بعد ثورة 1917 فى روسيا, واستبدلوا بضباط محليين. فى عام 1921, أعلنت الحكومة السوفييتية رفضها لسياسة ” القياصرة الطغاة”, وتخلت عن كل الاراضى التى استولى عليها النظام القيصري غصبا. هذه التنازلات أحادية الجانب شجعت الروح الوطنية حتى داخل فرقة القوزاق القديمة. فسار في نفس العام “رضا خان” بقواته إلى طهران واحتلها. ،و تسلم منصب وزير الدفاع، ثم بعد ذلك ازاح رئيس الوزراء ونصب نفسه مكانه، ثم نحى الشاه القاجاري (احمد محمد علي) وقضى على حكم الأسرة الملكية القاجارية واعلن نفسه شاها على ايران باسم الشاه رضا بهلوي واسس الحكم الملكي البهلوي في ايران اعتبارا من نيسان 1926م. بتأييد من الإنجليز.ولكن غرام رضا خان بالرايخ الثالث أثناء الحرب العالمية الثانية، (تغير اسم البلد من فارس إلى إيران بناء على اقتراح السفارة فى برلين، بما أن إيران هى مهد الجنس الآرى) كان السبب المباشر الذى قاد إلى سقوطه. ففى عام1941 أطاح به البريطانيين وأرسلوه إلى المنفى. واجلسوا ابنه محمد رضا، بدلا منه على العرش.
*2. لذايطلق الاكراد الفيلية على كل اكراد من غير الفيلية بالجاف.
*3 ان بعض ابناء والي پشتكو، حاولوا التنصل من انتمائهم القومي، واعتبروا انفسهم أتراكاً، للحصول على التبعية العثمانية، وربما الحوادث التي حدثت ضد الكورد الفيلية لاحقاً، بين مدى بعد نظرهم في هذا الجانب، رغم ان بعض احفاده عادوا ليعلنوا انتماءهم الى الكورد الفيلية.
*4. كان مدحت باشا والياً على بغداد بين الفترة 1868-1872.
*5. الغريب ان كثير ممن عادوا الى قرى پشتكو، كانوا من حملة الجنسية العثمانية، ورغم ذلك، لم يتم التعامل معهم من قبل الحكومة الايرانية على انهم عراقيون، بينما معظم الاكراد الفيلية، الذين بقوا في أماكن سكناهم الاصلية ضمن المناطق التي ضمت الى العراق، اعتبروا من التبعية الايرانية وهجروا الى ايران في تواريخ متعاقبة بعد نشوء الدولة العراقية. وهذا يؤكد بطلان الاسس التي اعتمدت عليها، سن قانون الجنسية العراقي عام 1924.